واشنطن - يوسف مكي
جاء التعليق الأكثر خبرة على قمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ونظيره الكوري الشمالي، كيم يونغ أون، من لاعب كرة السلة السابق، دينيس رودمان، فعلى خلاف المحللين الآخرين، التقى رودمان مع كيم، وأمضى المزيد من الوقت في التحدث مع الزعيم الكوري الشمالي أكثر من أي شخص آخر في العالم الغربي، فتقريبًا ما يفعله كل المحللين مجرد تخمين.
تمجيد جنون عظمة كيم يأتي بنتائج إيجابية
ومن وجهة نظر رودمان، يرى أن كيم كان طفلًا كبيرًا، يرغب بالاستمتاع في حياته، ويزور الولايات المتحدة، وحين حافظ رودمان على وعده بإحضار فريق كرة السلة إلى كوريا الشمالية، قال له كيم "هذه المرة الأولى التي يلتزم بها أحد لي ولبلادي"، حيث قال رودمان في مقابلة لشبكة سي إن إن "إذا عامل العالم كيم بهذه الطريقة، سيفتح له الباب".
واتبع ترامب مدرسة رودمان للدبلوماسية، وتصرف تجاه كوريا مثل العم المهموم، حين كان في سنغافورة، حيث تبنى ترامب لغة كورية شمالية ضبابية حول نزع السلاح النووي، والتخلي عن الشروط الأكثر دقة لتحديد الأسلحة الأميركية، ودافع عن كيم بشأن الاتهامات الموجه إليه الخاصة بانتهاك حقوق الإنسان، وقدم له هدية أحادية الجانب وهي تعليق التدريبات العسكرية الأميركية في كوريا الجنوبية.
وفي هذا السياق، أكدت سوزان ديماغيو، زميلة بارزة في مركز أبحاث أميركا الجديدة، التي أجرت اتصالات مع مسؤولين من كوريا الشمالية "بيان القمة كبير ومبالغ فيه، ومن ناحية أخرى قصيرة فيما يخص المحتوى، وكأنه مكتوب من قبل فريق التفاوض في كوريا الشمالية.".
النفاق جزء من شخصية ترامب
لو فعل الرئيس السابق باراك أوباما أو أي رئيس أميركي آخر، لأطلق ترامب صيحات السخرية عليه، ولكن النفاق ليس عيبًا في شخصية ترامب لأنها خاصية مميزة، فالأفعال التي يدينها تصبح مثيرة للإعجاب عندما يفعلها بنفسه.
وقال ترامب، يوم الجمعة "وقعت اتفاقًا نحصل فيه على كل شيء، كل شيء"، ولكن في مواجهة اشمئزاز واسع النطاق لاستسلام ترامب لكيم، لفت الرئيس الأميركي إلى أن ذلك كان ثمنًا للحفاظ على سلامة الأميركيين، ووجه كلمته لأحد المراسلين قائلًا "تعرف لماذا، لأنني لا أريدك أن تُقتل بالنووي"، مشيرًا إلى أن الفضل يعود إليه في نزع فتيل الأزمات التي ساعد في تكوينها، خاصة وبعدما أهان وهدد بتمدير كوريا الشمالية بالكامل في العام الماضي.
وفي الحقيقة، تعود المواجهة مع كوريا الشمالية إلى عقود من الزمان، وكان كلا الجانبان ينسحب قبل وقت قصير من عقد القمة، وحدث ذلك خلال فترات دبلوماسية سابقة.
ترامب يتنازل لصالح كيم
ولم تقوم كوريا الشمالية بأي تجارب نووية طويلة المدى لمدة ثمانية أشهر، ومقابل ذلك، زعم ترامب أنه أوقف التدريبات العسكرية من جانب واحد لأسباب تتعلق بالميزانية، ولكن هذه الخطوة تزيل أيضًا نقطة اشتعال.
ومن المفترض أن يلتقي وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، مع نظرائه الكوريين الشماليين في الأسبوع القادم، ويجب أن يكون واضحًا بشأن وعد كيم بتفكيك ترسانته النووية.
احتمالات بمراوغة كوريا الشمالية
ومن جانبه، قال روبرت كارلين، ضابط سابق في وكالة المخابرات الأميركية، شارك في مفاوضات سابقة مع الكوريين الشماليين، إن بيونغ يانغ ربما تتخلى تمامًا عن برنامجها للصواريخ البالستية العابرة للقارات، وربما تغلق كوريا الشمالية منشآتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم، أو تضعهم تحت المراقبة، وفي هذا السيناريو، سيتم تأجيل نزع السلاح النووي الرئيسي، الذي هو في الواقع تفكيك الأسلحة، وسيشمل ذلك موافقة بيونغ يانغ على وصول مفتشي الأسلحة الدوليين للتحقق من ذلك، ولن يتخلى النظام إلا عن الأسلحة التي يعتبرها الآن ضمانة لبقائه، وسيتخلى عن باقي الأسلحة حين يثق أنه لن يتم مهاجمته، وربما يستغرق ذلك وقتًا طويلًا، قد يصل إلى 10 أعوام.
ويعد هذا النهج التدريجي المرحلي في نزع السلاح النووي الكوري الشمالي، محفوفًا بالمخاطر بالنسبة للعديد من دعاه الحد من التسليح، حيث يقولون إن المفاوضات مع كوريا الشمالية لا تهدف بشكل مباشر إلى التفكيك السريع لبرنامجها النووي ولكن على العكس يعطيه نوعًا من الشرعية، ويرسل رسالة خاطئة إلى الأنظمة الأخرى التي تتبنى فكرة بناء قنابلها الخاصة.
وقالت ميليسا هانهام، كبيرة الباحثين في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية في مونتيري" يضفي ترامب شرعية على ديكتاتور وحشي، إنه يوم حزين بالنسبة للدبلوماسية والحد من التسليح"، وبالنسبة لدعاة الحد من التسليح، كان البيان المشترك في سنغافورة فارغًا، وأقل صرامة من التصريح المشترك المماثل في عام 2005، والذي تضمن تعهد كوريا الشمالية الغامض بنزع السلاح النووي كاملًا.
اتفاق ترامب مع كيم يخلو من الدقة
ولم يذكر البيان أي جدول زمني يهدف إلى تحقيق ذلك، وهذه هي الأشياء التي أصرت عليها إدارة ترامب في الفترة التي سبقت القمة، والتي طلبتها من كيم، ويخلو الاتفاق الذي توصل إليه ترامب من الدقة والمضمون، على عكس صفقة الرئيس باراك أوباما مع إيران، ولكن ترامب ووزير خارجيته ملتزمان بالحفاظ على النجاح الشكلي، على الأقل حتى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
وتلتزم الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بمزيد من الاجتماعات خلال تلك الفترة، وستكون فرصة لكيم لتقديم تنازلات من جانب واحد، مثل تخفيض برنامج الصواريخ، وإذا كان رودمان على حق فيما يتعلق بالتعامل مع جنون العظمة هو مفتاح التعامل مع كيم ليفتح الباب، ربما يؤدي ذلك إلى حلقة نزيهة من نزع السلاح، وإذا كان مخطئًا، سيكون من الصعب جدًا أو من المستحيل استئناف الضغط الذي سبق عقد القمة على بيونغ يانغ، وفي غياب التجارب النووية، لن تدعم الصين أو كوريا الجنوبية أو روسيا، العودة إلى العزلة، وسيضطر الأميركيين للتعايش مع البرنامج النووي لكوريا الشمالية.