الرياض ـ عبدالعزيز الدوسري
الصِّراع السعودي الإيراني، هو الصراع الكامن وراء كافة الصراعات التي تشهدها المنطقة كالحرب في سورية وفي اليمن، وكذلك الاضطرابات السياسية في العراق ولبنان والبحرين. ويسعى هذا الصراع إلى فرض الهيمنة على منطقة الشرق الاوسط ، وهو الامر الذي حوَّل المنطقة إلى حلبة قتال بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية. فصراعهما بهذه الطريقة فضلا عن الدخول في قتال مباشر بينهما يزيد الطين بله ويفاقم مشاكلات المنطقة كالدكتاتورية وعنف المليشيات المسلحة والتطرف الديني. وهو يساعدنا على الفهم والتحليل تاريخ العداوة بين الندين التي ادت إلى تفكيك الشرق الأوسط. فالفروق المذهبية بين السنة والشيعة على وجه الخصوص هي ما أججت روح العداوة بين الندين. وللتاريخ قصة في ذلك هي ان الولايات المتحدة الأميركية كانت تظهر بدور المساند لكنها تعتبر لاعبًا أساسيًا في هذا الواقع، حيث أن الولايات المتحدة تساند الهجمات السعودية على اليمن وهي التي قتلت آلالف من المدنيين.
وقد حذر الخبراء من أن تلك الديناميكية تنبئ بحرب أهلية في المنطقة ومجتمعات ممزقة وحكومات غير مستقرة.
واجتهد غريغوري جوز الخبير في شؤون العلاقات الدولية في جامعة تكساس ليضع تعريفًا لمنطقة أخرى نال منها التمزُّق الحاصل الآن كمنطقة الشرق الأوسط، وهي منطقة "وسط افريقيا" التي انهكتها الحروب المتواصلة وحروب الإبادة لعقدين من الزمن التي قادت غمارها قوى إقليمية، حيث أسفرت هذه الحرب عن مقتل 5 ملايين نسمة، وهو الأمر الذي بدا لتوه في منطقة الشرق الأوسط.
فقد أسست المملكة العربية السعودية شرعيتها على الدين وهي دولة شابة جمعت اشتاتها في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تستمد العائلة الملكية قوتها من خلال خدمة الأماكن الاسلامية المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. بينما في عام 1979 هددت الثورة الإيرانية تلك الشرعية، حيث أطاحت الثورة الإيرانية بالنظام الحاكم وشكلت حكومة إسلامية تمثل "الثورة الإسلامية في العالم أجمع"، كما قال " كينيث بولاك" أستاذ في معهد "بروكينغز". وفي الوقت نفسه حثَّت الثوار الايرانيين المسلمين كافة والسعوديين خاصة على اسقاط انظمتهم الحاكمة. وكان لذلك أثر كبير في نفوس الشيعة الذين وصلهم ذلك بسبب الغالبية الشيعة التي تحظي بها إيران.
فيتمثل أرق المملكة العربية السعودية في الاضطرابات الداخلية ودعاوى الانفصال، حيث يمثل الشيعة في المملكة حوالي 10% من نسبة السكان، وقد تضامن بعضهم مع طهران في المظاهرات وحتى في إنشاء المكاتب التابعة لهم هناك، وهذا قد فتح معه باب جنهم يحوطه الطائفية بين النديين والذي من المرجح ان يصل الى هيبه الى المنطقة بأسرها. ويعقب الدكتور"جروز" على ذلك أان السعودية ابان الثروة الإيرانية عام 1979 قد نظرت لإيران على انها تهديد داخلي، فحين ترى التهديدات الداخلية تحاول بشتى الطرق ان تجد وسيلة للقضاء عليه.
