القدس المحتلة ـ ناصر الأسعد
أغلقت قوات الاحتلال الاسرائيلي، المسجد الأقصى عشية يوم الجمعة أمام جميع المصلين، بعدما كانت تقتصر إجراءاتها سابقا، على تضييق الحصار حول المسجد، وتعقيد دخول المصلين إليه، وتحديد أعمارهم، وذلك في خطوة نادرة أثارت غضب السلطة الفلسطينية التي حذرت "من خطة تقسيم قد تقود إلى حرب طائفية". وسمحت إسرائيل لكبار قادة المستوطنين وجمهور المتطرفين اليهود، باقتحام المسجد فيما كانت تغلقه في وجه المصلين المسلمين، استجابة لدعوات سابقة لمسؤولين ومنظمات متطرفة.
وكان وزير الزراعة الاسرائيلي أوري أرئيل، ومنظمات متطرفة معروفة باسم منظمات "الهيكل"، ومؤسسات إسرائيلية، دعت أمس الخميس، جميع الإسرائيليين، إلى اقتحام المسجد إحياء لذكرى مستوطِنة قُتلت في الخليل العام الماضي. وقال أرئيل في تسجيل صوتي إن الدعوة تأتي "إحياءً لذكرى هليل أرئيل... سندخل من بوابة هليل، (بوابة المغاربة) نريد تغيير الاسم".
واقتحم قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس يورام ليفي مع عدد من ضباطه وقادة المستوطنين وجمهور متطرف، المسجد بعد إغلاقه في تحد كبير لمشاعر الفلسطينيين.وفرضت الشرطة الإسرائيلية، منذ صباح أمس، إجراءات مشددة في محيط المسجد، ثم منعت دخول المصلين الشباب إليه، وبعد ذلك قامت بإغلاقه نهائيا قبل اقتحامه.وتسبب الاقتحام بغضب شديد وتوتر كبير، رافقه تكبيرات من جانب الفلسطينيين القريبين من المكان، ومحاولات من الحراس لمنع أي تخريب أو أداء صلوات تلمودية.وكثف المستوطنون خلال الأسابيع القليلة الماضية، من اقتحام المسجد، ما تسبب في مواجهات عنيفة.
ودانت الحكومة الفلسطينية إغلاق سلطات الاحتلال، بقيادة قائد شرطة الاحتلال في القدس، المسجد الأقصى أمام المصلين. وقال الناطق باسم الحكومة طارق رشماوي، إن "هذا الإجراء يتنافى مع كافة القيم والأخلاق الإنسانية، ويعد تجاوزاً خطيراً لكافة القوانين الدولية، وانتهاكا صارخا لقرارات المجتمع الدولي". وأضاف في بيان، "على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات فورية ورادعة، لوقف سلطات الاحتلال ومنعها من الاستمرار في ارتكاب المزيد من الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني ومقدساته الإسلامية والمسيحية". وتابع أن "القدس الشرقية ستبقى هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، وإن هذه الجرائم والممارسات التي تقدم عليها سلطات الاحتلال، لن تثنينا عن مواصلة كافة الجهود، وتسخير كل الإمكانيات من أجل تعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني على كافة الأراضي الفلسطينية، وتحديداً في مدينة القدس الشرقية، وصولاً إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".
ولطالما كانت اقتحامات الأقصى نقطة توتر كبير بين السلطة وإسرائيل، وكذلك المملكة الأردنية، التي تحذر والسلطة من خطط تقسيم محتملة. ويحذر الفلسطينيون والأردنيون من أن محاولة إسرائيل تغيير الأمر الواقع في المنطقة، سيجر إلى تصعيد كبير. لكن إسرائيل تقول: إنها لا تسعى إلى ذلك. وقال قاضي قضاة فلسطين، ومستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، محمود الهباش، إن إسرائيل باستمرار اقتحاماتها للأقصى تدق طبول الحرب الدينية. واستنكر الهباش الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى المبارك. وقال: إن "الاستمرار بهذه الاقتحامات بين الحين والآخر، وبمباركة من المستوى السياسي الإسرائيلي وبشكل علني، يلزم العالم بأن يقف عند مسؤولياته، وأن يتدخل بشكل جاد لوضع حد لهذه الانتهاكات، إن كان يرغب في تحقيق السلم في العالم، وخاصة في المنطقة".
وأضاف الهباش، أن إسرائيل بأفعالها هذه، تحاول أن تضع حدا نهائيا لعملية السلام، وتبرهن بما لا يدع مجالا للشك، أنها لا تريد السلام وأنه غيــر موجود في الأصل في أجندتها، كما أنها تدق طبول الحرب الدينية بإثارة المشاعر الدينية لدى مليار ونصف مليار مسلم في جميع أرجاء العالم».وأشار الهباش إلى أن المجموعات المتطرفة، المدعومة من قبل المستويين السياسي والأمني في إسرائيل، تستغل أي مناسبة أو حدث ديني أو سياسي، لتربطه بعملية الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى المبارك، في محاولة للتغطية على جرائمها بحق المسلمين والمقدسات الإسلامية في القدس، ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية المكفولة بالقانون الدولي، وتهيئة الأجواء لبسط التقسيم الزماني والمكاني على الحرم القدسي الشريف على غرار الحرم الإبراهيمي الشريف، مشددا على أن هذه المقدسات، هي تراث إسلامي فلسطيني خالص، ولا حق لغير المسلمين فيه، كما أكدت عليه قرارات اليونيسكو الأخيرة.
ودعا الهباش المجتمع الدولي والمنظمات والمؤسسات الحقوقية، إلى وقفة جادة تجاه هذه الاقتحامات والاعتداءات، مشددا في الوقت نفسه، على وجوب شد الرحال والتواجد الدائم في المسجد الأقصى، من خلال تكثيف زيارات العرب والمسلمين للقدس ومقدساتها، لإجبار الاحتلال على وقف مخططاته الساعية لتغيير الواقع الديموغرافي والديني في العاصمة الفلسطينية المقدسة.