سول ـ عادل سلامه
تنعقد القمة التاريخية بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، يوم الجمعة، وهي تحمل في طياتها رمزية مثقلة من اللمسات بالغة الدقة في ديكورات غرفة الاجتماعات المُقرر عقد القمة بها، حيث تحمل ذكريات الطفولة الكوميدية لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، حين كان في سويسرا، وستظهر لوحة زرقاء وأرجوانية ناعمة لجبل كومغانغ في كوريا الشمالية، فوق قاعة الاجتماع في الطابق الثاني في "بيت السلام" على الحدود بين الشمال والجنوب، حيث سيجتمع الزعيمان.
وسيذهب كيم إلى الجنوب في الساعة 9:30 صباحا بتوقيت كوريا الشمالية، وهو أول زعيم كوري يقوم بذلك، بينما ستكون شقيقته الصغرى، كيم يونغ جونغ، برفقته لحماية المعلومات الحساسة عن صحة شقيقها، وسيحاول كيم ونظيره الجنوبي مون غاي إن، حل أحد المشكلات الأكثر تهديدا وإلحاحا في العالم، حيث استعداد بيونغ يانغ للاستغناء عن برنامجها النووي، والعلامة المحتملة لنهاية رسمية للحرب الكورية 1950-1953، والتي شهدت هدنة لوقف الأعمال العدائية العسكرية ولكن دون معاهدة سلام حقيقية.
وتعد قرارات قمة يوم الجمعة أول اجتماع لزعيمين كوريين منذ عام 2007، وستحدد نغمة المحادثات المرتقبة بين كيم والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت لاحق من هذا العام، بشأن نزع السلاح النووي وضمانات السلام في المنطقة التي ظلت لعقود على حافة الصراع.
آمال بنهاية الحرب الكوري
وفي هذا السياق، يقول جون ديلوري، أستاذ في جامعة يونسي في سيول "الأمر مُعقد للغاية، إذا كنا نتحدث بجدية عن نزع السلاح النووي، فعلينا أن نتحدث بجدية عن السلام، ومع ذلك، يمكن وضع نهاية نهائية لهدنة غير مستقرة كانت موجودة في شبه الجزيرة منذ ما يقرب من سبعة عقود من خلال طرق عدة، ولكن المستوى الأول هو معاهدة أو وثيقة موقعة، ومن ثم وثائق أخرى قصيرة من معاهدة مثل إعلان السلام، كل ذلك سيقلل من نسبة الأصول العسكرية، ويجعل شبه الجزيرة الكورية أقل عدائية".
وسيكون لنهاية الحرب الكورية أيضا آثار بالنسبة للولايات المتحدة، والتي لديها نحو 28 ألف جندي متمركزين في كوريا الجنوبية، ويجرون تدريبات سنوية مع القوات العسكرية الجنوبية، في حين أثار وجود القوات رد فعل غاضب من بيونغ يانغ، التي استخدمت هذا التهديد المتصور من الولايات المتحدة لتبرير برامج التطوير النووي والصواريخ الخاصة بها كرادع، ونتيجة لذلك، فإن مسألة معاهدة سلام منسجمة بشكل معقد في آفاق النجاح في إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية ستكون ناجحة، وفي الأسبوع الماضي، أفاد الرئيس مون أن كوريا الشمالية أسقطت مطلب مغادرة القوات الأميركية لشبه الجزيرة الكورية كشرط مسبق لنزع السلاح النووي، موضحا "أنهم يتحدثون فقط عن إنهاء الأعمال العدائية ضد بلدهم وعن الحصول على ضمانات أمنية".
وأكد السيد ديلوري أن انسحاب القوات لم يكن شرطا أساسيا لتقدم المحادثات، موضحا "الأمر متروك حقا لكوريا الشمالية وكيم جونغ أون إذا كان مقتنعا بأن الوجود الأميركي لم يعد عدائيا"، لكن آراء كيم الحقيقية حول هذه القضية ستصبح أكثر وضوحا عندما يأتي شخصيا على طاولة المفاوضات.
هل سيتخلى كيم جونغ أون عن طموحاته النووية
ومن المرجح أن يتم دفع جوهر محادثات نزع السلاح النووي إلى اجتماع كيم مع الرئيس ترامب، المتوقع في وقت ما في أواخر مايو/ آيار أو أوائل يونيو/حزيران، لكن الخبراء حذروا من أن واشنطن وبيونغ يانغ ليستا على نفس الصفحة بشأن معنى العبارة، وتلاشت الإثارة المبدئية حول التزام كيم العام الماضي بتعليق التجارب النووية والصواريخ بسرعة مع إدراك أن هذا لا يعني أنه قرر التخلي عن أسلحته النووية، وعلى الأرجح، كان الإعلان عن ارتياحه لكون برنامجه النووي متقدم الآن لن يظهر الحاجة لتطويره في المستقبل.
