محمود عباس اثناء خطابه في الأمم المتحدة

شدَّد رئيس دولة فلسطين محمود عباس،  في خطاب تاريخي أمام اجتماع الدورة (72) للجمعية العامة للأمم المتحدة على أن "استمرار الاحتلال لأرضي دولة فلسطين يعتبر وصمة عار في جبين إسرائيل أولا، وفي جبين المجتمع الدولي ثانيا". وقد قاطع زعماء العالم خطاب الرئيس بالتصفيق الحار مرات كثيرة، تعبيرا عن دعمهم الكامل لحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف، وتفاعلهم الكبير مع مضمون الخطاب.

وأكد عباس أنه يقع على عاتق الأمم المتحدة مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية وإنسانية لإنهاء هذا الاحتلال، وتمكين شعبنا من العيش بحرية ورخاء في دولته الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

وقال: لقد اعترفنا بدولة إسرائيل على حدود العام 1967، لكن استمرار رفض الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بهذه الحدود يجعل من الاعتراف المتبادل الذي وقعناه في أوسلو عام 1993 موضع تساؤل. وأضاف الرئيس عباس : لقد حذرنا في الماضي ولا نزال من ممارسات إسرائيل بشأن فرض الحقائق الاحتلالية في مدينة القدس الشرقية، وقلنا إن هذه الممارسات تؤجج مشاعر العداء الديني الذي يمكن أن يتحول إلى صراع ديني عنيف، وطالبنا الحكومة الإسرائيلية باحترام الوضع التاريخي والقانوني للمقدسات في المدينة، ولكن الحكومة الإسرائيلية، ومنذ أن احتلت القدس عام 1967، قامت بضمها بقرار من طرف واحد، رفضناه في حينه، ونرفضه اليوم كما رفضه العالم بما في ذلك مجلس الأمن، فالقدس مدينة محتلة وقرارات إسرائيل وإجراءاتها فيها إجراءات باطلة ولاغية وغير قانونية من البداية إلى النهاية، كما هو الحال بالنسبة للاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية.

وأوضح عباس أن ما تقوم به إسرائيل من تغيير للوضع القائم التاريخي في القدس، والمس بمكانة المسجد الأقصى على وجه الخصوص، هو لعب بالنار، واعتداء على مسؤولياتنا ومسؤوليات الأردن الشقيق، محذرا الحكومة الإسرائيلية من مغبته ويحملها المسؤولية الكاملة عن تداعياته. وشدد رئيس دولة فلسطين في خطابه التاريخي أمام الأمم المتحدة على أن "حل الدولتين اليوم في خطر، مضيفا: "فلا يمكننا كفلسطينيين أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الخطر الداهم الذي يستهدف وجودنا الوطني والسياسي والمادي على أرضنا، ويتهدد السلام والأمن في منطقتنا والعالم، وقد نجد أنفسنا مضطرين إلى اتخاذ خطوات، أو البحث في حلول بديلة لكي نحافظ على وجودنا الوطني، وفي ذات الوقت نُبقي الآفاق مفتوحة لتحقيق السلام والأمن". وقال: فمن حقنا في هذه الحال أن ننظر في البدائل التي تصون لنا حقوقنا وتحمي أرضنا وشعبنا، من تكريس نظام "الأبرتهايد."

وحث الرئيس الفلسطيني المجتمع الدولي لمواصلة تقديم الدعم الاقتصادي والمالي للشعب الفلسطيني ليتمكن من تحقيق الاعتماد على الذات، داعيا الدول كافة إلى إنهاء كل أشكال التعامل المباشر وغير المباشر مع منظومة الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي غير القانونية في أرض دولة فلسطين. وقال عباس: عندما نطالب إسرائيل ويطالبها العالم بإنهاء الاحتلال تسعى لحرف الانتباه لمسائل جانبية أفرزتها سياساتها الاستعمارية.

وشدد على أن "استمرار الاستيطان والتنكر لحل الدولتين يشكل خطرا حقيقيا على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ويفرض علينا مراجعة استراتيجية شاملة". وقال عباس: إن استمرار الوضع القائم سيدفعنا لمطالبة إسرائيل بتحمل مسؤولياتها ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام الخطر الذي يهدد حل الدولتين ويستهدف وجودنا، وإذا تم تدمير خيار الدولتين وترسيخ الدولة الوحدة بنظامين سنضطر للمطالبة بحقوق كاملة لجميع سكان فلسطين التاريخية.

وأردف: أن إنهاء الاحتلال لأرضنا هو ضرورة وأساس في مواجهة التنظيمات الإرهابية، ونتوقع من مجلس الأمن الدولي الموافقة على طلبنا بقبول دولة فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. وذكّر الرئيس بأن دولة فلسطين طلبت من المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق قضائي مع المسؤولين الإسرائيليين حول الاستيطان والاعتداءات. وقال: سنواصل الانضمام للمواثيق والمؤسســـــات والبروتوكولات الدولية، إذ إن فلسطين أصبحت دولة مراقبا وفقا لقرار الجمعية العامة 67/19/2012.

وأضاف الرئيس: خيارنا كفلسطينيين وكعرب، وخيار العالم هو القانون الدولي والشرعية الدولية وخيار الدولتين على حدود 1967، وسوف نُعطي المساعي المبذولة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعضاء الرباعية الدولية، والمجتمع الدولي كل فرصة ممكنة لتحقيق الصفقة التاريخية المتمثلة بحل الدولتين، وذلك لتعيش دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية بسلام وأمن، جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل.

وطالب الرئيس الأمم المتحدة بالعمل الحثيث والجاد من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين خلال فترة زمنية محددة، مؤكدا "أنه لم يعد كافيا إصدار البيانات الفضفاضة التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام من دون سقف زمني لذلك، وتطبيق المبادرة العربية للسلام، بما يشمل قضية اللاجئين حسب القرار 194". وشدد على ضرورة وقف النشاطات الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة كافة، كما نصت على ذلك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والتي كان آخرها قرار 2334 لعام 2016، بالإضافة إلى منطوق اتفاقية جنيف الرابعة، وتوفير الحماية الدولية لأرض وشعب دولة فلسطين.

ولفت الرئيس عباس الى أن دولة فلسطين سوف تقوم بصياغة مجموعة من المطالب في مشاريع قرارات، وحسب الأصول، وتقديمها للجمعية العامة للأمم المتحدة، معربا عن أمله بأن تحظى بالدعم اللازم من قبل الجميع حفاظا على بقاء حل الدولتين وفرصة تحقيق السلام، وحرصا على توفير الأمن والاستقرار والازدهار للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، ولشعوب ودول المنطقة بشكل عام.