برلين ـ جورج كرم
يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال زيارته إلى ألمانيا لكسر الجمود الذي يلف العلاقات بين أنقرة وبرلين وإعطائها دفعا جديدًا بخاصة بعد محاولة الانقلاب منذ نحو عامين.
ويأمل أردوغان تجديد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تواجه فيه تركيا أزمة اقتصادية ودبلوماسية مع الولايات المتحدة.
وكان من المفترض أن تهدف الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ألمانيا لمدة ثلاثة أيام إلى إصلاح العلاقات مع ألمانيا، في وقت تلوح فيه الأزمة الاقتصادية التركية في الأفق، لكن كان الرئيس التركي أكثر هجومية.
الاشارة الأخوانية
ويبدو أنَّ الرئيس أردوغان قد أطلق تحية جماعة الإخوان المسلمين، وهي الإشارة بأصابعه الأربعة في وسط برلين، كما طالب بتسليم 69 من المنفيين الأتراك في ألمانيا، من بينهم صحافيون، ومحامون يحققون في جرائم حكومة أردوغان، معرضون لخطر السجن في تركيا.
ولم تتأثر المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بطلبات أردوغان، حيث وقفت بكل حسم إلى جانب الرئيس التركي في مؤتمر صحافي في برلين يوم الجمعة، وأشارت إلى "الخلافات العميقة" بين البلدين فيما يتعلق بحرية الصحافة وحكم القانون.
اصرار ميركل
وأصرت ميركل على أن يطلق أردوغان سراح العديد من السجناء السياسيين المحتجزين في تركيا، بما في ذلك خمسة مواطنين ألمان.
وقالت ميركل "لقد حثيث على حل هذه القضايا بأسرع وقت ممكن"، بينما كان أردوغان يحدق أمامه، وفي مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية في بلاده منذ 15 عامًا، خفف الزعيم التركي من حدة لهجته المعادية للغرب في الأسابيع الأخيرة، ولكنه قبل عام واحد فقط، وصف الحكومة الألمانية بأنها "عدو تركيا"، واتهم المسؤولون الأتراك برلين بنشر تكتيكات النازية، كما وصفت الصحف التركية الشركات الألمانية بالجواسيس المتواجدين في تركيا".
وقال أردوغان "نريد أن نترك وراءنا كل المشاكل وأن نهيئ بيئة دافئة بين تركيا وألمانيا، تمامًا كما كانت عليه من قبل".
أردوغان يحتج على حضور صحافي
ومن بين الأسماء الواردة في قائمة تسليم المجرمين، والتي تم تقديمها إلى وزارة الخارجية في برلين يوم الأثنين، وفقا لصحيفة "ييني أكيت" التركية "كان دوندار" رئيس التحرير السابق لصحيفة "جمهوريت" التركية، حيث فر دوندار من تركيا في عام 2016 بعد إدانته بالخيانة والتجسس بسبب إبلاغه قبل عام عن أن الخدمة السرية التركية قد سلمت أسلحة لتنظيم "داعش" المتطرف، وبقيت زوجته في تركيا، ولا يُسمح لها بمغادرة البلاد.
وعندما أُبلغ أردوغان بأنَّ السيد دوندار خطط ليكون في المؤتمر الصحافي مع ميركل، هدد الرئيس التركي بإلغاء الأمر برمته، وفي النهاية، قال دوندار "إنَّه لن يذهب لضمان أن تتاح لزملائه فرصة طرح الأسئلة الاسترجاعية على السيد أردوغان".
وعندما سُئلت عما إذا كانت ميركل تعتبره ذلك استفزازًا، بوضع اسم السيد دوندار على قائمة التسليم، كانت المستشارة صريحة، وقالت "ليس سرًا أن هناك جدلًا في هذه القضية".
وفي الوقت نفسه، أكد الرئيس أردوغان أنَّ دوندار كان عميلًا، وقد نشر أسرارًا للدولة".
