يظهر علي يسار الصورة دكتور معاذ الذي يعد آخر أطباء الأطفال في حلب وكان من بين القتلي عندما هاجمت طائرة مستشفى القدس ( على يمين الصورة )

سجلت كاميرات المراقبة التليفزيونية اللحظات الأخيرة في حياة آخر طبيب أطفال في مدينة حلب، قبل مقتله الإسبوع الماضي جراء الغارة الجوية التي إستهدفت المستشفى التي كان يعمل بها، حيث سقط محمد وسيم معاذ قتيلاً إلى جانب 26 شخصًا آخرين من مرضى وأطباء وزائرين بعد إنفجار مستشفى القدس Al Quds الذي وقع الأربعاء الماضي. وكشفت كاميرات المراقبة من داخل المستشفى كيف قضى الدكتور معاذ وآخرين اللحظات الأخيرة في حياتهم، غير مدركين للنهاية المروعة التي كانت على وشك أن تصيبهم. وتظهر اللقطات المروعة الأطباء وكذلك زائرين على ما يبدو وهو يتنقلون مساء الأربعاء بين أرجاء المستشفى المدعومة من أطباء بلا حدود.

وكان دكتور معاذ وقت إلتقاط الكاميرا صورة له يرتدي ملابس باللون الأخضر، بينما يستعد لبدء المناوبة الليلية في المستشفى، وقد توارى عن أنظار الكاميرا عند إنهاؤه الممر، لتظهر بعدها بثواني ألسنة اللهب التي جاءت على ما يبدو من نفس حجرة طبيب الأطفال التي دخلها للتو. ونتج عن الإنفجار مقتله وإثنين من زملاؤه إضافةً إلى عدد لا يحصى من المدنيين، ليسود بعدها الظلام الدامس وحجب الغبار للرؤية أمام الكاميرات.

وفي أقل الممرات تضررًا، شوهد الأشخاص يحاول كل منهم مساعدة الآخر، بينما الكاميرات المثبتة خارج المستشفي أظهرت أشخاصاً يحملون كشافات ويهرعون بها علي الطريق سواء لمساعدة الجرحي أو الهروب من الخطر الغير معروف. وأدان وزير الخارجية الأميركي جون كيري ذلك التفجير واصفاً إياه بالغير معقول، مضيفاً بأنه من الضروري التوقف عن حصد أرواح المزيد من الأبرياء. كما ذكرت الأمم المتحدة بأن التفجير كان " كارثيـاً "، بينما ألقى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير باللوم على الرئيس السوري بشار الأسد وحمله المسؤولية عن تلك الغارة الجوية التي إستهدفت المستشفى وراح ضحيتها النساء والأطفال وكبار السن.

وسقط ما يزيد عن 250 قتيلاً خلال الأيام التسع الماضية، كان أغلبهم من المتمردين بحسب ما يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان. فيما يزداد الوضع سوءاً داخل مدينة حلب، خاصةً بعد إستهداف تلك المستشفى الحيوي التي تعد مركزاً رئيسياً لرعاية الأطفال وتدميرها وفق ما تقول رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود في سورية موسكيلدا زانكادا.

وأشار المتحدث بإسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إيوان واتسون إلي أنه من غير المقبول قصف المستشفيات، والذي يندرج ضمن جرائم الحرب. إلا أن الأمر متروك للمحقق وللمحكمة إتخاذ قرارها فيما إذا كان ذلك التفجير من جرائم الحرب أم لا. وتعد مدينة حلب في بؤرة للتصعيد العسكري الذي قوض محادثات السلام في جنيف من أجل إنهاء حالة الصراع المستمرة منذ خمس سنوات، وقد ناشـد مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا رؤساء الولايات المتحدة وروسيا للتدخل. فالتدهور الكارثي الذي تشهده حلب علي مدار الثمانية وأربعون ساعة الماضية يعيق وصول الإمدادات إلي ملايين من السوريين بحسب ما يقول جان إيجلاند رئيس فريق عمل الأمم المتحدة للمهام الإنسانية.

وتهدف محادثات جنيف إلي إنهاء المعارك الدائرة والتي أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 250,000 شخص، وتؤدي إلى أسوأ أزمة لاجئين في العالم، فضلاً عن السماح لصعود تنظيم داعش تدخل قوى إقليمية كبرى. ومع فشل المفاوضات وإنهيار هدنة الوقف المؤقت لإطلاق النار، فإن دي ميستورا إختتم مباحثات جنيف بتطلعه إلى إستئنافها في أيار / مايو، ولكنه لم يحدد موعداً لذلك.

وأنكرت القوات الجوية السورية قيامها بإستهداف المستشفى، بينما وزارة الدفاع الروسية التي تساند قوات الرئيس السوري بشار الأسد بواسطة شن غاراتٍ جوية لم يتسني الوصول إليها لإبداء تعليق علي الواقعة. ونفت روسيـا مؤخراً ضرب أهداف مدنية داخل الأراضي السورية. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره في بريطانيـا بأن 31 شخص لقوا مصرعهم يوم الخميس نتيجة الغارات الجوية على مناطق عدة في حلب تسيطر عليها قوي المعارضة، إضافةً إلى مقتل ما لا يقل عن 27 شخصاً في القصف الأخير للمستشفى يوم الأربعاء.

ورداً على إستهداف المستشفى، فقد قام المتمردون بقصف المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بواسطة الهاون، ما أدى إلى مقتل 14 شخصاً على الأقل وفقاً للمرصد ووكالة الأنباء السورية ( سانـا SANA ). وكانت المعارضة قد إنسحبت الإسبوع الماضي من محادثات السلام التي شهدت إنقساماً كبيراً حول مستقبل بشار الأسد، حيث أكدوا على أن الحكومة السورية كانت تماطل من أجل تحقيق تقدماً عليى الأرض. داعين إلى تنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي يفرض وصول المساعدات الإنسانية بشكلٍ كامل إلى المناطق المحاصرة.

أما بشار الجعفري الذي قاد الوفد الحكومي السوري يوم الثلاثاء خرج ليقول بأن جولة المباحثات كانت " مفيدة وبناءة "، إلا أنه لم يعطي أي إشارة تفيد بالتنازل لصالح المعارضة في طلبهم بالإنتقال السلمي للسلطة من دون بشار الأسد. وقالت الحكومة السورية بأن مستقبل الأسد أمر غير قابل للتفاوض، بينما أوضح دي ميستورا بأن النقاش كان يدور في كيفية تغيير الحكم الحالي.

وبعث حسام أبو غيث البالغ من العمر 29 عاماً وصانع الأفلام الوثائقية رسالة عبر تطبيق  WhatsApp أكد فيها علي أن منطقة كلاسا Kalasa  في حلب والتي يسيطر عليها المتمردون شهدت تفجيرات عنيفة يوم الخميس، ولا تزال الطائرات تحلق وتضرب كل شيء من مساجد وأسواق ومبانٍ سكنية ومستشفيات، وهناك عشرات الأشخاص تحت الأنقاض ولا تستطيع قوات الدفاع المدني إنتشال جثثهم بسبب شدة القصف.

كما أشار من خلال تطبيق واتس آب أيضاً طوني إسحاق البالغ من العمر 26 عاماً، والذي يدرس السياسة ومن سكان منطقة السليمانية Suleimaniya في حلب المسيطر عليها من جانب الحكومة بأن الأوضاع سيئة منذ أربعة أيام وتزداد سوءاً، حيث تتساقط القذائف كالمطر في كل مكان، وتمتلئ المستشفيات بالمصابين.