الوضع الإنساني في غزة يتدهور بشكل غير مسبوق والصليب الأحمر يحذر من تفريغ مفرط للقانون الدولي
من الغارات الإسرائيلية على محيط مستشفى القدس في تل الهوا بغزة

قالت ميريانا سبولجاريك، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن قطاع غزة يشهد أوضاعاً إنسانية مأساوية وغير مسبوقة، واصفةً ما يحدث هناك بأنه "جحيم على الأرض"، وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية.

وجاء تصريحها في نفس اليوم الذي أصدر فيه مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان تحذيراً شديد اللهجة، أشار فيه إلى أن الممارسات الإسرائيلية قد تؤدي إلى "انعدام إمكانية استمرار حياة الفلسطينيين" في قطاع غزة، محذراً من خطورة الوضع الحالي.

وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الجهة المسؤولة عن متابعة تطبيق اتفاقيات جنيف، والتي تهدف إلى ضمان احترام القانون الدولي الإنساني خلال النزاعات المسلحة. وعلى الرغم من أن اللجنة عادةً ما تتبع السرية في التعامل مع أطراف النزاع، فإن التصريحات العلنية من رئيسة اللجنة تعكس القلق العميق حيال الانتهاكات الجارية على الأرض، ووصفت ما يحدث بأنه "تفريغ مفرط" للقانون الدولي.

ومنذ استئناف الهجمات في 18 مارس آذار، قُتل أكثر من 1542 شخصاً في غزة، بحسب وزارة الصحة هناك، كما أجبر القصف الإسرائيلي والقرارات العسكرية ما يقارب 400 ألف شخص على النزوح من منازلهم. وترافق ذلك مع حصار شامل فرضته إسرائيل على دخول الغذاء والدواء وجميع أنواع الإمدادات إلى غزة منذ 2 مارس.

من جانبها، تصر الحكومة الإسرائيلية على أنها تلتزم بالقانون الدولي، مشيرة إلى أن طبيعة القتال، وخاصة وجود مقاتلي حماس بين المدنيين، يؤدي أحياناً إلى وقوع "أضرار جانبية". كما تؤكد أن هدف العمليات هو الضغط على حماس للإفراج عن الرهائن الذين تم احتجازهم في هجوم السابع من أكتوبر عام 2023.

وتنص اتفاقية جنيف الرابعة على أن قوة الاحتلال، في هذه الحالة إسرائيل، ملزمة بضمان وصول الغذاء والدواء للسكان المدنيين، وتأمين المستشفيات وحماية العاملين الصحيين، كما تحظر عمليات التهجير القسري.

وفي هذا السياق، شددت سبولجاريك على أنه لا يمكن لأي دولة أو طرف مسلح التهرب من الالتزام بالقوانين الدولية، قائلة: "لا أحد يُعفى من عدم ارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية أو تطهير عرقي... هذه القواعد عالمية ويجب احترامها".

وأضافت أن المدنيين في غزة هم من يدفعون الثمن الأكبر، حيث أُجبروا على النزوح عدة مرات وتعرضت منازلهم للدمار، فيما قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن جميع ضحايا 36 غارة جوية إسرائيلية حديثة كانوا من النساء والأطفال.

من جهتها، نفت إسرائيل بشدة جميع الاتهامات المتعلقة بارتكاب إبادة جماعية، مؤكدة أن جيشها يحقق في حادثة مقتل أفراد من عائلة واحدة في خان يونس، وأعلن أنه استهدف أربعين موقعاً وصفها بـ"الإرهابية" خلال يوم واحد.

كما أعربت الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة عن قلقها من استمرار المعاناة الإنسانية، حيث قالت رافينا شمداساني، المتحدثة باسم مفوضية حقوق الإنسان، إن السلوك الإسرائيلي المتراكم يهدد بفرض ظروف معيشية غير قابلة للحياة في غزة.

وفيما يتعلق بمناطق النزوح، قالت إن إسرائيل استهدفت مناطق مثل "المواصي"، رغم أنها كانت قد دعت المدنيين للجوء إليها سابقاً، ما يزيد من تفاقم المأساة.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وصف غزة بأنها تحولت إلى "ساحة قتل"، مشيراً إلى أن الحصار الإسرائيلي يشكل انتهاكاً واضحاً لاتفاقيات جنيف، فيما ناشدت ست وكالات تابعة للأمم المتحدة العالم التدخل العاجل لحماية سكان القطاع واحترام القانون الدولي.

اتفاقيات جنيف، التي وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية، تهدف إلى ضمان حماية المدنيين، العاملين الطبيين، وأسرى الحرب، ومنع استهداف البنية التحتية المدنية مثل المياه والكهرباء.

وعلى الرغم من أن بعض القوى الكبرى شككت في صلاحية هذه الاتفاقيات في الحروب الحديثة، خصوصاً الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، إلا أن الصليب الأحمر يؤكد أن هذه الاتفاقيات تبقى صالحة للتطبيق في جميع النزاعات.

في الختام، دعت رئيسة اللجنة الدولية إلى وقف فوري لإطلاق النار، وذكّرت بأن فترات التهدئة السابقة سمحت بإطلاق سراح رهائن عبر وساطة الصليب الأحمر، لكنها حذرت من أن "تجريد الحرب من الإنسانية" يمثل خطراً وجودياً، لأنه يبعث برسالة مفادها أن "كل شيء مسموح".

وأكدت سبولجاريك أن ما يحدث في غزة سيبقى محفوراً في الذاكرة الجماعية، وقالت: "المعاناة لا تُمحى بسهولة، وستطاردنا لأجيال".

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل أطلقت حملتها العسكرية الحالية ضد حماس رداً على الهجوم الذي نفذته الحركة في السابع من أكتوبر 2023، والذي أودى بحياة نحو 1200 شخص، فيما لا يزال 251 شخصاً محتجزين في غزة، حسب الرواية الإسرائيلية. وفي المقابل، قُتل أكثر من 50912 شخصاً في غزة منذ بداية الحرب، بحسب وزارة الصحة في القطاع.


قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

حماس تتقدم بطعن قانوني في بريطانيا لإلغاء تصنيفها منظمة محظورة وتطالب بإنهاء الانحياز للاحتلال

مباحثات بين مصر وإسرائيل حول اتفاق هدنة في غزة تزامناً مع تصعيد عسكري إسرائيلي استهدف أربعين موقعاً داخل القطاع