القدس-فلسطين اليوم
انتُخبت أنغريت كرامب كارنباور، أمينا عاما للحزب "المسيحي الديمقراطي" الحاكم في ألمانيا، وهي حليف وثيق للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووقفت أمام الحشود، يوم الاثنين، والذين هتفوا لها بعدما فازت بنسبة حوالي 99% من الأصوات لتصبح الزعيم الجديد للحزب السياسي الأقوى في البلاد، حيث ابتسمت ولوّحت للحاضرين، وتعهدت بالمساعدة على توجيه الحزب والبلاد إلى الأمام.
وكان الأمر مألوفًا من الناحية السياسية، باستثناء شيء واحد وهو أن المرأة التي حصلت على الثناء لم تكن أنجيلا ميركل، ولكن يعد المنصب الذي تشغله كارنباور الآن شغلته ميركل في السابق، وكان نقطة انطلاقة لها وخطوة محتملة لنجاحها.
وتعرضت ميركل للانتقادات طوال فترة حكمها الممتدة منذ 12 عامًا؛ لعدم اختيارها خليفة لها، ولكن أخيرا أعلنت عن المرشح الذي ترى أنه يمزج بين الليبرالية والتحفظ لتوحيد قاعدة الحزب المضطرب، فيما كانت السيدة كارنباور، 55 عاما، حتى الأسبوع الماضي حاكما لولاية سارلاند الغربية الصغيرة، وهي واحدة من الوجوه الجديدة التي أظهرتها ميركل إلى مركز السلطة في برلين، وحتى في الوقت الذي تعمل فيه المستشارة على تصحيح تحالف آخر للحكم لفترة أخرى، فإن صعود الوجه الجديد يقدّم علامة أخرى على أن عهد ميركل يقترب من نهايته، ومسألة من سيخلفها تجاوز مسألة مستقبلها، ويحدد اتجاه الحزب والأمة في الوقت الذي استقطبت فيه سياسية الهجرة للسيدة ميركل كليهما.
وعينت السيدة ميركل، 63 عاما، يوم الأحد بعض أعضاء حزبها الأصغر سنًا لتولي مناصب وزارية في حكومتها المقبلة، بما في ذلك جينز سبان، 37 عاما، واحدة من أشد منتقديها في الهجرة، وجوليا كلوكنر، 45 عاما، وكلاهما من المشرعين المحافظين وينظر إليهم على أنهم خلفاء محتملين، ولكن كرامب كارنباور يُنظر إليها على نطاق واسع بأنها المفضّلة للمستشار، التي سرعان ما فازت بإعادة انتخابها حاكمًا في مارس / آذار، مما ساعد على تحفيز حزبها قبل ستة أشهر من الانتخابات الفيدرالية.
ورفضت كرامب كارينباور، التي سبق أن أطلق عليها اسم "ميني ميركل" من قبل وسائل الإعلام الألمانية، الحديث عن كونها الحاكم المنتظر، أصبحت مسألة خلافة السيدة ميركل مسألة ملحّة بعد خمسة أشهر من ظهور الانتخابات غير الحاسمة والتي دفعت المستشارة للكفاح من أجل بناء حكومة جديدة، بينما أدى الارتفاع السريع لحزب "البديل من أجل ألمانيا" وهو حزب متطرف، تأثر جزئيا بقرار ميركل المثير للانقسام في عام 2015 لفتح حدود ألمانيا لمئات الآلاف من الأشخاص الفارين من الحرب والفوضى في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى تفتت المشهد الحزبي وجعل من الصعب تشكيل ائتلاف حاكم.
ولدى كرامب كارنباور، خبرة في الائتلافات الرائدة في أحزاب الوسط في سارلاند، وتعد سياستها مزيجا من الآراء الليبرالية والوسطية والمحافظة، وقد عبّر العديد من الناخبين عن إعجابهم باختيار ميركل لتحديث حزبها، حيث ابتعدت عن الجذور المسيحية الأكثر تحفظا.
وتعد كارنباور، كاثوليكية رومانية تزوجت وهي في الثانية والعشرون من عمرها، وهي العائل الرئيسي لعائلتها بعدما توقف زوجها عن العمل للمساعدة في تربية أبنائهما الثلاثة، وحتى بعد أن خففت المستشارة من مقاومتها لزواج المثليين، أعربت كرامب عن معارضتها لهذه المسألة، وفي هذا السياق، قال مارك ديبوس، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا "إن العديد من أعضاء الحزب يخشون فقدان الموقف الأكثر تحفظا في الحزب، ويمكنها أن تكون في وضع يسمح لها باستعادة هؤلاء الناخبين الذين يقولون إن الديمقراطيين المسيحيين أصبحوا متحررين جدا".
وفشلت ميركل في أول محاولة لها لتشكيل ائتلاف، مع الحزب الليبرالي والخضر، بسبب موقف ضعف حزبها في الانتخابات منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يترك لها ذلك أي خيار سوى أن تجمع اتفاقا مع شركائها القدامى، الديمقراطيون الاشتراكيون، وكانت الصفقة التي عقدتها السيدة ميركل قبل ثلاثة أسابيع، والتي تخضع لموافقة الجذور الشعبية الديمقراطية، لم تتمشى بشكل جيد مع قاعدة حزبها، حيث ذهبت ثلاث وزارات قوية وسلسلة من التنازلات الأخرى إلى الديمقراطيين الاشتراكيين، حيث قال أحد المشرعين المحافظين "ربما نعطيهم المستشارية أيضا".
وبصفتها أمينا عاما، فإن إحدى الوظائف الأولى التي تقوم بها السيدة كرامب كارنباور هي استعادة الهدوء والانضباط في حزب ينقسم بعمق بين أولئك الذين يرغبون في نقله إلى اليمين وأولئك الذين يرغبون في متابعة مسار السيدة ميركل الوسطي، كما سيطلب منها وضع برنامج جديد للحزب، سيحدد لهجة الديمقراطيين المسيحيين لسنوات مقبلة.
ولفتت السيدة ميركل إلى أنها معجبة منذ فترة طويلة بالسيدة كرامب كارنباور، ولكن يقول البعض إنها تراها نموذجا مصغرا لها.
وأيدت كرامب قرار ميركل بفتح الحدود في عام 2015، غير أنها أظهرت نهجا أكثر صرامة في التعامل مع ما يقرب من 7 الآلاف لاجئ وصلوا إلى ولايتها، مما جعلها مثالا وطنيا للبعض، حيث أخضعت الأطفال اللاجئين الذين ليس لديهم وثائق للفحص الطبي لتحديد سنهم، وطالبت بترحيل كل من يرفض التوقيع على طلب اللجوء، وقالت إن اللاجئين الذكور المسلمين الذين رفضوا قبول الطعام من المتطوعات الإناث عليهم أن يبقوا جياع.
وقالت دانيال كيرش، المراسل السياسي الرئيسي لصحيفة "ساربروكر تسايتونغ"، التي تابع حياتها السياسية، إن مواقفها يعكس الحالة المزاجية بين سكان ولايتها البالغ عددهم مليون نسمة، مضيفة "أنها متناغمة جدا مع مزاج الشعب، حيث إنها تقرأ التحولات في الرأي العام بسرعة كبيرة".