وفي غضون ذلك، لم تتنازل الولايات المتحدة عن مطالبتها الواضحة بنزع السلاح النووي الشامل والقابل للتحقق ولا رجعة فيه الخاص بكوريا الشمالية.
ومن جانبه، قال أبراهام دانش، مدير برنامج آسيا في مركز وودرو ويلسون في واشنطن" لا توجد حاليا أرضية مشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية حول تعريف نزع السلاح النووي، إن كوريا الشمالية متمسكة بموقفها التقليدي المتمثل في أنها ستوافق على نزع السلاح النووي إذا أزالت الولايات المتحدة جميع القدرات الإستراتيجية من المنطقة، وتضع ضمانات للردع الممتد للحماية الأميركية لكوريا الجنوبية"، وهذه مقارنة مذهلة للرئيس ترامب، ولكنه كان شديد التبسيط في توجهه، حيث قال فقط إن كوريا الشمالية لن تمتلك أسلحة نووية.
ولفت دانش إلى أنه بالنظر إلى تصريحات صدرت مؤخرا من بيونغ يانغ، كان من الواضح أن كوريا الشمالية تواصل بناء الأسلحة النووية باعتبارها ضرورية للدفاع عنها، كما أنها لا تستخدم كلمة إخلاء نووي ضمن السياق الأوسع لنزع السلاح النووي العالمي.
وأضاف "إذن إذا رفضت كوريا الشمالية التخلي عن أسلحتها النووية، ماذا يعني ذلك بالنسبة للمحادثات المستقبلية؟.. الخيار الأول هو أن تقبل إدارة ترامب الحصول على التزام بنزع السلاح النووي، ووضعها في مرحلة تنفيذ يتم سحبها بمرور الوقت، وتعلن النصر، والخيار الثاني هو العودة إلى التهديدات بالعمل العسكري، أو قد تكون هناك ورقة أخيرة للعب، حيث على الولايات المتحدة أن تكتشف وتطور إستراتيجية طويلة الأمد تجاه كوريا الشمالية النووية، وهذا يتطلب الاعتراف بأن كوريا الشمالية لديها قدرات لن تتخلى عنها عن طيب خاطر، ومعرفة ما هي إستراتيجية الردع والاحتواء على المدى الطويل لكوريا الشمالية النووية".
ورغم ذلك يأمل الرئيس مون غاي في أن يبدأ في التوسط للتوصل إلى اتفاق حول نزع السلاح النووي يوم الجمعة، مؤكدا أن القمة بين الكوريتين هي نقطة الانطلاق.
اليابان متشككة
وبجانب التخلص من الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، يوجد لدى اليابان عدة اهتمامات محددة نقلتها بوضوح إلى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وسط مخاوف من احتمال إغفال مصالح اليابان خلال التوصل لاتفاق سريع بشأن الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، وقد بذل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، جهود كبيرة ليمنع ذلك، وكان مؤيدا قويا بسياسة الضغط على بيونغ يانغ من خلال العقوبات، ويعارض باستمرار أي مكافآت للنظام الكوري الشمالي حتى التأكد من تخلي كوريا الشمالية عن الأسلحة النووية.
ويرجع الخلاف الياباني مع كوريا الشمالية إلى اختطاف الأخيرة 17 مواطنا يابانيا بين عامي 1977 و1983، رغم أن حقوق الإنسان قالت إن المختطفين أكثر من 100 على مدى فترة أطول، في حين تخشى طوكيو من أن تصرّ واشنطن فقط على التوصل إلى اتفاق يزيل ترسانة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من بيونغ يانغ والتي يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة، وخلال المحادثات الأخيرة مع السيد ترامب في فلوريدا، أصر آبي على أن التخلص من القدرات العسكرية الشمالية يجب أن تشمل أيضا إزالة مخزونها من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية بشكل كامل وقابل للتحقق ولا رجعة فيه.
ويُعتقد أن الشمال يمتلك احتياطيات كبيرة من العوامل الكيميائية والبيولوجية المسلحة، بما في ذلك سيانيد الهيدروجين، والفوسجين، والسارين، والتابون، والكلور وعدد من مشتقات غاز الخردل، فيما أدلى عدد من المنشقين عن النظام الكوري الشمالي بادعاء شنيع أن النظام قد استخدم مواطنيه كخنازير في اختبارات الأسلحة.
ماذا تريد الصين من المحادثات
ولطالما دعت الصين إلى إجراء مفاوضات حول بناء صواريخ كوريا الشمالية النووية، وأعربت عن دعمها لقمة "كيم ـ مون" والمحادثات اللاحقة بين ترامب وكيم، ولكن في الوقت الذي ترحب فيه بكين بالإعلان عن السلام المتوقع صدوره يوم الجمعة من قبل كيم والسيد مون، فإن الزعماء الصينيين سيكونون أكثر تركيزا على هدفها طويل الأمد المتمثل في تخليص كوريا الشمالية من أسلحتها النووية.
