أسطورة الملاكمة الراحل محمد علي كلاي

لم يكتسب محمد علي كلاي شهرته الواسعة بقبضة يده الحديدية فقط، بل كانت لمواقفه وأسلوب حياته الأثر الأكبر في جعله محور اهتمام العالم، فبعد أن استطاع الشاب الصغير الذي لم يتجاوز 22 عاما أن يقصي الملاكم سوني ليستون عن عرش الملاكمة عام 1964، أعلن بطل العالم الجديد عن اعتناق الإسلام، وتغيير اسمه من كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور إلى محمد علي، ليثير عاصفة من الجدل داخل الولايات المتحدة.

وتوقع الكثيرون آنذاك أن يخصم ذلك من شعبية البطل الصاعد، لكن محمد لم يكترث كثيرا بذلك، ليجد أن شعبيته تضاعفت في جميع أنحاء العالم، وواجه محمد تحديا آخر، عندما أعلن الجيش قبول انضمامه للقوات المسلحة عام 1966، وكانت الولايات المتحدة في حرب مع فيتنام، فرفض علي الانضمام إلى الجيش، وقال إن "هذه الحرب ضد تعاليم القرآن"، وأعلن أيضا:" لن أحاربهم.. فهم لم يلقبونني بالزنجي"، في إشارة إلى العنصرية التي كان يعاني منها في الولايات المتحدة خلال نشأته.

واتخذ محمد علي هذا الموقف وهو مدرك للثمن الذي سيدفعه، فقد تم سحب اللقب منه عام 1967 نتيجة رفضه الالتحاق بالجيش، قبل أن يعود إلى الحلبة مرة أخرى عام 1970، متحصنا بشعبيته الجارفة وتقدير الأميركيين لموقفه الذي كان يمثل شريحة كبيرة من المواطنين الرافضين للحرب.

وناضل محمد علي ضد التمييز العنصري ولدى تقاعده تبرع بأموال سخية لعدد من المشاريع الخيرية، من بينها إنشائه مركز حمل اسمه لمكافحة مرض باركنسون الذي أصيب به، وقدم علي دعما لدورة الألعاب الأولمبية الخاصة. واختارته الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة عام 2005 بسبب أعماله الخيرية في البلدان الفقيرة.

حياة شخصية

واتسمت حياة محمد علي الشخصية بالتقلب، فقد تزوج أربع مرات ولديه 7 بنات وولدين، ودخل علي حلبة الزواج في أغسطس عام 1964 مع سونغي روي، لكن زواجهما لم يستمر بسبب اعتراض الزوجة على ما أفكار علي بشأن لباسها وفقا لمعتقده الجديد، فتطلقا في يناير عام 1966.

وتزوج علي عام 1967 من بيليندا بويد، وكان عمرها حينذاك 17 عاما، فأسلمت بعد الزواج وتحول اسمها إلى خليلة علي، وأنجب الزوجان 5 أبناء هم مريم وجميلو وليبان ومحمد علي الصغير، وفي عام 1975، انخرط محمد علي في علاقة مع فيرونيكا بورش وكان ذلك سببا في انتهاء زواجه من خليلة عام 1977، ليتزوج من فيرونيكا وينجب منها هناء وليلى التي دخلت عالم الملاكمة بعد ذلك.

وتطلق الزوجان عام 1986، ليتزوج علي في ذات العام من يولندا صديقته المقربة منذ عام 1964، وخلال هذه الفترة تبنى علي طفلا أطلق عليه اسم أسعد محمد علي. وقد أنجب علي بنتين أخريين هما مايا وخليلة من علاقات أخرى، أكثر من 2500 نجمة تم وضعها على ألواح رخامية منذ عام 1959 لتخلد أسماء المشاهير في ممشى المشاهير أو ممر الشهرة في عاصمة السينما العالمية هوليود بمدينة لوس أنجلوس، لكن نجمة واحدة لم توضع على الأرض، وهي تخص أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي، ففي يناير عام 2002، قررت غرفة هوليود التجارية تكريم محمد علي بوضع نجمة له في ممر الشهرة، لكن الملاكم الأسطورة طلب أن لا توضع النجمة على التي ستحمل اسمه على الأرض، وقال محمد علي وقتها إنه لا يرضى أن يطأ الناس بأقدامهم على اسم النبي "محمد".

