دمشق - نور خوام
كيف يمكن وصف مجموعة من الرجال الذين يستعدون ليصبحوا انتحاريين في تنظيم "القاعدة" من دون اصدار حكم على أفعالهم؟ هذا هو السؤال الذي سأله الصحافي النرويغي، بول ريفسيدال لنفسه مراراً وتكراراً أثناء تصوير فيلم وثائقي جديد يهدف الى إظهار حياة هؤلاء الرجال.
سافر ريفسيدال الى سورية لتصوير الفيلم وتمكن من الوصول الى جماعة "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة". وصور فيلمًا يركز على أربعة مقاتلين ينتظرون الشهادة، ينتظرون أن يتم استدعاؤهم للقتال ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال ريفسيدال: "كان هدفي هو إظهار الجانب الآخر من الحرب وعدونا، إذا جاز التعبير". واضاف: "اقوم باجراء مقابلات مع متمردين منذ عام 1984، فإذا كان لدينا نفس المصالح فهم مقاتلون من أجل الحرية وإذا لم يكن كذلك فهم إرهابيون."
ويصر ريفسيدال على القول إنه لم يشعر بالخوف لأنه معتاد على التصوير في المناطق التي مزقتها الحروب مثل بورما والعراق والسلفادوروغواتيمالا، كما أنه في عام 2009 تم القبض عليه في افغانستان من قبل "طالبان" عندما كان يصور فيلماً وثائقياً هناك، وحينها تفاوض من أجل حياته واعتنق الإسلام كجزء من صفقة مع خاطفيه.
وعن تواصله مع تنظيم "القاعدة" من أجل تصوير الفيلم قال ريفسيدال: "كان علي الذهاب الى سورية عدة مرات، وطلبوا مني أن أكتب طلبا وأن أحضر سيرتي الذاتية و أشياء من هذا القبيل." واوضح أن أي صحفي يمكنه أن يطلب تصويرهم ولكن لن تتم الموافقة عليهم جميعاً.
وكان من إحدى النقاط القوية لريفسيدال خطاب وُجد على جهاز كمبيوتر أسامة بن لادن بعد وفاته يشيد فيه بالصحفي النرويجي اثناء عمله في أفغانستان.
والتقط ريفسيدال مشاهد دافئة ولكنها في الوقت نفسه يقشعر لها الأبدان، فهى تصور حديث الرجال عن أسرهم ولعبهم مع أطفال القرية التي تقع بالقرب من قاعدتهم، وفي اللحظة التالية يتحدثون عن قتل أنفسهم وغيرهم من أجل دخول الجنة. واشار الى أن وسائل الاعلام الغربية غالباً تقوم بالخلط بين الجهاديين الذين يرتكبون الأعمال الإرهابية مثل الهجوم على مسرح "باتاكلان" في فرنسا والجنود الذين يقاتلون باسم الإسلام في الشرق الأوسط وغرب آسيا.
وقال ريفسيدال: "البلهاء الذين يقتلون الناس في حفل لموسيقى الروك أو في شوارع باريس ليسوا كائنات عادية التفكير، ولكن "جبهة النصرة" كان من الممكن أن تكون مثل أي منظمة متمردة أخرى إذا لم تكن تابعة لتنظيم القاعدة ".
في الأسبوع الماضي، أعلنت جبهة النصرة الانفصال الرسمي عن تنظيم القاعدة، واعادت تسمية نفسها بجبهة فتح الشام، ولكن يشير ريفسيدال الى أن قتالهم ضد النظام الذي قتل مئات الاف المدنيين لا يزال مستمراً. وقال: "انهم يقاتلون ضد اهداف عسكرية، ليس لدي مشاكل معهم بسبب ما يفعلونه طالما أنهم يهاجمون أهدافا عسكرية."
واضاف انه بالنسبة للعمليات الانتحارية فهو يعلم أن الانتحار حرام في الإسلام، مضيفاً أنه على الرغم من أن تحريم الانتحار ذُكر في القرآن الكريم، فإن الانتحاريين انفسهم غير مقتنغين بذلك.
وفي المشاهد الافتتاحية للفيلم، يفسر طالب الشهادة، أبو قسورة المكي كيفية تنفيذ الهجمات الانتحارية، ففي البداية يتم تحميل المتفجرات في شاحنات مدرعة ضخمة، وبعد ذلك يقودها إلى الأهداف العسكرية ويفجرها. وقال المكي "أنا اضغط على الزر، وبإذن الله يتم ارسالهم جميعاً الى الجحيم." وبعد بضعة مشاهد يظهر أبو قسورة المكي وهو يشاهد مقاطع لطفلته التي لم يلتق بها ابداً في المملكة العربية السعودية.
وقال ريفسيدال أن وجود رجل يشعر بنفس قدر الحب والمسؤولية لعائلته مثل أي رجل آخر يختار أن يقتل نفسه هو لأمر غير مفهوم على الاطلاق . ويعتقد ريفسيدال أن دوافع هؤلاء الرجال معقدة للغاية، فمن حديث أبو قسورة المكي جاء لديه انطباع أن والده هو الذي دفعه لذلك، ففي الإسلام إذا وصل أحد أعلى مستويات الجنة فسيكون حينها قادراً على جلب بعض أفراد عائلته معه.
وظهر في الفيلم أيضًا لوكاس كيني، والذي غير اسمه لأبو بصير البريطاني بعد اعتناقه الإسلام .واضاف ريفسيدال: "إن الاشخاص الذين يعتنقون الإسلام حريصون على اظهار أنهم يعرفون الدين فهم يقتبسوا من القرآن كثيراً في حين أن الاشخاص الذين ولدوا على دين الإسلام لا يفعلون هذا بنفس القدر، هذا يبدو لي وكأنهم يريدون إثبات انفسهم".
وبسؤاله عن شعوره إذا تم استدعاء أحد هؤلاء الرجل لتنفيذ مهمات انتحارية اثناء وجوده هناك، رد ريفسيدال قائلاً "كنت آمل دوماً عدم استدعائهم، لقد اعطيت رأيي لهم. لقد فشل أبو أبو قسورة عدة مرات ولذلك قلت له ربما هذه كانت رسالة تفيد بأن الله يريده أن يلتقي بابنته، كما أن أبو بصير كان لديه اعتقاد بأن زوجته حامل، فقلت له إذا كان يمكنه أن يجلب بعض أفراد أسرته الى الجنة، فلماذا لا يقوم بتكوين أسرة أولاً؟"