الأمير محمد بن سلمان

على الرغم من قيامه بتخفيض ميزانية الدولة وتجميد العقود الحكومية، بالإضافة إلى تخفيض أجور موظفي الخدمة المدنية، واتخاذ العديد من التدابير التقشفية الأخرى، بسبب التداعيات الاقتصادية الكبيرة الناجمة عن انهيار أسعار النفط، إلا أن نائب ولي العهد السعودي، يسعى نحو قلب التقاليد وإعادة توجيه الاقتصاد بالإضافة إلى توطيد السلطة، بينما يحرص على إحكام قبضته على المزايا الملكية التي صار يتمتع بها. ففي خلال أقل من عامين، برز الأمير السعودي بصورة كبيرة ليكون الأكثر ديناميكية في أغنى دولة عربية، مما يفتح الباب أمام منافسة محتملة على العرش.

ووضع الأمير الشاب يده على عناصر السياسة السعودية كافة، وفق الصحيفة الأميركية البارزة، بداية من الحرب في اليمن ، فقد سعى نحو كسر عادات الإنفاق الحر، وكذلك تقليل الاعتماد على النفط، بالإضافة إلى تخفيف القيود الاجتماعية المفروضة على الشباب.

صعود الأمير محمد بن سلمان حطم العديد من التقاليد التي احترمتها العائلة المالكة في السعودية لعقود طويلة من الزمن، بحسب الصحيفة الأميركية، والتي كانت تقوم على احترام الأقدمية وتقاسم السلطة بين أفرع العائلة، حيث أن تاريخ المملكة لم يشهد من قبل أن يكون هذا الكم من السلطات في يد نائب ولي للعهد، وهو الأمر الذي أغضب قطاعا كبيرا من الأقرباء.

الطموحات الكبيرة التي يحملها بن سلمان دفعت العديد من المراقبين إلى القول بأنه لا يريد فقط إحداث تغيير في سياسات المملكة، ولكن خروج نائب ولي العهد السعودي عن البروتوكول أثناء لقاء والده بالرئيس الأميركي باراك أوباما في أواخر العام الماضي حين تحدث عن فشل السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، بمثابة إشارة تلقاها البيت الأبيض حول صعود الأمير الشاب.

وتضيف الصحيفة الأميركية أن الأمير الشاب يحظى بإعجاب قطاع كبير من شباب المملكة العربية السعودية، باعتباره ممثلا جيدا لجيلهم، بالإضافة إلى كونه شابًا مفعمًا بالحيوية، حيث تمكن من التعامل مع العديد من المشكلات التي تواجه البلاد بقدر كبير من الجرأة، وهو الأمر الذي لعب فيه الإعلام السعودي دورًا كبيرًا، حيث قام بتلميع صورته باعتباره الزعيم الدؤوب الأقل اهتماما بزخارف الملوك مقارنة بأسلافه، في حين أن أخرين يرونه جائعًا للسلطة، حيث أنه يخاطر باستقرار بلاده بالتغيير المتزايد والسريع.

خلال أشهر من اللقاءات والمقابلات التي أجراها الأمير السعودي ومسؤولين أميركيين ودبلوماسيين في كافة الدول، أراد أن يضع لنفسه صورة القائد النشط الذي يمكنه تغيير مسار المملكة العربية السعودية في زمن قياسي، إلا أن السؤال الذي لم يجد إجابة بعد، يدور حول ما إذا كان الرجل قائدًا نشيطًا بالفعل أم أنه مندفع وسيكون اندفاعه وقلة خبرته سببًا في زعزعة استقرار أكبر اقتصاد في العالم العربي في ظل تصاعد وتيرة الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط.

 ومنذ تسلك الملك سلمان مقاليد عرش المملكة في يناير/كانون الثاني 2015،ونائب ولي العهد ، يجول العالم بطوله وعرضه، ويتحدث مع الصحف الأجنبية، ويلتقط الصور مع مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرج ليقدم نفسه كواجهة جديدة للمملكة.

ويقول جوزيف كيشيشيان، الباحث في "مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية" في الرياض، لا يوجد في المرحلة الراهنة أهم من قضية وريث العرش، خاصة وأن هذا الأمر يبدو مهما للغاية ليس فقط في الداخل السعودي، ولكنه يمتد كذلك إلى شركاء المملكة الإقليميين وأصدقائها الدوليين.

الحرب على الحوثيين في اليمن ربما كانت أحد أهم المبادرات التي تبناها بن سلمان

و ربما كان أحد أبرز نقاط الخلاف بين ولي العهد السعودي ونائبه، وذلك بحسب ما ذكر عدد من المسؤولين الأميركيين وأفراد من الأسرة الحاكمة في السعودية، حيث أنه بالرغم من توافق الأجهزة الأمنية الثلاثة في المملكة على ضرورة أن يكون هناك رد سعودي بعد إسقاط الحكومة اليمنية على يد الحوثيين، إلا أن قرار الحرب تم اتخاذه من قبل بن سلمان منفردا في مارس/آذار 2015، ودون تنسيق كامل بين الأجهزة الأمنية.