واحترم المسؤولون رغبته ووضعوا نجمة التكريم على حائط مسرح دولبي في ممر الشهرة، لتصبح النجمة الوحيدة التي لا تطأها الأقدام في هوليود، ويتوافد على الجماهير على هذا الحائط الذي يحمل نجمة "محمد" لالتقاط الصور التذكارية، كما تحول إلى نصب عقب وفاة الملاكم الأسطورة، السبت، حيث وضع أحباؤه الزهور قرب الحائط ونظرهم متطلع إلى نجمته في الأعلى وليس إلى الأرض.

في أوج الحرب البارد وتوتر العلاقات بين الغرب مصر، زار بطل الملاكمة العالمي محمد علي كلاي أرض الكنانة وأمضى فيها 15 يوما
وجاءت زيارة كلاي، بناءً على دعوة من الاتحاد العربي للملاكمة، ولم يكن مقررا خلال أن يلتقي الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، لكنه طلب ذلك وكان له ذلك، وما أن وصل الملاكم العالمي إلى مكتب الرئيس المصري حتى شاهد تمثالا لعبد الناصر، وسارع إلى تقبيله، قبل أن يلتقي عبد الناصر الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في العالم لقيادة حركة عدم الانحياز.

وأتت هذه الزيارة بعد أن أشهر الملاكم العالمي إسلامه، وأظهرت صور وهو يؤدي الصلاة في أحد مساجد القاهرة، كما أدى عروضا في المدينة ذاتها رفقة شقيقه عبدالرحمن، وشملت زيارة كلاي إضافة إلى القاهرة آثار الأقصر وأسوان و الإسكندرية السد العالي.

وقال كلاي حينها: "الآن رأيت السد العالي الذي سمعت عنه.. والآن استطيع أن أقرر بحق أن هذا العمل ليس سهلا، وأنه دليل واضح وانموذج مجسم لعظمة الرئيس جمال عبدالناصر"، وتحدث عن الآثار المصرية أنه قرأ عنها كثيرا، لكنه لم يتوقع أن تكون بتلك الروعة، تتذكر الكونغو الديمقراطية التي كانت تسمى زائير حينها، تلك المباراة الشهيرة التي استضافتها البلاد تحت اسم "نزال في الأدغال".، وفي واحدة من أقوى المباريات في تاريخ الملاكمة استطاع محمد علي الانتصار على الملاكم القوي جو فورمان عام 1974، وكانت في غابة لذا سميت بملاكمة أو مواجهة الأدغال، في الواقع لم يتوقع أحد انتصار محمد علي على فورمان بسبب قوة فورمان والذي استطاع الانتصار على جو فريرز الذي صنف بأنه لا يهزم بنتيجة ساحقة وفي إجمالي الإحصائيات.

أوقع علي فورمان بلكمة واحدة 6 مرات في 4 دقائق و30 ثانية. وبتكتيك مدهش استطاع محمد علي الانتصار على فورمان والحصول على اللقب وكانت مواجهة الغابة الموضوع الفائز للأفلام الثقافية في عام 1996 وصنفت المباراة بأنها سابع أعظم لحظة رياضية في التاريخ.

ونال كلاي دعم مواطني الكونغو قبل أن يسقط جورج فورمان في العاصمة كينشاسا ويصبح بطل العالم في ملاكمة الوزن الثقيل عند سن الثانية والثلاثين، وقال المتحدث باسم الحكومة الكونغولية لامبرت مندي "إنه الشخص الذي ساعد في جعل بلادنا مرئية في سبعينات القرن الماضي"، وقال مندي "هذا هو الشخص الذي بنى جسرا بين الأفارقة الأميركيين والأفارقة.. سيكون له دائما مكانا مهما في قلوب الكونغوليين"، وأعرب عن تعاطف حكومته الشديد مع أسرة كلاي.

بنبرات الحزن وكلمات الرثاء، جاءت ردود أفعال النجوم والمشاهير حول العالم بعد وفاة الملاكم الأسطورة، محمد علي كلاي، عن عمر ناهز الـ74 عاما، ونعت حكومة الكونغو وفاة الملاكم الشهير، إذ تتذكر البلاد تلك المباراة الشهيرة التي استضافتها البلاد تحت اسم "نزال في الأدغال"، وقال المتحدث باسم الحكومة، لامبرت مندي، "إنه (كلاي) الشخص، الذي ساعد في جعل بلادنا مرئية في سبعينات القرن الماضي".

وأصاف: "هذا هو الشخص الذي بنى جسرا بين الأفارقة الأميركيين والأفارقة.. سيكون له دائما مكانا مهما في قلوب الكونغوليين".
من جانبه، قال جورج فورمان، بطل العالم السابق في الوزن الثقيل والذي هزمه محمد علي في أشهر نزال في التاريخ على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "علي، فريزر وفورمان، كنا نحن الثلاثة واحدا. جزء مني رحل، والواقع أنه الجزء الأكبر"، أما مايك تايسون، بطل العالم السابق في الوزن الثقيل، فقد قال: "الله وجد بطله، وداعا إلى الملاكم الأعظم، أيها العظيم أرقد بسلام".

