عدن ـ عبدالغني يحيى
باتت شوارع صنعاء، التي كانت في رمضان تعج بالباعة المتجولين وصانعي الحلويات والعصائر المخصصة لإفطار الصائمين، في أول أيام رمضان خالية على غير العادة، بسبب ضعف القدرة الشرائية للسكان، الذين يبدو أنهم أسقطوا من لائحة حاجاتهم كل السلع غير الضرورية، في الوقت الذي قال فيه سكان إن الميليشيات "اعتقلت" طقوس رمضان وازدحامه بقمع وتجويع السكان.
وسلبت الميليشيات الحوثية في صنعاء، والمناطق اليمنية الخاضعة لها، ملايين السكان فرحتهم المعتادة بحلول شهر رمضان، جراء أعمال القمع المستمرة بحق المعارضين، ورفع أسعار المشتقات النفطية، والتضييق على المساجد لوقف صلاة التراويح، فضلاً عن الغلاء المتصاعد في أسعار السلع الأساسية بسبب إجراءات الجماعة، والاستمرار في حرمان الموظفين من رواتبهم للشهر الـ19 على التوالي.
وقال شهود في حي مسيك، لـ"الشرق الأوسط" الواقع شرق العاصمة، إن الميليشيات الحوثية اقتحمت في أول أيام رمضان عدداً من المساجد عنوة، وأغلقوا مكبرات الصوت في أثناء صلاة التراويح، في حين تطورت الأمور في الأحياء الشمالية من صنعاء إلى قيام عناصر مسلحة من الجماعة بإغلاق المساجد، ومنع المصلين من أداء صلاة التراويح، كما حصل في مسجد "الأسطى"
وأبدى موظفون في صنعاء، تحدثوا إلى "الشرق الأوسط"، سخطهم من الوعود الحوثية الكاذبة بصرف نصف راتب، مؤكدين أن قادة الميليشيات غير مهتمين إلا بعناصرهم الطائفيين الذين يتلقون رواتبهم الشهرية بانتظام، سواء أولئك المعينين في وظائف عليا في المؤسسات الحكومية الخاضعة للجماعة، أو الموالين لها الذين يتسلمون رواتبهم عبر هيكلية خاصة، أنشأتها لهم خارج نظام الخدمة المدنية الذي يخضع له الموظفون.وفي الوقت الذي كان فيه نشاط الجمعيات الخيرية على أشده في مثل هذه الأيام، من أجل تقديم وجبات الإفطار للمحتاجين وللمارة أثناء وقت الإفطار، لم يعد لهم أثر، إذ أفاد لـ"الشرق الأوسط" عاملون في المجال الإنساني الطوعي بأن الميليشيات الحوثية حذرتهم من ممارسة أي أنشطة طوعية، أو إقامة أي برامج لتقديم المساعدات دون الحصول على إذن من جهاز الأمن القومي الخاضع لها.
وأكد العاملون أن أغلب المنظمات المحلية الطوعية المعروفة أوقفت أنشطتها بسبب المضايقات الحوثية، في الوقت الذي أصبحت فيه الساحة خالية إلا من المنظمات التي أنشأتها الجماعة أخيراً للاستيلاء على الدعم الإنساني والإغاثي المقدم من المنظمات الدولية.وفي مسعى جديد من الميليشيات الحوثية، أقرت هذا العام - طبقاً لتعميم اطلعت عليه "الشرق الأوسط" - رفع زكاة الأنفس بزيادة الثلث، فبدلاً من دفع 200 ريال (نصف دولار تقريباً)، كما هو معتاد، فرضت هذه السنة دفع 300 ريال على كل شخص، وشددت على عناصرها من أجل جباية هذه الأموال.وفي الوقت الذي كانت تضج فيه أجواء العاصمة صنعاء، ليلاً، بروحانية الشهر الكريم، عبر مكبرات الصوت من المساجد التي تنقل أداء صلاة التراويح، امتثل أئمة المساجد لتعليمات الميليشيات بوقف مكبرات الصوت، وتخصيصها فقط لبث خطب زعيم الجماعة ودروسه الطائفية، التي أعلنت المصادر الرسمية الحوثية أنها ستكون مستمرة في كل أيام رمضان.
