القدس المحتلة ـ ناصر الاسعد
لم يخلو تنظيم "داعش" من المتطرفين الذين يحملون كافة الجنسيات حول العالم، حتى الإسرائيليين، وأن عددًا قليلًا من المواطنين الذين يحملون جنسية الدولة العبرية، التحقوا بالتنظيم المتطرف خلال الأعوام الأربعة الماضية، ولا يتجاوز عددهم الخمسين شخصًا.
وقرر عدد من متطرفي إسرائيل، العودة إلى بلادهم من جديد، ومن بينهم صابرينا زبيديت، والتي تبلغ من العمر 30 عامًا، وزوجها وسام، وعادا إلى مطار بن جوريون في تل أبيب الشهر الماضي، مع أطفالهما الثلاثة، والذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وثمانية أعوام.
وعاد الزوجان الإسرائيليان إلى بلدهما رغم معرفتهما، أنهما سيواجهان عقوبة السجن المشدد في إسرائيل، وشهدت رحلتهما التي استغرقت عامًا، الفقر والوحشية التي اتسمت بهما خلافة "داعش" المزعومة بين سورية والعراق، والتي عمل خلالها وسام كمقاتل بين صفوف التنظيم المتطرف، وكان دور صابرينا هو رصد الكاميرات الأمنية في أحد المستشفيات.
ولعبت إصابة وسام أثناء القتال ضد القوات العراقية، دورًا هامًا في اقتناع الزوجين الإسرائيليين بنصائح عائلتهما، بضرورة العودة إلى بلادهما. ولم تكن مسألة الخروج من الأراضي السورية سهلة على الإطلاق، لأن وصولهما إلى الأراضي التركية عبر الحدود مع سورية، استغرق تسع محاولات فاشلة، لينجحا أخيرًا في المرة العاشرة، ولجأوا إلى مجموعة من المهربين، والذين حصلوا على المال في المقابل من والد صابرينا، لتعود الأسرة في النهاية إلى الأراضي الإسرائيلية في 22 ايلول/سبتمبر الماضي. ولم تنته الصعوبات بعد، لا سيما عقب إلقاء السلطات الإسرائيلية القبض عليهم بمجرد وصولهم إلى مطار تل أبيب.
وصابرينا "ربة المنزل"، وزوجها وسام "منجد أثاث"، ترجع أصولهما إلى أسر من الطبقة المتوسطة، يجيدون اللغة العبرية، وعاشا بعيدًا تمامًا عن تلك الأفكار المتشددة التي يتبناها التنظيم المتطرف، ولذا فكان انضمامهما لـ"داعش" بمثابة ليس فقط صدمة لذويهم، ولكن أصبح وصمة عار في تاريخ العائلة، والتي قامت بدورها بإبلاغ السلطات الإسرائيلية عن خبر انضمامهما للخلافة.
ولم يجد الزوجان الإسرائيليان، تعاطفًا كبيرًا من جانب أفراد أسرتهما بعد إجراءات القبض عليهما، في ظل توقعات بحصولهما على أحكام مشددة، حتى من جانب أقرب ذويهم، والذين ساهموا بدور فعال في اقناعهما للعودة إلى بلادهما. وأكد أحد أفراد الأسرة، وهو مقرب جدًا من الزوجين، أن "كل شخص لديه عقل في رأسه ربما يدرك أن الجحيم هنا في إسرائيل، يبقى أفضل بكثير من البقاء في جنة داعش".
وتلقي قصة عائلة "داعش" الإسرائيلية، الضوء ليس فقط عن تجربة الزوجين مع الجماعة المتطرفة، وإنما ظاهرة أخرى تبدو أوسع، وهي انضمام مواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى التنظيم المتطرف، فعلى الرغم من أن الإسرائيليين يبقون الأقل تنظيمًا داخل "داعش"، إلا أن انضمام هؤلاء يطرح تساؤلات عدّة، لعل أهمها كيف تمكنت صابرينا من اعتناق أفكار متطرفة عبر الإنترنت، بينما لم يتم الكشف عنها من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية أو الأقارب، وكذلك كيف أمكنهما ترتيب إجراءات السفر إلى عاصمة الخلافة في مدينة الرقة في سورية، دون أن ترصدهما أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وخلال التحقيقات، قال الزوجان إنهما غادرا إسرائيل في شهر حزيران/يونيو من العام الماضي، لزيارة أقرباء لهم في رومانيا، حيث انتقلا من هناك إلى تركيا ليتواصلا مع إسرائيلي أخر، كان انضم إلى التنظيم المتطرف منذ عام 2013، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وساعدهما للوصول إلى الحدود مع سورية، ليتركا هناك جوازات السفر الإسرائيلية الخاصة بهم، وينتقلا مباشرة إلى مدينة الرقة.
وبمجرد وصولهما إلى المدينة السورية، تم فصل وسام عن زوجته وأولاده، حيث انتقل إلى معسكر تدريب في العراق، ليتم ايفاده بعد ذلك إلى الموصل، وأصيب هناك في قدمه خلال أحد الغارات على أحد المواقع العسكرية التي كان يسيطر عليها التنظيم. وأعربت عائلة صابرينا، التي تقطن في أحد القرى الصغيرة التي تقع بالقرب من مدينة سخنين الإسرائيلية، عن اسفها مما قام به الزوجان، حيث أكدا أنهما يشعران بالخزي والعار من جراء فعلتهما.