الحرب بالوكالة الأولى 1980-1988
وجد السعوديون سبيلهم في ذلك عند محاولة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين غزو إيران، رغبة منه في حيازة أرض غنية بالبترول. فما كان للسعودية إلا ان تقف الى جانب صدام عند غزوه لأنها تريد لتلك الثروة الإيرانية ان تتوقف. فخلفت الحرب وراءها قرابة المليون قتيل على مدار ثماني سنوات من حرب الخنادق والحرب الكيمائية. فحددت هذه الحرب نمط الصراع الإيراني السعودي عن طريق يد وكلائها بما في ذلك تملق الولايات المتحدة والتي تتمثل سياستها في مواصلة السيطرة على الاحتياطات الهائلة من النفط والغاز التي يستأثر بها البلدان.
ونالت حصيلة الحرب من تطلعات إيران ببث ثروتها خارجها. بيد ان هذه الحرب أثقلتها بمهمة جديدة بانتزاع السيادة الإقليمية من السعودية التي تكتسب قوتها من التواجد الإقليمي في المنطقة، حيث تعتبر ايران ذلك خطرًا وجوديا يهدد بقاءها، مما يدفع هذا الشعور بالتهديد ايران الى التدخل في الشأن الخارجي وتطوير قذائفها وبرنامجها النووي.
تجهيز البارود للحرب 1989-2002
شهدت تسعينيات القرن الماضي وقفة في ما يخص الندية الإقليمية بين البلدين، لكنها أسست لظروف قد تشعل فتيل الحرب في المستقبل بشكل او بآخر. فقد سعت المملكة العربية السعودية لتهدئة الخلافات بين السنة والشيعة متمنية ان تحتوي الأقلية الشيعية التابعين روحيًا لإيران، حيث تنشر الحكومة دعاوى معادية للمذهب الشيعي في وسائل الإعلام والمدارس والجامعات، فيمكن لهذه الدعاوى ان تزرع شحناء الطائفية والعنف أحيانا ومن ثم يكون حطبًا لنار الفكر "الداعشي".
ففي عام 1990 شهد غزو العراق لحليفة السعودية وهي الكويت. لكن بعد ان طردت الولايات المتحدة العراق من الكويت اقامت قاعدة عسكرية في المنطقة للزود عن حلفائها من الخطر العراقي، فالتواجد الأميركي في المنطقة يمثل ميزان القوى الإقليمي في المنطقة في مقابل ايران التي تعتبر هذا التواجد تهديدًا لها.
وأدَّت هزيمة العراق المخزية الى أن يعيش مواطنوها في مجتمعات فقيرة والتي تصادف ان تضم مواطنين شيعة. ويعلق على ذلك "د. جوز" ان نظام صدام أصبح بعد تلك الهزيمة نظامًا طائفيًا بطريقة فجة، فتوسعت الانقسامات بين السنة والشيعة والتي أدت الى حدوث اضطرابات في المستقبل، مما أدى الى توغل ايران في الشأن العراقي، بما في ذلك المليشيات العسكرية التي نشأت بعد ذلك، لكي يكون لإيران حلفاء تابعون لها في العراق. ومنذ ذلك الحين أصبحت العراق برميلًا كبيرًا من البارود اشتعل جزء منه بعد الإطاحة بالحكومة بنحو عشر سنين لاحقة.
فجوة كبيرة قد فتحت 2003-2004
وفي عام 2003 قادت الولايات المتحدة غزوًا على العراق للإطاحة بحكم صدام حسين المعادي للسعودية وإيران، لينقلب بذلك ميزان القوة في المنطقة، حيث كانت ايران على قناعة بأن الولايات المتحدة والسعودية ستقومان بتشكيل حكومة عراقية تابعة لهما حيث تسابقا لملئ الفجوة الموجودة بعد الإطاحة بنظام صدام. لكن الغالبية الكبيرة للشيعة في العراق أدَّت الى سيطرتهم على الشأن السياسي في البلاد. ونتيجة لذلك دعمت ايران المليشيات الشيعية المسلحة في السيطرة على المدن وتقويض التواجد الأميركي بها، لكن العنف الطائفي قضى على هذا الطموح وخلف حربًا أهلية حامية الوطيس. وفي تلك الاثناء حاولت السعودية ان يكون لها دورٌ في اللعبة مثلها مثل ايران لكن اضطهاد السعودية لمواطنيها الشيعة قد قضى على هذا المسعى من البداية. حيث يمثل هذا المسعي الأول من نوعه بالنسبة لاستراتيجيات السعودية في احتوائها للتواجد الإيراني من خلال تعزيز الطائفية وعقد المواءمات مع أهل السنة في المنطقة. فبسقوط الحكومة السنية في العراق وتحول المليشيات السنية الى متطرفين، تسعى السعودية الان عبر وكلاء مناسبين لأن يخوضوا بدلا منها الحرب. بينما ارتفع وطيس الندية في العراق بين الرياض وطهران عبر السعي لإيجاد دولة ضعيفة اخرى للمبارزة بينهما الا وهي لبنان.