وكانت الجماعة الحوثية قد استبقت دخول شهر الصيام بإصدار قانون غير شرعي، يفرض دفع الخمس على السكان من أموالهم ومن عائدات الثروة الطبيعية للبلاد لصالح زعيم الجماعة وسلالته، وذلك عبر إقرار إنشاء هيئة للزكاة تشرف على جباية هذه الأموال.ومع تصاعد حدة الفقر والفاقة في أوساط السكان، بات مشرفو الجماعة الحوثية يتنافسون على شراء العقارات والأراضي، والسطو على بعضها في صنعاء، بالتزامن مع تشييد العمارات والفلل الخاصة في مختلف أحياء العاصمة صنعاء.
وأفاد عدد من التجار في صنعاء لـ"الشرق الأوسط" بأن الميليشيات الحوثية فرضت عليهم دفع مبالغ جديدة، تحت اسم دعم الجهد الحربي، بخلاف رسوم الضرائب المضاعفة والإتاوات التي يتحصلها عناصر الميليشيات تحت تسميات مختلفة.وفي ظل الأحوال المعيشية المتردية لأغلب السكان، جراء نهب الحوثيين للموارد، وامتناعهم عن دفع الرواتب للموظفين، ضاعفت الجماعة حجم المعاناة مع مطلع رمضان، عبر فرض زيادة جديدة على أسعار الوقود، بما يعادل نصف دولار أميركي، لكل 20 لترًا.ومع تصاعد الهزائم التي تتلقاها الميليشيات في جبهات القتال، وإحجام السكان عن الاستجابة لدعوات التجنيد، شددت الجماعة من إجراءات الأمن ونشر عناصرها في الأحياء السكنية لمراقبة تصرفات المواطنين، في وقت أفاد فيه شهود بأن الجماعة صعدت من عمليات الاعتقال والاختطاف بحق من تشتبه في أنهم يقودون نشاطاً معارضًا لها، بمن فيهم الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبينما حالت الميليشيات دون إعادة تشغيل المحطات الكهربائية في صنعاء، وكل المناطق الخاضعة لها، قال موظفون في قطاع الكهرباء إنها فرضت رسومًا مرتفعة على ملاك المولدات الذين يبيعون الطاقة الكهربائية لأصحاب المحلات والمقتدرين من السكان، وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر الخدمة بنسبة 20 في المائة.ولم يحمل خطاب رئيس مجلس حكم الجماعة مهدي المشاط بمناسبة رمضان أي جديد، سوى الدعوة المكررة إلى دعم جبهات القتال بالمال والمجندين، والحديث المزعوم عن وجود "تأييد إلهي" للجماعة جعلها تصمد 3 سنوات في قتال اليمنيين، والإصرار على اختطاف الدولة ومؤسساتها.
وفي معرض استمرار الميليشيات في التمكين لأقارب زعيم الجماعة من السيطرة على المؤسسات والأجهزة الحكومية، أفادت مصادر أمنية مناهضة للجماعة في صنعاء بأن الجماعة أصدرت قراراً غير معلن بتعيين نجل مؤسسها علي حسين الحوثي وكيلاً لوزارة داخليتها لقطاع الأمن والشرطة، ومنحته رتبة لواء.وفي حين وعدت الميليشيات بصرف نصف راتب للموظفين في مناطق سيطرتها للتخفيف من حدة السخط المتصاعد ضدها، أكد موظفون في المؤسسات المدنية أنهم لم يستلموا أي شيء، وأن وعود الميليشيات لا تزال مجرد كلام في الهواء على حد قولهم.