وأضاف أحد أفراد العائلة، والذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، أن الزوجين سافرا إلى رومانيا لزيارة أخيها، والذي يقوم بدراسة الطب هناك، موضحة أن صابرينا كانت نائمة مع اثنان من اخواتها في نفس الغرفة، حيث استيقظت في وقت متأخر من الليل، لتخبر أخد إخواتها أنها ستغادر إلى العراق، وهو الأمر الذي لم يدركه الرجل في لحظتها، لأنه لم يكن متيقظًا بشكل كامل، ولكن تذكره فيما بعد عندما طال الانتظار ولم تعود.
ولم يعارض أقارب صابرينا لائحة الاتهام التي قدمها جهاز الأمن الإسرائيلي بحقها وحق زوجها، حيث أنهم وصفوا أن 99 في المائة من تفاصيل البيان الأمني كانت صحيحة تمامًا، معربين في الوقت نفسه عن استغرابهما الشديد من فشل أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، والتي تتسم بيقظتها الشديدة في رصد الاتصالات التي جرت بين الزوجين وعناصر التنظيم المتطرف قبل خروجهما من البلاد.
وأوضح أحد الأقارب قائلًا "لدينا الكثير من الأسئلة حول ما حدث. لماذا لم يتم رصدهما وتوقيفهما؟ إننا لم نكن نعرف ماذا كان يدور بعقليهما أو ماذا كان يخططان. ربما لم يعد الأمر سرًا، ولكننا اكتشفناه متأخرًا بعد أن ذهبوا إلى هناك، ولذلك لم نجد أمامنا وسيلة سوى إبلاغ السلطات الإسرائيلية".
وأثار قريب أخر لصابرينا، فكرة أخرى، وهي أن وسام كان الأكبر سنًا منها، وربما مارس عليها ضغوط كبيرة من أجل الانضمام لداعش بصحبة أطفالهما، وكان لديه عمل جيد جدا، حتى أنه كان يتباهى دائمًا بأن غالبية زبائنه من رجال الأمن الإسرائيليين. ولكن الأمر الذي ربما يثير الدهشة والانتباه أن صابرينا بدورها لم تكن مبالغة في التدين إلى حد كبير، كما أنها لم تكن مهتمة بالأساس بالأحداث التي تشهدها سورية والعراق، حتى أن عائلتها انتابتها الدهشة الكبيرة من جراء رؤية ابنتهم منتقبة بالكامل خلال محاكمتها، وتساءلوا جميعا منذ متى وهي ترتدي مثل هذه الملابس؟؟. وأضاف "ربما ظنوا أنها ستكون مغامرة.. أو اعتقدوا أن التاريخ سوف يذكرهم يومًا ما بعد مائة عام من الزمان.. ولكن يبقى التساؤل من هو الهدف الذي سافرت صابرينا من أجل تحريره في سورية أو العراق؟".
واستطرد "أننا أسرة مسالمة لا تحب المشكلات، اتسمنا طيلة تاريخنا بالولاء للوطن، ولهذا فإننا ندرك أنه يجب أن يكون السجن هو النتيجة الطبيعية لفعلتهم التي اقترفوها". ويبدو أن الأمر أصبح مصدر قلق حقيقي للسلطات الإسرائيلية، فقضية صابرينا ووسام هي الثالثة من نوعها التي تشهدها المحاكم الإسرائيلية خلال شهر واحد، حيث قامت السلطات الإسرائيلية باعتقال ومحاكمة ستة أشخاص يقطنون في القدس الشرقية، بتهمة إنشاء مجموعة مستوحاة من "داعش"، وكانت تخطط من أجل الالتحاق بميليشيات التنظيم المتطرف في سورية.
ولكن تبقى في النهاية الدوافع التي ساقت صابرينا للالتحاق بداعش غامضة، على عكس دوافعها للعودة، والتي كانت واضحة تمامًا سواء في أقوالهم خلال التحقيقات أو في لائحة الاتهام، حيث أكدوا أن الدمار أصبح يلاحق المنطقة التي يقطنونها، وهو الأمر الذي تسبب في خسائر فادحة منذ بداية العام الجاري، وأصيب الأطفال بحالة شديدة من القلق جراء ذلك. وأثار الزوجان تفاصيل أخرى، أثناء التحقيقات كانت سببًا في قرارهما بالعودة، من بينها الروتين القاسي الذي يتبناه التنظيم في التعامل مع أعضائه، وكذلك العقوبات الوحشية التي يتم تطبيقها ضد المخالفين، كقطع الأطراف والجلد أو قطع الرؤوس.
وكانت شرطة الأخلاق تفرض على أعضاء التنظيم من النساء لباسًا معينًا، لا يمكنهن مخالفته إطلاقًا، وبالنسبة للرجال، يبقى طول اللحية أمرًا محوريًا، إضافة إلى الانتهاكات التي كانوا يمارسونها بحق النساء، كالإتجار في اليزيديات، وممارسة الجنس معهن، وكذلك إخضاع أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثمانية أعوام لتدريبات عسكرية.