رام الله - ناصر الأسعد
يُثير الإصرار "الإسرائيلي،" رغم التنديد الدولي من الأمم المتحدة ومن المنظمات الحقوقية، على مواصلة جريمة اقتلاع 46 تجمعًا بدويًا في بادية القدس والمناطق المصنفة "ج" من الضفة الغربية وخاصة الأغوار الفلسطينية، الجدل، لماذا؟ وما هو الهدف وراء هذه السياسة؟
وكانت سلطات الاحتلال بدأت بإجراءات ترحيل السكان وإبعادهم عن حدود مدينة القدس المحتلة، مستخدمة تعزيزات كبيرة من الجنود الذين اعتدوا بالضرب على النشطاء والمتضامنين والأهالي، قبل أن تصدر المحكمة العليا "الإسرائيلية" مساء الخميس، تجميدًا مؤقت للهدم لحين بيان أسباب عدم سماح سلطات الاحتلال بترخيص التجمع.
وتسعى "إسرائيل" لهدم 45 مسكنًا فلسطينيًا بعد قرار قضائي في 25 مايو/أيار الماضي، خوّلها بذلك، ويعيش 250 بدويًا في تلك المساكن المترامية على سفح جبل قاحل، في وقت تواصل سياسات الاحتلال منعها للبدو هناك من زراعة الأشجار أو إضافة أي منشأة يمكنها بعث الحياة في ذلك الجبل، أو حتى بناء المنازل، ما جعلهم يعيشون في بيوت من صفائح الحديد التي تكاد لا تحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء.
هدفان يخدمان أحلام "إسرائيل"
يقول خبير الاستيطان ورئيس دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، خليل التفكجي: إن هذا الإصرار "الإسرائيلي" على تهجير واقتلاع البدو من بادية القدس والغور له هدفان أساسيان: الهدف المحلي تنفيذ مشروع القدس عام 2050 المطلق عليه "مشروع 5800"، وأوضح أن هذا المشروع يقضي بإقامة أكبر مطار في "إسرائيل" في منطقة النبي موسى لاستقبال 35 مليون مسافر، و12 مليون سائح، وإقامة شبكة من الطرق والسكك الحديدية والمناطق الصناعية والتجارية والسياحية تضم مجموعة من الفنادق، مشيرًا إلى أن هذه المنطقة سترتبط بالسياحة العلاجية في البحر الميت وبالسياحة الدينية في مدينة القدس.
وأضاف التفكجي في تصريحات صحافية أن هذا المشروع يأتي ضمن ما يسمى "القدس الكبرى" حسب المفهوم "الإسرائيلي"، وعدم إقامة أي كيان أو دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس، أما الهدف الثاني فهو إقليميّ؛ لأن الاحتلال "الإسرائيلي" ينظر إلى نفسه نقطة وصل ما بين أوروبا والشرق الأوسط، وهذا يقضي بفتح "جسر الملك عبدالله" المغلق حاليًا لربط "إسرائيل" (فلسطين المحتلة) بالأردن وبباقي دول المنطقة شرقًا.
ونبه الخبير إلى أنه في مطلع العام المقبل 2019 سيفتتح الجزء الواصل ما بين المنطقة الساحلية يافا والقدس، وفي ختام المشروع ستفتح منطقة "النبي موسى" والأغوار والمطار المنوي إقامته، علمًا بأن الجزء الشمالي من هذا المشروع افتتح ما بين حيفا ومنطقة بيسان والذي يمتد إلى الأردن ودول الجوار/بيسان - حيفا خط سكة الحديد والمنطق الصناعية في غضون 18 شهرًا ستكون جاهزة.
مخطط قديم
وأوضح التفكجي أن تهجير الخان الأحمر، والبدو من غور الأردن؛ جزء من الرؤية والمخطط "الإسرائيلي" القديم؛ فمنطقة الغور غير قابلة للتفاوض بحجج أمنية، ولكن الهدف الأساسي هو وضع التجمعات الفلسطينية بين المطرقة والسندان؛ أي حصر الوجود الفلسطيني بين الجدار من الغرب والغور ومستوطناته من الشرق، تحت "السيادة الإسرائيلية" وفق تصريحات المستويين السياسي والعسكري والأمني "الإسرائيلي".
وأشار الخبير، إلى أن عملية تفريغ الأغوار ومنطقة بادية القدس من التجمعات البدوية عملية كانت تجرى ببطء، والآن سرعت بسبب الدعم الأمريكي المباشر للرؤية "الإسرائيلية" لأنها تعيق العديد من المشاريع الاستيطانية والإستراتيجية "الإسرائيلية"، وما هي إلا عملية تطهير عرقي للفلسطينيين من الغور.
وذكر التفكجي أن من ضمن رؤية 2050 سلسلة مشاريع "الرف" وضعت في العام 2007، وطرح "شارع نسيج الحياة" الذي يربط بين جنوب الضفة الغربية مع شماله عن طريق أريحا دون دخول المناطق المنوي تفريغها من العرب، وهو "الطريق رقم 45" بعنوان "الرؤية الإسرائيلية للدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافيا".
وبيّن أن هذا الشارع سيتكون من مسلكين لحركة السير الفلسطينية و"الإسرائيلية"، كل منها على حدة، وبعرض 16 مترًا لكل مسلك، وسيفصل بين المسلكين جدار إسمنتي بارتفاع خمسة أمتار تعلوه الأسلاك الشائكة والمكهربة، والمسلك المخصص لتنقل الفلسطينيين سوف يحتوي على أنفاق وجسور، وسيكون بإمكان الفلسطينيين استخدامها للوصول من المحافظات الجنوبية للضفة الغربية إلى الشمالية منها، ولكن دون التمكن من الدخول إلى مدينة القدس.
وتابع أن المسلك المخصص لـ"الإسرائيليين" سيتكون من أنفاق وجسور وتقاطعات عديدة منها طريق مخصص للوصول إلى المدينة المحتلة، وبعبارة أخرى سيكون أمام "الإسرائيليين" خيارات وطرق ومخارج متعددة، بينما سيحظى الفلسطينيون بالتنقل شمال وجنوب الضفة دون خيار دخول القدس إلا عبر المعابر في جدار الفصل العنصري، حيث يعزل الطريق 45 مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين وبأقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين.
وقال التفكجي "مع تنفيذ الجدار الفاصل والذي يسعى لضم تجمع مستوطنات "معالي ادوميم" إلى منطقة القدس المحتلة، أصبح الطريق 45 عاملًا رئيسًا في تكريس خطة الاحتلال لعزل الأراضي الفلسطينية واستخدامها لاحقا لتوسيع البناء والتوسع الاستيطاني وإنشاء أحياء استيطانية جديدة".
تهويد المنطقة ج
وتسعى سلطات الاحتلال، بعد ضم شرقي القدس، إلى تهويد المنطقة "ج" ومن ضمنها الأغوار التي تشكل 28% من مساحة الضفة، وقد أعلنت السلطات قبل أعوام عدة، خطة لبناء مستوطنة تسمى "E1" تضم أحياء متفرقة في المنطقة الممتدة من شرقيّ القدس حتى نهر الأردن، وهدمت قوات الاحتلال في العامين الأخيرين نحو ألف منزل في المنطقة "ج"، 75% منها تقع في محيط مدينة القدس والأغوار، فيما هدمت الأربعاء الماضي، عددًا من البيوت في تجمع بدوي آخر قريب يسمى "تجمع أبو نوار".