واشنطن ـ رولا عيسى
طالب المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، حركة "حماس" بـ"التخلي" عن سيطرتها على قطاع غزة وتسليمه إلى السلطة الفلسطينية، الأمر الذي اعتبرته الأخيرة محاولة أميركية لفتح علاقة مع الحركة تمهيدا لتقديم خطة سياسية تتخذ من قطاع غزة مركزا للحل السياسي.
وقال مسؤولون فلسطينيون إن اهتمام غرينبلات والإدارة الأميركية بالمصالحة وإنهاء الانقسام يأتي ضمن المسعى الأميركي لتقديم خطة "صفقة القرن"، التي اتضح أن قطاع غزة هو مركزها للحل السياسي وليس الضفة الغربية المحتلة.
ودأبت أميركا على وضع شروط على المصالحة وإنهاء الانقسام، وتهديد السلطة الفلسطينية بوقف المساعدات المالية لها في حال تشكيل حكومة بمشاركة "حماس"، لكنها أظهرت أخيرا إشارات إلى تغيير سياستها، منها عقد مؤتمر في واشنطن للبحث في حل المشكلات الإنسانية في قطاع غزة، والمطالبة بالمصالحة الفلسطينية تمهيدا لحل سياسي يشمل قطاع غزة.
وطالب غرينبلات، في تغريدة له عبر "تويتر"، "حماس" بالانضمام إلى ما سماه "العالم الحقيقي" من خلال "نبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل، والتزام الاتفاقات السابقة" الموقعة بين السلطة وإسرائيل، وهي شروط التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية. وقال: "آن الأوان لكي تتخذ حماس بعض القرارات الحقيقية".
واعتبر مسؤولون فلسطينيون أن الإدارة الأميركية غيّرت سياستها تجاه قطاع غزة بهدف تمرير "صفقة القرن". ولا تخفي "حماس" استعدادها للحوار مع الإدارة الأميركية، بعد فشل المصالحة مع السلطة الفلسطينية وتفاقم المشكلات الإنسانية في القطاع نتيجة الحصار ونقص الموارد وتراجع المساعدات التي تقدمها السلطة.
وتخشى "حماس" حدوث انهيار اقتصادي واجتماعي وأمني في غزة في حال نفذت السلطة تهديدا بوقف عملياتها في القطاع، والتي تصل قيمتها إلى 120 مليون دولار شهريا.
وأعلن القيادي في "حماس" صلاح البردويل في تصريح له أخيرا، استعداد حركته لبدء حوار مع الإدارة الأميركية من أجل "تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه وإقامة دولته وفك الحصار عن غزة". وأضاف: "أي صوت يريد أن يرفع عنا الحصار ويساعدنا على استرداد حقوقنا المسلوبة، لا نمانع الجلوس معه، شرط أن لا يكون هذا مدخلا للتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، كما فعلت منظمة التحرير مطلع تسعينات القرن الماضي".
وتابع: "أي صوت عقلاني في العالم يريد أن يضغط على الاحتلال ليرحل عن أرضنا وسمائنا، مستعدون للجلوس معه، باستثناء الاحتلال".
واعتبر مسؤولون في السلطة تصريحات البردويل محاولة من "حماس" لتقديم أوراق اعتماد إلى الإدارة الأميركية.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور أحمد مجدلاني إن "حماس" تسعى إلى فتح جسور حوار مع الإدارة الأميركية، في الوقت الذي أوقفت القيادة الفلسطينية الاتصالات مع هذه الإدارة على خلفية قرارها في شأن القدس. وأضاف أن استخدام "حماس" العمل الشعبي السلمي في غزة بدلاً من العمل العسكري، أحد وسائل التقرب من الولايات المتحدة.
وتطالب السلطة الفلسطينية "حماس" بتسليم الحكم في قطاع غزة إلى الحكومة الفلسطينية لإنهاء الانقسام وتعزيز مواجهة الخطة الأميركية. وقال أمين سر منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات: "انقلاب حماس هو مدخل أميركي وإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية". وأضاف: "يجب إنهاء الانقلاب كي نوحد شعبنا في مواجهة المشروع الأميركي- الإسرائيلي".
على صلة، علمت "الحياة" في غزة أن "حماس" لن تتراجع عن أي خطوة من الخطوات التي اتخذتها لإنهاء انقسام دام 11 عاماً. وكشفت مصادر قيادية فلسطينية لـ "الحياة" أن الحركة "لن تعود إلى المربعات التي سبقت توقيع اتفاق القاهرة الأخير في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، مهما كلفها ذلك من ثمن"، موضحة أنها "لن تعود إلى السيطرة على المعابر، رفح وكرم أبو سالم التجاري وحاجز بيت حانون (إيرز)، ولو انسحبت منها السلطة الفلسطينية وعشعشت فيها الغربان". وأضافت أنها "لن تعود للسيطرة على الوزارات والهيئات الحكومية التي سلمتها إلى حكومة التوافق الوطني الفلسطيني، لكنها لن تقدم تنازلات جديدة إلا في إطار توافق وطني، وبضمانات مؤكدة". وأوضحت أن "لدى الحركة استعداداً للتوافق مع حركة فتح على كل شيء، بما فيه الأمن وقرار الحرب والسلام، على قاعدة الشراكة السياسية وفي الهيئات والمؤسسات الفلسطينية".
كان الرئيس محمود عباس طالب الحركة قبل أيام قليلة بتسليم قطاع غزة كاملاً "فوق الأرض وتحتها"، أي الأمن وسلاح ذراعها العسكرية "كتائب القسام"، والأنفاق الدفاعية التي استغرق بناؤها نحو عشر سنوات. ورد هنية على عباس من دون أن يذكره بالاسم، بأن الحركة لن تسلم سلاحها وأنفاقها، ولن ترضخ للضغوط التي يمارسها عليها من خلال قطع رواتب الموظفين، أو حتى قطع أي صلة للسلطة بقطاع غزة ووقف التمويل.