وتحدث فلويد مايويذر، بطل العالم السابق لوزن الوسط الذي لم يخسر في 49 مباراة واعتزل شابا: "لقد خسرنا اسطورة، بطلا كبيرا وشخصا رائعا. إنه أحد الذين فتحوا لي الطريق لأكون كما أنا الآن. الكلمات لا تكفي ولا تعطي علي حقه لما قدمه لرياضتنا. بالنسبة لي شخصيا، علمني ألا أشعر بالخوف أبدا".

من جانبه ، قال إيفاندر هوليفيلد، بطل العالم السابق للوزن الثقيل: "إنها خسارة ثقيلة. كنت أريد أن أكون مثله، لقد ألهمني. سألني في أحد الأيام إذا كنت أريد تحطيم رقمه القياسي (توج علي بلقب بطل العالم للوزن الثقيل 3 مرات، وأجبت كلا، لأن ذلك يعني أنه يتعين علي أن أخسر أحد نزالاتي. لكن العودة بعد الخسارة تظهر مدى القوة وهذا ما برهنه علي طوال مسيرته".

وعبر داعية الحقوق المدينة القس أل شاربتون المقيم في نيويورك عبر تويتر قائلا: "محمد علي كان دائما وسيظل الأعظم. بطل حقيقي داخل الحلبة وخارجها"، وذكر القس، جيسي جاكسون، داعية الحقوق المدينة الأميركي عبر تويتر: "دعونا نصلي وندعو لمحمد علي.. بطل العالم في الملاكمة ورائد الإصلاح الاجتماعي المناهض للحروب. الأعظم"، أما دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لانتخابات البيت الأبيض قال عبر تويتر: "مات محمد علي عن عمر 74 عاما. بطل حقيقي كبير وشخص رائع، سنفتقده كثيرا".

أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي احترف اللعبة بعد فوزه بالميدالية الذهبية للوزن خفيف الثقيل في دورة 1960 الأولمبية بروما، وتمكن وعمره 22 سنة بعد 4 أعوام من إقصاء سوني ليستون عن عرش الملاكمة العالمي بالوزن الثقيل في الجولة السابعة، ثم فاجأ العالم باعتناقه الإسلام بعد عام وتغيير اسمه الأول Cassius Marcellus إلى محمد علي، وبه خاض في 1965 مباراة التحدي مع ليستون، فأنهاها بقاضية سريعة في الجولة الأولى، وبعدها خطف الأضواء طوال 17 سنة، سمى نفسه "الأعظم" في بدايتها، ثم ندم واستغفر ربه وتاب.

خارج الحلبات، اشتهر محمد علي المولود في 1942 بمدينة لويفيل في ولاية كنتاكي، بمعارضته للحرب الأميركية في فيتنام، ورفضه في 1966 الالتحاق بالجيش لمشاركته فيها، فدفع الباهظ الثمين لموقفه منها: سجنوه 3 أعوام، وفي 1967 جردوه من لقبه العالمي ومنحوه لسواه، حتى عاد في 1971 ليواجه جو فريزر على حلبة ماديسون، في مباراة بنيويورك سمّوها "مواجهة القرن" وكانت كذلك فعلاً.

في تلك المباراة التي استمرت 15 جولة، ألحق فريزر أول هزيمة بكلاي الذي هزمه بعدها مرتين: الأولى في 1974 بمباراة من 12 جولة على حلبة ماديسون نفسها، والثانية بعدها بعام من 15 جولة في الفلبين، وكان معظمها دموياً على فريزر، وتابعها أكثر من 300 مليون عبر الشاشات الصغيرة بالعالم.

كانت الجولة 14 من تلك المباراة حاسمة على فريزر الذي تلقى من اللكم ما جعل مدربه، أيدي فوتش، يرمي بالمنديل على الحلبة إيذاناً بعدم قدرة فريزر على المتابعة حتى الجولة الأخيرة، فقد تلطخ وجهه بدمه، وبدا مجهداً بلا توازن ولا قدرة على الثبات، فخسر بالقاضية الفنية نزالاً وصفه كلاي بعدها بأنه: "كان أقرب شيء للموت رأيته بحياتي". ويكفي لقارئ "العربية.نت" البحث عن فيديو في "يوتيوب" عنوانه Muhammad Ali- Frazier III لمشاهدة المباراة وما فيها من عنف واضح منذ أول جولة.