نمط جديد من الحرب بالوكالة 2005 -2010
يُعدُّ لبنان حلبة مميزة للصراع بين الندين، وهذا بسبب أنه لازالت ديمقراطيته تتعافي اثر حرب أهلية، بما في ذلك تنظيم مليشيات مسلحة قائمة على أساس الدين. حيث يستغل كلا اللاعبين أي السعودية وإيران، تلك العوامل لكسب المزيد من القوة. فإيران على سبيل المثال تدعم "حزب الله" اللبناني وهو مليشيات شيعية مسلحة قامت بتدعيمها في وقت سابق ضد حربها على إسرائيل، بينما تدعم السعودية مالياً حليفها السياسي رئيس الوزراء السني رفيق الحريري في ذلك الوقت. وقد أدى الصراع بين الندين السعودي والإيراني في حلبة لبنان الى السقوط المتكرر للحكومات حيث يعتمد الأطراف اللبنانيون المناطحة على حلفائهم من الخارج في معارضة بعضهم البعض بدلا من التفكير في بناء دولتهم. وتعتبر ايران "حزب الله" هو المدافع عن الامة، بينما ترى السعودية خلاف ذلك بأن الجيش اللبناني الوطني هو حامي الامة في حين ان اللبنانيين متخبطون بين ذاك وتلك.
ففي خضم زيادة التوتر بين القوي الأجنبية، زاد بذلك العنف والتوتر داخل لبنان. حيث اغتيل رئيس الوزراء "الحريري" عام 2005 بعد ان دعا لانسحاب القوات السورية المدعومة من إيران من لبنان، وبهذا تتوجه أصابع الاتهام لـ"حزب الله" جراء ذلك الاغتيال منذ وقت مضى.
وشهد عام 2008 أزمة سياسة من نوع أخر بين "حزب الله" ومليشيات سنية بلغت ذروتها عندما تغلب "حزب الله" على المليشيات السنية وسيطر على أجزاء كبيرة من بيروت، عندها طلبت السعودية من الولايات المتحدة ان توفر غطاء جويًا لذلك وتشكيل قوة عربية مشتركة لاستعادة المدينة، وهذا وفقا لمعلومات سربتها "ويكيليكس". فعلى الرغم من ان التدخل العسكري الذي دعت المملكة العربية السعودية لم ينفذ الا انه كان "بروفة" لمشهد الاضطراب الذي سيجتاح المنطقة في ما بعد.
انفجار الثورات 2011-2014
عندما أطاح "الربيع العربي" بالعديد من أنظمة الحكم في الشرق الأوسط ،حيث ان اغلب تلك الأنظمة كانت حليفة للسعودية، ابدت أبدت المملكة قلقها من ان تملأ ايران تلك الفجوة التي خلفت سقوط تلك الأنظمة، ومن ثم سارعت لكي تملأ هي تلك الفجوة حيث استخدمت احيانا القوة لتحقيق غرضها. فوعدت السعودية بتقديم المساعدات المالية للأردن واليمن ومصر وغيرها من البلدان التي غالبًا ما تحث حكومتها على اتخاذ إجراءات صارمة تصب في مصلحتها.
وفي البحرين بعد ان ارتفعت أصوات الاحتجاجات المنادية بالديموقراطية أرسلت السعودية 1200 جندي لإخماد نار التظاهرات، حيث تعد البحرين دولة حليفة للسعودية ويجلس ملكها السني على عرش دوله غالبيتها من الشيعة.
