إعادة إعمار غزة

يسعى مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط روبرت سيري، إلى نشر مئات المفتشين الدوليين لمراقبة عملية إعمار غزة في أعقاب الدمار الهائل الذي خلفه العدوان الإسرائيلي.

 

ونقلت صحيفة "هآرتس"، الاثنين عن دبلوماسيين أوروبيّين أن "سيري يسعى إلى إحضار ما بين 250 إلى 500 مفتش من طرف الأمم المتحدة"، فيما أكّد موظف إسرائيلي أن "50 مفتشًا تابعًا للأمم المتحدة يتواجدون في رام الله، وجاهزون للتوجه إلى غزة للمشاركة في مراقبة عملية الإعمار، وأن سيري معني بأن يحضر لاحقًا مفتشين آخرين كلما تقدمت عملية الإعمار واتسعت".

 

وأضافت الصحيفة أن "خطة سيري تقضي بانتشار مفتشي الأمم المتحدة في مواقع بناء المشاريع الكبرى، مثل إعادة بناء أحياء أو مبان عامة كبرى سيجري ترميمها، كما أنهم سيراقبون مواقع يتم تخزين فيها مواد بناء، مثل الأسمنت والباطون ومواد مثل الأنابيب الفولاذية أو قضبان حديدية، والمواقع التي ستتوقف فيها الجرافات والمعدات الهندسية الأخرى".

 

وأوضح الدبلوماسيون الأوروبيون والموظفون الإسرائيليون أن "مهمة المفتشين الدوليين ستكون التأكد من أن مواد البناء والمعدات الهندسية تستخدم لغرض الإعمار فقط لا غير، وألا تصل أيدي حركة حماس لغرض حفر أنفاق أو بناء ملاجئ منيعة".

 

وأبرزت الصحيفة أن "موقف حماس حيال هؤلاء المفتشين ليس واضحًا وأن الحركة ليست معنية بدخول جهات من شأنها تقييد نشاطها في غزة، لكن من الجهة الأخرى، تدرك حماس أنه دون دخول المفتشين إلى غزة فإن إسرائيل لن تسمح بتنفيذ أعمال الإعمار".

 

ويتوقع أن تكون هذه القضية مطروحة في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في القاهرة، المزمع بدئها الأربعاء.

 

وأضافت الصحيفة أن "نشر المراقبين الدوليين هو جزء من تفاهمات توصل إليها سيري خلال محادثات مع منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (أي رئيس إدارة الاحتلال) يوءاف مردخاي، ومع رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله، في شأن إعمار غزة".

 

وكشفت أنّه "شملت هذه التفاهمات موافقة إسرائيلية على إدخال مواد بناء بكميات كبيرة إلى القطاع مقابل نظام مراقبة دولي، وأن تتم خطط الإعمار كافة عبر السلطة الفلسطينية وأن تصل كل أموال الدول المانحة إلى السلطة، والإشراف على وصول مواد البناء إلى المشاريع التي تم تحديدها".

 

في المقابل، أكّد ممثلو منظمات أهلية ومؤسسات القطاع الخاص تمسكهم بإنهاء الحصار، كليًا، وفتح كل المعابر أمام البضائع، لاسيما مواد الإعمار، دون شرط أو قيد.

 

جاء ذلك خلال ورشة العمل التي نظمتها شبكة المنظمات الأهلية، تحت عنوان "شركاء من أجل إعادة إعمار قطاع غزة"، وذلك ضمن مشروع "تعزيز الشراكة بين قطاعات المجتمع المدني"، الذي تنفذه الشبكة بالشراكة مع مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية.

 

وطالب المشاركون في الورشة بـ"تشكيل هيئة وطنية لإعادة إعمار قطاع غزة"، مشدّدين على "ضرورة تضافر وتكاتف الجهود للإسراع في بدء الإإعمار، وإيواء الأسر التي فقدت منازلها جراء العدوان الإسرائيلي".

 

وأبرز مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا أن "هذه الورشة تأتي ضمن رؤية شبكة المنظمات لتعزيز الشراكة مع مختلف قطاعات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص والمجالس المحلية والجامعات، حيث يأتي تنظيم هذه الورشة قبل أيام قليلة من انعقاد المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وقبل أسبوعين تقريبًا من انعقاد مؤتمر المانحين لإعادة إعمار قطاع غزّة".

 

وشدّد الشوا على "ضرورة رفع صوت الضحايا ومطالبهم العادلة وتبني حقوقهم القائمة على تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، لاسيما إعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي"، داعيًا إلى "تشكيل هيئة وطنية فلسطينية تضم في عضويتها مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني، ممثلين عن الوزارات المختصة والمجالس المحلية والمنظمات الأهلية ومؤسسات القطاع الخاص وبعض الكفاءات وممثلي عن المتضررين، تقوم على وضع خطة إعادة إعمار قطاع غزة ضمن رؤية شمولية متكاملة وتعمل على التخطيط والإشراف والرقابة على العملية في إطار من الشفافية والمصارحة على أن يكون مقرها قطاع غزة، وأن يرأسها وزير مفوّض".

 

وبدوره، أشار مدير مؤسسة "فريدريش آيبرت" الألمانية إلى أن "نجاح وتطور أي مجتمع يعتمد على تضافر الجهود بين شرائح المجتمع كافة، ونحن نعيش في غزة في حالة تحد ضخمة، بعد العدوان الإسرائيلي، الذي استهدف الإنسان والحجر والشجر وكل مرافق الحياة".

 

ونوّه عنتر إلى "ضرورة النظر للمستقبل وسبل مواجهة هذا التحدي الذي يهدد ليس فقط الاستقرار في قطاع غزة وإنما يهدد الوجود الحقيقي للإنسان الفلسطيني على أرضه في ضوء تردي الأوضاع المعيشية، لاسيما الاقتصادية والاجتماعية ناهيك عن فقدان الأمل من الأفق السياسي".

