غزة - كمال السليمي
لا تخفي قيادة حركة "حماس" أنها تسعى باستمرار إلى تجنّب أيّ حرب إسرائيلية على قطاع غزة، وأنها لا تسعى إلى أي تصعيد عسكري، رغم تلويحها أكثر من مرة بمضاعفة قدراتها العسكرية والميدانية، وأنها لن تصمت كثيرا على استمرار السياسات الإسرائيلية في تشديد الحصار، وضرب أهداف داخل القطاع.
ولم يكن قرار "حماس" الداخلي والعلني بتجنب الحرب وليد اللحظة؛ بل كان ناتجا عن تجربة ربما في المراجعات الداخلية للحركة، رأى بعض قياداتها أنها كانت نابعة من ظروف قاسية عانتها خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة عام 2014، التي استمرت 51 يوما وخلفت آلاف الضحايا ودمرت آلاف المنازل.
ومع مرور نحو عام ونصف العام من الحرب، ومع عدم وجود أي أفق وحلول كان يتوقع أن تنتج عنها الحرب، ظهرت من جديد مجموعات متشددة في غزة، وبدأت تطلق صواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، وهو ما دفع "حماس" مجددا إلى ملاحقتهم ومنعهم من إطلاق أي صواريخ كما كان يجري قبل حرب صيف 2014.
وبعد أن تواصلت وازدادت عمليات إطلاق الصواريخ التي كانت تدفع إسرائيل للرد بقصف أهداف لحركة "حماس"، اعتمدت الحركة، كما تقول مصادر لـ"الشرق الأوسط"، خطة أمنية في نهاية عام 2016، لاعتقال جميع "العناصر المتطرفة" وزجت بهم في سجونها، وتمكنت أجهزة أمن الحركة خلال الحملة التي وصفت بأنها الأكبر منذ ظهور تلك الجماعات نهاية العام 2007، من اعتقال قيادات من تلك الجماعات كانت تلاحقهم منذ أعوام، منهم عبدالله الأشقر الذي كان يعدّ العقل المدبر لغالبية تلك الجماعات وقاد في الأعوام الأخيرة الجماعة الأكثر نشاطا في إطلاق الصواريخ، التي كانت تسمي نفسها "أحفاد الصحابة".
وفرضت المحاكم العسكرية في غزة أحكاما بالسجن على المعتقلين "المتشددين"، ووجهت لهم تهما، منها: "النيل من الثورة"، وغيرها، وراوحت الأحكام بين عام وثلاثة أو أكثر، بينما لا تزال قيادات تلك الجماعات قيد التحقيق في كثير من القضايا. وتمكنت "حماس" من خلال التحقيق معهم من السيطرة على مخازن صواريخ وأسلحة، وكذلك أماكن لتصنيع تلك الصواريخ، وأموال صادرتها بعد أن تبين أنها وصلتهم من الخارج، وفق مصادر "الشرق الأوسط".
ومع اشتداد تلك الحملة والزج بجميع "المتطرفين" في السجون، نجحت "حماس" في تحييد تلك الجماعات التي كان مراقبون يرون أنها شكلت تحديا للحركة، وحاولت جرها إلى حرب مع إسرائيل.
ونجحت "حماس" في "تحييد" تلك الجماعات، بعد أن صادرت كل إمكاناتها واعتقلت قياداتها وممولين لها، وبعد نجاح خطتها في فرض خطة أمنية على طول الحدود مع قطاع غزة بالتنسيق مع مصر، لمنع تسللها من وإلى سيناء.
ومع نجاح حملة "حماس"، عاد الهدوء لغزة، وتوقفت عمليات إطلاق الصواريخ أكثر من 7 أشهر، ولم يعد هناك إطلاق باتجاه إسرائيل، سوى في حالات نادرة جدا لا تكاد تتعدى المرات الثلاث، ولكنها لم تتسبب بأي ردود فعل إسرائيلية.
ومع انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار على حدود قطاع غزة في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، دخلت حركة "حماس" في تحد جديد مع سقوط عشرات من الضحايا، وتهديد قياداتها بالرد على إطلاق النار الإسرائيلي المتعمد تجاه المتظاهرين المدنيين.