مباراة لقاء ما يعادل اليوم 25 مليون دولار

ثم فاز محمد علي في 1978 ثالثة ببطولة العالم، ومن بعدها اعتزل وعمره 39 سنة، أمضى نصفها تقريباً يسحر مشاهديه، وفيها فاز ببطولة العالم 3 مرات، وفيها اكتظت حقيبته بأمجاد تلخصها "العربية.نت" بأرقام تشير إلى كل رصيده النادر: لعب كمحترف 61 مباراة، حقق فيها 56 فوزاً، منها 37 بالقاضية، وبلا أي تعادل، أي "يا قاتل يا مقتول" كما يقولون، مع 5 هزائم مني بها أمام 4 أميركيين وكندي.

أول هزيمة كانت في 1971 مع جو فريزر، الذي توفي في 2011 بسرطان الكبد وحضر كلاي دفنه برغم اعتلال صحته، والثانية بعد عامين أمام من سموه بعدها "كاسر فك كلاي" وهو كين نورتون الذي توفي في سبتمبر 2013 بعمر 70 سنة، وثالثة في 1978 مع ليون سبينكس، ورابعة بعد عامين أمام لاري هولمز. أما الأخيرة فكانت قبل أشهر من اعتزاله أمام الكندي تريفور بربيك، القتيل بعمر 52 سنة في 2006 بمسقط رأسه في جامايكا، حيث هاجمه شخصان بمطرقة لخلاف حول قطعة أرض وأجهزا عليه.

لكن لكلاي مباراة هي الأروع برأي النقاد، وخاضها في 1974 ضد مواطنه جورج فورمان، وأجمع الإعلام الرياضي العالمي على وصفها بأهم نزال رياضي بين خصمين، ففيها قام بتكتيك أنهك فيه خصمه إلى أبعد حد، ثم فاجأه في الجولة الثامنة بلكمات متسارعة عاجله بها قرب الحبال بعد أن كان يتفرس فيه ويدرس ملامحه ليوجه إليه المناسب من الضربات "بل كان يهمس أحياناً في أذنه عبارات تثير فيه الحنق والغضب ليفقد اتزانه باللعب" على حد ما يروون عن طريقته الخاصة بملاكمة منافسيه.

وترنح فورمان بفعل تلك اللكمات، وتحول إلى ما يشبه لعبة تهاوت بين قبضتي محمد علي، ثم انهار مقضياً عليه "في سلسلة من أجمل الضربات بعالم الملاكمة" وفق ما وصف محللون المباراة التي بلغ أجره فيها 5 ملايين دولار، تساوي 25 مليوناً وأكثر بقوتها الشرائية هذه الأيام، ويمكن مشاهدتها بالكامل عبر البحث عن ali foreman في "يوتيوب" ومدتها ساعة.
اعتراض الزوجة على لبس المرأة المسلمة

وفي سيرة كلاي، الذي غادر الدنيا تاركاً 7 بنات وابنين، أنه تزوج 4 مرات، من الثانية له ابن و3 بنات، إضافة لابنتين من الثالثة، كما وابنتين من خارج الزواج، وهما "ميا" المولودة في 1972 و"خالية" الأصغر منها بعامين. كما له ابن سماه "أسعد أمين" تبناه بعمر 5 أشهر مع من اقترن بها في 1986 وأصبحت أرملته الآن، وهي "يولاندا ويليامس" الشهيرة باسم "لوني" منذ كانت صغيرة يعرفها في "لويفيل" كابنة جيران عمرها 6 أعوام، ثم تزوجها تصغره بأكثر من 15 سنة، واعتنقت الإسلام مثله.

أولى زوجاته كان اسمها سونجي روي، وكانت نادلة تقدم المشروبات الكحولية لزبائن أحد البارات حين تعرف إليها في 1964 وتزوجها بعد شهر، وفق ما قرأت "العربية.نت" عمن لم تنجب منه أي ولد، وفرقها عنه الطلاق بعد 17 شهراً "بسبب اعتراضها الدائم على طريقة لبس المرأة المسلمة" وهو ما نجده في سيرته المتوفرة "أونلاين" لمن يرغب بمعرفة المزيد عن أشهر ملاكم بالقرن العشرين.