وفي مصر أيَّدت السعودية ضمنياً استيلاء العسكر على الحكم في عام 2013، حيث رات أن العسكر يعتبر حليفا موثوقًا أكثر من الرئيس الإسلامي المنتخب الذي قد سلبت منه السلطة. كما اخذت السعودية موقفا حازما من اجل استعادة الوضع في لبيبا بعد ان وقعت في براثن الحرب الاهلية. ويري محللون انه بالرغم من النفوذ الإيراني المحدود على تلك الدول الا ان السعودية تخشى تفقد السيطرة على الساحة لصالح لإيران، فهي الان تسعى جاهدة للمحافظة على تأثيرها على تلك البلدان.
وللمملكة العربية السعودية استراتيجية مغايرة تتبعها. ففي سورية الحليفة لايران، تمد المملكة والدول الغنية بالنفط الثوار هناك الثوار السنة تحديدًا بالمال والسلاح. وفي المقابل أرسلت ايران وفي وقت لاحق "حزب الله" للقتال نيابة عن قوات النظام السوري الحالي الذي يعد اغلب قادته من المذهب الشيعي. ويقول خبراء بشان الحروب الاهلية ان تلك الدخلات في الشأن السوري فاقمت الأزمة وخلفت قرابة 400 الف قتيل.
الوضع في منطقة الشرق الأوسط عامي 2015-2016
في ظل هذه الدوامات، تسعى الولايات المتحدة لاستعادة التوازن في المنطقة، وقد حثَّ الرئيس الأميركي باراك أوباما الجانبين الإيراني والسعودي لإيجاد طريقة مجدية لتعزيز الجيرة وإقامة نوع من السلام البارد بينهما. ويعتبر السيد " لينش" بأن هذا الطرح القائل بإقامة "التوازن الإقليمي الذاتي" هو بعيد المنال. حيث أثار سعي الولايات المتحدة لإبرام الاتفاقية النووية مع إيران حفيظة السعودية خوفًا من تحالف الولايات المتحدة مع ندهها الإيراني. في الوقت نفسه سعت الولايات المتحدة الى تقديم طمأنات اخرى للمملكة من تسهيل ابرام صفقات السلاح ورعاية مساعيها في مصر والبحرين.
وفي اليمن أطاحت مجموعة من المتمردين الموالين لإيران بنظام الرئيس المدعوم من السعودية، مما عمَّق مخاوفها على مصير المنطقة. وشنَّت السعودية غارات من القصف أثار الرعب في قلوب المدنيين، ولكنها حققت بذلك القليل على الأرض. حيث كشفت الغارات السعودية على اليمن موالاة كبيرة من الولايات المتحدة على الرغم من مصالح الولايات المتحدة الصغيرة في اليمن، فضلا عن محاربة الإرهاب. وفي المقابل رضخت الرياض الى الاتفاق الإيراني حيث بدت ان تحذو حذو واشنطن بما يتعلق بالشأن السوري، لكن الحرب بالوكالة لاتزال قائمة.
مستقبل الدول المنهارة والدول التي في طريقها للانهيار
ويرد السيد بولاك على سؤال متى ينتهي الصراع بين السعودية وايران، حيث ان الصراع يتجه الى عمق الشرق الأوسط، خصوصا مع وجود حكومات منهارة او الحكومات التي في طريقها للانهيار. وهذا ما يحدث بالفعل في اليمن التي يشكل مجتمعها الان على أساس طائفي بدلا من الأساس القومي. وتسعى الولايات المتحدة جاهدة لأن تبعد الرياض وطهران عن التدخل في الصراعات الإقليمية وهذا مما يحد من التوتر الأزلي بينهما. فالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يتفق مع سعي السعودية في المنطقة، حيث قال في مؤتمر انتخابي له ان إيران تحاول السيطرة على كل شيء، فهي تضع قبضتها على العراق وتسعى الان للسيطرة على اليمن ايضاً.