وترصد "نيويورك تايمز" أن الأمير السعودي محمد بن سلمان كان حريصا على الظهور بشكل مكثف بعد بداية الحملة مباشرة، حيث ظهر أكثر من مرة مع الجنود السعوديين على الحدود مع اليمن، وقام بالتقاط الصور معهم، إلا أن الأمر لم يعد كذلك حيث أصبح ظهوره نادرا.

الحرب التي شنها بن سلمان على معاقل الحوثيين في اليمن تأتي ربما لتعكس رغبته في تقليل اعتماد بلاده على واشنطن في ما يخص الجانب الأمني، خاصة وأنه انتقد التقارب الأميركي الإيراني، رافضا تصريحات صادرة عن الرئيس الأميركي باراك أوباما حول ضرورة أن تقوم السعودية بمشاركة الجوار مع إيران.

العديد من المحللين رأوا أن هذا الجانب يمثل محاولة الأمير الشاب في تعزيز الإحساس بالهوية الوطنية السعودية، وهو الأمر الذي كان غائبا تماما منذ تأسيس المملكة في الثلاثينات من القرن الماضي. ويقول الخبير السياسي أندرو بوين أن هناك إحساسًا متزايدا لدى مواطني المملكة بالوطنية منذ بداية الحملة السعودية على الحوثيين، وهو الأمر الذي تزامن مع الشعور بقيام المملكة بعمل مستقل لأول مرة في تاريخها.

الصعود السريع للأمير محمد بن سلمان لم يظهر بصورته الحالية إلا بعد وفاة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، بعد إصابته بمرض سرطان الرئة، حيث أن الملك سلمان قام بتغيير خريطة العرش من خلال تعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، بديلا لأخيه مقرن بن عبد العزيز، وهو الأمر الذي يمثل تغييرا كبيرا في شكل السلطة خاصة وأن العرف جرى على تعيين أبناء المؤسس الملك عبد العزيز في منصب ولاية العهد، إلا أن الملك سلمان ربما فضل أن يبادر بوضع الجيل الجديد على بداية الطريق نحو العرش.

إلا أن المفاجأة الأكبر تمثلت في إقدام الملك سلمان على تعيين إبنه نائبًا لولي العهد في المملكة، في الوقت الذي لم يكن قد تعدى التاسعة والعشرين من عمره، بالإضافة إلى أنه لم يكن معروفا لدى حلفاء المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي قوض طموحات عدد كبير من أبناء الأسرة الحاكمة ممن هم أكبر سنًا منه، خاصة وأن قطاعًا كبيرًا منهم كانت لديه خبرة كبيرة في الحياة العامة وكذلك في قطاعات رئيسية وحيوية داخل المملكة وعلى رأسها قطاع النفط.

ومنذ ذلك الحين بدأ الأمير الشاب في تسويق نفسه باعتباره رجل المرحلة المقبلة في المملكة العربية السعودية. فعلى المستوى الداخلي، تبنى الأمير بن سلمان خطة إصلاح الاقتصاد السعودي، والتي تحمل عنوان رؤية 2030، والتي تم إطلاقها في إبريل/نيسان الماضي، حيث تقوم تلك الخطة في الأساس على تحويل الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط والتوجه نحو القطاع الخاص وذلك من أجل زيادة فرص العمل، بالإضافة إلى العمل على تحسين قطاعات التعليم والصحة والمواصلات وذلك لتشجيع المستثمرين الأجانب لاقتحام أسواق المملكة.

يبدو أن الرجل تمكن بالفعل من إقناع قطاع عريض من السعوديين، خاصة ممن هم في مرحلة الشباب، حيث رأوا أن طموحاته تؤهله لتحقيق التغيير المرجو في الوقت الذي أصبحت فيه الطرق القديمة في التفكير لا تجدي.

المستقبل كيف يكون

مبادرات الأمير السعودي طويلة الأمد ربما لا تمتد كثيرا لأنه من غير الواضح حتى الان إذا ما كان الرجل سوف يحتفظ بمناصبه بعد وفاه والده ام لا، إلا أنه في الوقت نفسه يتسابق مع الزمن من أجل أن يضع نفسه كجزء من بنية السلطة داخل بلاده.

ربما يكون صعوده السريع، ورحلاته الناجحة إلى أميركا وأوروبا وكل مكان في اسيا والشرق الأوسط لتسويق نفسه ورؤيته حول مستقبل المملكة، دفعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لوضع احتمالات قفز الرجل على السلطة واردة وأنه من الممكن أن يتجاوز ولي العهد ليصبح هو ملك السعودية المقبل.

بحسب ما قاله عدد من المسؤولين الأميركيين إن إدارة أوباما تمكنت من تحقيق قدر كبير من التوازن في علاقتها مع بن سلمان، وذلك بعد بداية متوترة جاءت من جراء انتقادات الرجل للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط، خاصة في ما يتعلق بالملف السوري، خلال لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين ومن بينهم رئيس الدولة نفسه.