وفي 1967 تزوج من بيليندا بويد، التي اعتنقت الإسلام وسمت نفسها "خليلة علي" ومنها رزق بكبرى أولاده "مريوم" والتوأم جميلة ورشيدة، كما والذكر الوحيد بين أولاده، محمد علي جونيور. لكن تعرفه في 1975 إلى الممثلة وعارضة الأزياء، فيرونيكا بورش، كان سبب طلاقه بعد عامين من أم أولاده الأربعة، فتزوج بورش في 1977 ورزق منها بابنة سماها حنة، وبثانية أصبحت أشهر بناته، وهي ليلى التي امتهنت الملاكمة، ثم فرق الطلاق في 1986 بين الزوجين، وبعد أشهر قليلة تزوج "لوني" ابنة الجيران.
وأعاد الرهائن إلى أميركا بعد اللقاء مع صدام

في سيرته أيضاً أن ما أمطروه به من تكريم "يفوق ما حصل عليه أشهر الملاكمين مجتمعين" ففي 1999 منحه مجلس الملاكمة العالمي لقب "رياضي القرن" وبعده في 2005 منحه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش "وسام الحرية الرئاسي" واختاروه في 2012 لحمل العلم الأولمبي بحفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في لندن، وفيه منحوه لقب "الأعظم" الذي كان أول من لقب نفسه به وندم عليه، وسموه قبله "ملك الملاكمة" وصاحب أسرع لكمات، وبالملاكم الذي يطير على الحلبة كالفراشة ويلسع كالنحلة.

كما المعروف خارج الحلبات أيضاً، أن كلاي الذي كان شديد الخوف من ركوب الطائرات، أنقذ شاباً من الموت انتحاراً حين رآه في 1981 يتدلى من سلم النجاة في الطابق التاسع بإحدى عمارات لوس أنجلوس، ونراه في فيديو اطلعت عليه "العربية" بعنوان Ali saves man في "يوتيوب" وهو يقنع اليائس بالعدول عن الانتحار، ثم أقله بسيارته الليموزين إلى مستشفى، عالجه فيه على نفقته.

كما في "يوتيوب" فيديو يسهل العثور عليه لمن يبحث عنه بعنوان Ali Saddam في الموقع، وهو عن لقاء كان له بنوفمبر 1990 مع الرئيس العراقي الراحل شنقاً، صدام حسين، المحتجز وقتها 15 أميركياً رهائن بعد غزوه للكويت، فتبرع محمد علي لتحريرهم، وسافر وهو معتل بالباركنسون إلى بغداد، وتناول الغداء مع صدام الذي نسمعه يقول له في الفيديو: "لن نترك الحاج محمد علي يعود إلا ويأخذ معه الأميركيين" فأقلهم كلاي إلى أميركا على متن طائرة خاصة.

ومع أن كلاي جمع ثروة محسودة، إلا أن دنياه لم تكن ممتعة دائماً، ففي 1984 نال "الباركنسون" الرعاش من الملاكم الذي أدى فريضة الحج في 1972 بمكة، وأقعده معظم الوقت في البيت، إلى درجة لم يكن يظهر معها للعلن إلا نادراً، وعن المرض قرأت "العربية.نت" قوله في مقابلة تلفزيونية قبل 16 سنة: "إن الله ابتلاني به ليقول لي وللناس إني لست الأعظم، كما كنت ألقب نفسي، لأن الله هو الأعظم".

ولمحمد علي أخ وحيد، هو رودولف الذي غيّر اسمه إلى رحمان لاعتناقه الإسلام أيضاً، ونقل في 2013 لصحيفة "صن" البريطانية، أن شقيقه أوصاه بدفنه قرب والديه في مدينة "لويفيل" إذا ما توفي قبله، وأن يحفروا على شاهد قبره عبارات للقسيس الأميركي الراحل في 1968 قتيلاً، مارتن لوثر كينغ: "حاولت أن أحب أحداً. أن أحب الإنسانية وأخدمها. حاولت فعلاً أن أطعم الجياع وأكسو العراة".

وفعل محمد علي هذا كله، فسحر الملايين بجمعه للنبل والقوة معاً، وخدم وأحب وبادلوه الود، خصوصاً في دول عربية شهدت ملاكماته بشغف، وزار منها السعودية ومصر والعراق والكويت وقطر والسودان وليبيا والجزائر. كما أحبوه في أميركا حيث يملك عقارات بولايات أريزونا وكنتاكي وميتشيغن، مع مركز راقٍ باسمه شخصياً لعلاج الباركنسون، وجائزة خصصها كل عام لمن يقوم بعمل إنساني مشهود، ومن المؤكد أنها ستستمر بعد رحيله عن دنيا قد لا تعرف ملاكماً مثله إلا بعد زمن لا ندري متى سيكون.