وصرحت هوا تشون يينغ المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية للصحافيين خلال مؤتمر صحافي، عُقد مؤخرا بأن الصين "تدعم نهاية مبكرة لحالة الحرب"، إلا أنها قالت إن كل من سول وبيونغ يانغ يجب أن يركزا "بالتوازي" على نزع الأسلحة النووية، وأن يلتزما باستراتيجيه "التعليق المزدوج" التي تفرضها الولايات المتحدة، والتي تتطلب من الولايات المتحدة وقف التدريبات العسكرية في كوريا الجنوبية لإيقاف التجارب الصاروخية في الشمال، كما لفتت هوا "إننا نعتقد أن نزع الأسلحة النووية عن شبه الجزيرة الكورية وإقامة نظام سلام بالتوازي مع نهج" المسار المزدوج "هو طريقة فعالة لحل قضية شبه الجزيرة الكورية بشكل جذري".
وترى الصين الآن أن كوريا الجنوبية هي شريكها الأكثر منطقية في حل قضية كوريا الشمالية، وهي نقطة أثارتها صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية يوم الأربعاء، وقالت الصحيفة الحكومية "يتعين على كوريا الجنوبية والصين دفع بيونغ يانغ للتحرك صوب نزع الأسلحة النووية بينما تضغط في الوقت نفسه على واشنطن بما يحول دون تعثرها في قضية شبه الجزيرة".
سجل كوريا الشمالية المرعب في مجال حقوق الإنسان على جدول الأعمال
تشير الدلائل الأخيرة إلى أن قضايا حقوق الإنسان ستتخذ مقعدا خلفيا خلال مفاوضات الجمعة والمفاوضات القادمة، وقد قوبل مدح الرئيس ترامب لكيم ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع، بفزع، نظرا لسجل النظام القاسي في مجال حقوق الإنسان، حيث يعتقد أن ما يصل إلى 130 ألف كوري شمالي يقبعون في معسكرات.
وحث ناشطوا حقوق الإنسان أمثال مايكل غليندينينغ، مدير مؤسسة "Connect North Korea"، وهي منظمة خيرية مسجلة في المملكة المتحدة تساعد اللاجئين، القادة على عدم التملص من الانتهاكات المستمرة، وقال "إن كيم جونغ أون سيفعل الكثير لإظهار أن مبادراته الأخيرة إلى سيول وبكين وواشنطن تستند إلى رغبة حقيقية في التغيير من خلال تحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد على الفور".
ويعيش حالياً أكثر من 30 ألف من الهاربين الكوريين الشماليين في الجنوب، وقال كيم تاي هي، من مقاطعة هامغيونغ الشمالية، والذي وصل عام 1997، إن الكثيرين داخل مجتمعهم يأملون أن تركز القمة بشكل خاص على اللاجئين الكوريين الشماليين المحاصرين في الصين، والذين يواجهون الترحيل، ويجب أن يهتم الرئيس مون أيضا بحقوق الكوريين الشماليين في كوريا الشمالية، هذا هو ما سيقود السلام حقا بين الكوريتين".
ماذا يمكن أن يتوقع العالم من قمة يوم الجمعة؟
وقال أبراهام دانش "أتوقع أن تسعى هذه القمة بين الكوريتين أولا إلى تحديد الأهداف وتمهيد الطريق للالتزامات المستقبلية"، مضيفا "أتوقع أن تكون هناك تصريحات حول نظام السلام حول نزع الأسلحة النووية، ويحتمل تحديد أهداف مشتركة مع خارطة طريق لكيفية الوصول إلى هناك، وفي أفضل الأحوال هذه بداية عملية طويلة وصعبة للغاية".
ومن جانبه، حذّر السفير الأميركي المتقاعد توماس بيكرينغ، من أن حل بعض القضايا الصعبة على الطاولة "ربما يستغرق عقودا"، مضيفا "سيستغرق الأمر الكثير من الوقت والجهد للوصول إلى هناك"، لكن المحلل جون ديلوري بدا وكأنه يبعث على التفاؤل بأن القمة بين الكوريتين على الأقل "ستنطلق دون عوائق" حيث كان هناك الكثير من الاتصالات بين الجانبين، ومع الولايات المتحدة، قائلا "أتوقع أنها تبدو جيدة التخطيط والآن يحتاجون فقط إلى التنفيذ، لقد كانت هناك أشياء استثنائية بالفعل تجاوزت توقعات الناس لما يمكن أن يكون الشمال والجنوب قادرين على القيام به في هذه المرحلة من حيث الجوهر والشكل الخارجي".