إخراج أحد المصوريين
وعلى الرغم من أنَّها لم تمنع انتقادها، إلّا أنَّ ميركل كانت غير مرتاحة بشكل واضح في اجتماعها مع أردوغان، ليس فقط بسبب الخلافات ولكن أيضًا لكونه ديكتاتور ناشئ وسط الديمقراطية الأوروبية.
وفي مرحلة ما خلال المؤتمر الصحافي، ظهر مصور في الصف الأمامي وهو يضع قميصه رسالة دعم للصحافيين المعتقلين في تركيا، أسرع رجال الأمن إلى الرجل ليخروجه من القاعة، بينما كان ينظر إليه أردوغان ويبتسم.
المصالح الاستراتيجية المشتركة
وشددت ميركل على أنَّ ألمانيا وتركيا، وكلاهما عضو في الناتو، لديهما العديد من المصالح الاستراتيجية المشتركة، وأعلنت عن اجتماع مع قادة فرنسا وتركيا وروسيا في تشرين الأول / أكتوبر؛ لمناقشة الوضع في سورية، ولا سيما معقل المتمردين في إدلب.
وقالت ميركل في المؤتمر الصحافي "لدينا الكثير من الأمور التي توحدنا"، مشيرة إلى مسائل الهجرة ومكافحة التطرف، وأعربت أيضًا عن أملها في أن تتوقف الاضطرابات الاقتصادية التركية.
أردوغان يثير الجدل
ويدخل الاقتصاد التركي في حالة سيئة، بعدما تعرضت الليرة لضغوط شديدة، حيث خسرت ما يقرب من 40% من قيمتها هذا العام، متأثرة بارتفاع التضخم وارتفاع الدين الخارجي، ومع انخفاض قيمة الليرة، سعت الشركات التركية جاهدة لتسديد الديون.
وإذا كان الرئيس التركي يتطلع إلى طمأنة الأسواق المالية، وتحسين العلاقات التجارية والسعي إلى الحصول على الدعم السياسي، فقد ذهب إلى هذا الأمر بطريقة سيئة، بخاصة مع رفعه علامة جماعة الإخوان المسلمين وسط برلين.
وفي السياق ذاته، قال جيم اوزدمير في مقابلة مع صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ "لا ينوي أردوغان تغيير مواقفه على الرغم من محاولته استخدام السحر في هجومه داخل ألمانيا".
ويذكر أنَّ النهج الدبلوماسي للرئيس أردوغان برحلته إلى اليونان في الشتاء الماضي، فقبل وصوله إلى أثينا اقترح إعادة ترسيم الحدود.
احتجاج ضد الزيارة
ويستضيف الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، أردوغان، والذي خرج آلاف المتظاهرين، ومن بينهم كثيرون من أصل تركي، إلى شوارع برلين بالقرب من فندقه بعد ظهر يوم الجمعة، احتجاجَا على زيارته، وكتب على إحدى اللافتات التي حملتها امرأة كردية واقفة بالقرب من بوابة براندنبورغ "أردوغان أنت ليس قائدَا، أنت ديكتاتور".
ومن المقرر تنظيم المزيد من الاحتجاجات يوم السبت، في كولونيا، حيث من المقرر أن يفتتح أردوغان مسجدًا مركزيًا جديدًا لإحدى أكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا.
وقال عدد من المشرعين الألمان "إنَّهم سينضمون إلى الاحتجاجات بدلًا من حضور مأدبة رسمية مساء الجمعة".
وقال بيجان جير ساراي رئيس السياسة الخارجية في حزب الديمقراطيين الأحرار "إنَّه لا يستطيع تناول الطعام مع أردوغان بينما يجلس المواطنون الألمان في السجون التركية".
ودافعت ميركل عن قرار استضافة أردوغان في ألمانيا، قائلة "لا يمكننا حل خلافتنا إلّا إذا تحدثنا مع بعضنا البعض"، ورغم ذلك ستغيب عن عشاء الدولة ليلة الجمعة.