 

وتناول عضو الهيئة الإدارية في شبكة المنظمات الأهلية تيسير محسين رؤية الشبكة تجاه إعادة الإعمار، موضحًا أن "العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة لم يخلف كارثة إنسانية غير مسبوقة في حجمها ونطاقها وشدتها فحسب، وإنما أفضى إلى حالة انعدام يقين سياسي وإحساس تام بالعوز والعجز معًا".

 

وشدّد على "ضرورة توفير المأوى الكريم والمناسب لحوالي 100 ألف من المواطنين الذين دمر العدوان منازلهم، وتوفير الحد المناسب للأمن الغذائي ومصادر المياه للشرب والاستعمال اليومي".

 

وأكّد محيسن "ضرورة أن تكون خطة إعادة إعمار قطاع غزة ضمن رؤية شمولية متكاملة، وفي إطار من الشفافية والمصارحة، وأن تتضمن تأهيل القطاع الزراعي بما فيه قطاع الصيد والحفاظ على البيئة والمناطق الخضراء في قطاع غزة وإيجاد أفضل السبل للتخلص من الركام والتركيز على قطاع المياه وإنشاء مشاريع مائية تأخذ بعين الاعتبار الحق في الوصول إلى مصادر المياه الفلسطينية وكذلك الإسراع في معالجة أزمة الكهرباء ومحطة التوليد".

 

وأبرز محيسن "ضرورة مشاركة ممثلي المجتمع الفلسطيني من منظمات أهلية والقطاع الخاص وهيئات مختصة في مؤتمر إعادة إعمار غزة المزمع عقده في القاهرة".

 

ومن جهته، استعرض رئيس جمعية رجال الأعمال في قطاع غزة علي الحايك التحديات التي تواجه قطاع الصناعات، وما تعرضت له من تدمير خلال الحرب الأخيرة، مؤكّدًا أن "قطاع الصناعات يحتاج إلى إعادة إعمار، ونحن بحاجة إلى آلاف الشاحنات من جميع المواد، فيما تمنع إسرائيل مواد البناء لإعادة إعمار قطاع غزة".

 

وأشار الحايك إلى أن "هذه الحرب تختلف عن الحروب السابقة، وهي الأكثر صعوبة على الصناعات والقطاع الخاص، وهدف الاحتلال من ذلك هو تحويل غزة إلى بلد مستورد، بعد أن وصل قطاع غزة في الأعوام الأخيرة إلى الاكتفاء الذاتي، لاسيما في الكثير من المنتجات الزراعية والصناعية".

 

وأوضح الحايك أن "تدمير الاحتلال لهذه المصانع أدى إلى انضمام أكثر من 10 آلاف عامل إلى صفوف المعطلين عن العمل"، مطالبًا المسؤولين بـ"تكثيف الجهود لإعادة إعمار قطاع غزة، وفتح المعابر وإدخال جميع مواد البناء".

 

ومن جهته تحدث رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين نبيل أبو معيلق عن التحديات التي تواجه قطاع المقاولات، وأهمية هذا القطاع بالنسبة للاقتصاد الوطني ورؤية الاتحاد لإعادة الإعمار.

 

وأشار أبو معيلق إلى أنَّ "الحرب والتدمير للمنشأت والبنية التحتية كان همجيًا، ويعتمد التدمير الهائل للمساكن والمنشأت المدنية والصناعية والتعليمية، وكذلك البنية التحتية، عدا عن تجريف الأراضي الزراعية، وتدمير الآليات وغيرها".

 

وبيّن أبو معيلق أنَّ "الإحصاءات الأولية للمساكن التي دمرت كانت 9000 وحدة سكنية تدمير كلي، و8000 جزئي لا يصلح للسكن، و43000 تدمير جزئي" مشيرًا إلى أنَّ "مئات المنشأت الصناعية والوزارات والمساجد دمرت بشكل كلي أو جزئي، الأمر الذي يتطلب جهدًا وطنيًا ودعمًا دوليًا كبيرًا لإعادة إعمار ما دمره العدوان الغاشم".

 

وأضاف "التحديات التي تواجه قطاع الإنشاءات تتمثل في تدمير جزء كبير من المصانع الإنشائية كليًا وجزئيًا، وضعف أسطول الآليات والمعدات المتوفرة من حيث الكم والجودة، بسبب الحصار والحروب، وغياب الخطة الوطنية لإعادة الإعمار وعدم وضوح المرجعيات وضعف التوجهات الاستثمارية في قطاع الانشاءات كنتيجة طبيعية من الحرب وعدم الاستقرار في المنطقة".

 

وفي شأن رؤية اتحاد المقاولين لإعادة الإعمار، بيّن أنَّ "الرؤية تكمن في معالجة التحديات التي تواجه قطاع الإنشاءات وإزالة أي معوقات أمام تنفيذ برامج الإعمار، وذلك بإعادة إنشاء المصانع الإنشائية قبل الشروع في الإعمار، وتوريد الآليات والمعدات اللازمة، من حيث الكم والنوع، وفتح شامل للمعابر، بما فيها صوفا وكارني لتلبية احتياجات السوق دون أية رقابة أو شروط، كما كان الأمر قبل عام 2006، أي رفع الحصار دون قيد أو شرط".

 

وطالب بتشكيل هيئة لإعادة إعمار غزة، والتخطيط الشامل لإعادة الإعمار وربطة مع خطة التنمية الشاملة، وفتح المعابر أمام البضائع وفي مقدمتها مواد البناء بما يضمن إعادة الإعمار في الوقت المناسب.