وتزامنا مع ذلك نجحت "حماس" وجناحها العسكري "كتائب القسام" بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية في احتواء أي موقف تصعيدي، وبخاصة من "حركة الجهاد الإسلامي" التي تعدّ القوة العسكرية الثانية في غزة، ومنعت إطلاق أي صواريخ، بعد مرور أسابيع على تلك المسيرات، رغم سقوط الضحايا.
وبعد المجزرة الإسرائيلية في الرابع عشر من مايو/ أيار الماضي، أطلقت "حماس" عدة صواريخ قصيرة المدى، وشاركت معها "الجهاد الإسلامي"، ومن ثم فصائل أخرى، منها "لجان المقاومة"، و"الجبهة الشعبية"، وبعض المجموعات المسلحة التابعة لـ"فتح".
وردت إسرائيل على تلك الهجمات بقصف أهداف داخل القطاع، قبل أن تتكرر الحادثة أكثر من مرة، تحت مسؤولية وقيادة "كتائب القسام" التي كانت معنية بإدارة هذه المعركة، منعا لانزلاقها إلى مواجهة أكبر في حال أطلقت "الجهاد الإسلامي" أو فصائل أخرى صواريخ متوسطة أو طويلة المدى، ممكن أن تجر قطاع غزة إلى حرب عسكرية إسرائيلية.
وبذلك نجحت "حماس" في أكثر من تصعيد عسكري محدود على القطاع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في تصدّر أي تصعيد عسكري تحت مسمى "غرفة العمليات المشتركة للأجنحة العسكرية"، التابعة للفصائل الفلسطينية، ووضعت الفصائل تحت قياداتها في أي تصعيد ميداني، منعا لخروج تلك الفصائل عن مشورتها بإطلاق صواريخ أكثر تطورا، ما قد يدفع إسرائيل إلى بدء عملية عسكرية ضد القطاع، وهو الأمر الذي لا ترغب فيه "حماس"، وتريد المحافظة على استمرارية المسيرات الحدودية، وإطلاق الطائرات الورقية الحارقة، التي تثير الخلافات الأمنية والسياسية في إسرائيل بشأن التعامل معها.
وتقول مصادر لـ"الشرق الأوسط"، إن قيادة "كتائب القسام"، وكذلك حركة "حماس" تجريان اتصالات مع قيادات الفصائل الأخرى على المستويين السياسي والعسكري، لتنسيق المواقف بينها. وأشارت المصادر إلى أن "القسام" كانت تدير المعارك الميدانية مؤخرا بإطلاق صواريخ قصيرة المدى، تضرب أهدافا عسكرية أو محيط تلك الأهداف العسكرية، للتأكيد على معادلة القصف بالقصف، وأنها لا ترغب في التصعيد، ولكنها لن تسمح باستمرار استهداف المسيرات على حدود القطاع.
وقالت المصادر إن "كتائب القسام" فقدت كثيرا من عناصرها خلال المسيرات، بعد أن قتلهم قناصة من الجيش الإسرائيلي خلال مشاركتهم المدنية في تلك المسيرات، مبينة أن "القسام" اعتبرت أن استهدافهم بمثابة اغتيال، رغم أنهم كانوا ضمن نطاق المسيرات السلمية.
وبيّنت أن ذلك دفع "القسام" للتصعيد، بعد التشاور مع القيادة السياسية وكذلك تنسيق المواقف مع الفصائل، وبخاصة أن حركة "الجهاد الإسلامي" كانت تخطط لتصعيد عسكري محدود، تطلق من خلاله صواريخ قصيرة المدى تطال عسقلان وأسدود وأوفاكيم، وغيرها من هذه المناطق التي تبعد نحو 18 إلى 25 كيلومترا عن القطاع، ما دفع القسام للتدخل وتفعيل غرفة العمليات المشتركة، لإطلاق صواريخ قصيرة المدى منعا لانزلاق الأوضاع إلى حرب عسكرية لا يرغب فيها أي طرف، وبخاصة سكان القطاع الذين لم يتعافوا بعد من آثار حرب 2014