العمال المهاجرون يشاهدون التلفاز داخل معسكر العمل في قطر

واجهت اثنان من أكبر الشركات البريطانية العاملة في مجال الإنشاءات، وهي بلفور بيتي، وإنترسيرف، اتهامات بانتهاك حقوق العمال المهاجرين والعاملين في المشاريع واسعة النطاق التي تديرها الشركتان في قطـر، ووجهت منظمة العفو الدولية الشهر الماضي انتقاداتها بالاستغلال القسري للعاملين في بناء الملاعب والمواقع السياحية من أجل كأس العالم 2018، كما هدَّدت منظمة العمل الدولية، الشهر الماضي، السلطات القطرية بإجراء تحقيق رسمي في استغلال العمال حال عدم انتهاء الظاهرة خلال 12 شهراً.

وزعم العمال في مواقع العمل التي تديرها "بي كيه غلف" المملوكة من قِبل بلفور بيتي وكذلك شركة الخليج للمقاولات "جي.سي.سي" المملوكة لشركة إنترسيرف بأنهم تعرضوا للاستغلال وسوء المعاملة من جانب شركات توريد العمالة المعيّنين من قِبل شركات الإنشاءات في مواقع العمل في الدوحة.

ومن بين الانتهاكات المزعومة عدم الانتظام في منح الأجور أو خفضها، ومصادرة جوازات السفر، ومستويات عالية من الاستعباد فضلاً عن منح أجور أقل من تلك المتفق عليها أثناء وجودهم في بلادهم، كما تحدث العمال عن ثقافة الترهيب والتهديد بالاعتقال أو الترحيل حال الخروج عن القواعد المعمول بها.

وتحدثت صحيفة "غارديان" البريطانية مع أكثر من عشرات المهاجرين، والذين طلبوا جميعهم عدم الكشف عن هويتهم بسبب المخاوف من فقدان عملهم، وقال أحد العمال لدى شركة للتوريد ولكن يعمل لصالح شركة الخليج للمقاولات، التي تملك فيها شركة إنترسيرف حصة بنسبة 49%، إنه طلب مراراً من صاحب العمل تركه يغادر قطر بعد خفض راتبه بنسبة 20%، إلا أنه تم إجباره على البقاء، وإثر ذلك، فقد اتجه إلى المدير وقال له إنه سيعطيه أموال تذاكر السفر طالباً منه إرساله إلى بلاده، ولكن كان رده أنه لن يتركه يذهب حتى انتهاء مدة عقده.

أما العاملين لصالح "بي كيه غلف" في متحف قطر الوطني والذين تم تعيينهم من قِبل شركات توريد العمالة، فقد قالوا إنهم يحصلون على رواتب أقل بكثير من تلك التي اتفقوا عليها حينما كانوا في نيبال، وزعم بعضهم أن الراتب الأساسي كان فقط 135 جنيهاً إسترليني في الشهر، في حين ذكروا أنه يتم خفض راتبهم حال غيابهم عن العمل بسبب المرض، إضافة إلى كونهم بحاجة إلى دفع الرسوم الطبية الخاصة بهم والتي تتعدى 20 جنيهاً إسترليني.

وأوضح أحد العاملين من النيبال أن أصحاب العمل امتنعوا عن تسليم راتب أول شهرين، وأنه عندما وصل إلى قطر، فقد تم إخباره من قبل الوكيل حصوله على نحو 1,700 ريال أي 330 جنيهاً إسترليني، في الشهر، مع وجود زيادة في الراتب نظير أوقات العمل الإضافية، وأشار إلي أنه حال علمه بحصوله فقط على 800 ريال و200 ريال بديل لوجبات الطعام، فإنه لم يكن ليوافق حينها على العمل.

وأشاد العمال لدى "بي كيه غلف" في المتحف الوطني بإدراة الأمن في الموقع، بينما أعرب اثنان ممن يعملون بشكل مباشر لصالح شركة الخليج للمقاولات في مشروع بناء برج يضم مكاتب في مدينة لوسيل عن سعادتهم بالظروف داخل موقع العمل، وتعد هذه الادعاءات بممارسة الانتهاكات على نطاق واسع واستغلال العمال المهاجرين في قطر ودول الخليج دلالة على عدم اتخاذ الشركة البريطانية الاحتياطات اللازمة لضمان عدم وجود انتهاكات للعمال في مثل هذه المواقع.

وقال أستاذ الهجرة وحقوق الإنسان والأخلاق في مركز بحوث الشريعة الإسلامية والأخلاق في قطر، راي جريديني، إن هذه الشركات التي تستخدم عقود العمال مع شركات توريد العمالة فقط لا تنظر إلى أحوال العمال من حيث عدد المتعاقد معهم والرواتب التي يحصلون عليها، فضلاً عن عدم متابعتها مجريات العمل داخل هذه الشركات لتوريد العمالة.

وأطلقت السلطات القطرية مبادرة لتحسين ظروف العمال المهاجرين، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحسين السكن الخاص بهم، مثل بناء مدينة العمل الرئيسية خارج العاصمة، ومع ذلك، لا يزال بعض العمال لدى "بي كيه غلف" وشركة الخليج للمقاولات يعيشون في ظروف مزرية في مخيمات في الصحراء، حيث غرف من دون نوافذ تستوعب ثمانية عمال يمارسون فيها حياتهم، في ما يدعي الرجال الذين يعملون لصالح "جي.سي.سي" أن ما يقرب من 13 رجلًا ينامون في غرفة واحدة.

وتنص لوائح العمل القطرية على ضرورة ألا يكون هناك أكثر من أربعة عمال داخل الغرفة الواحدة في الوحدات السكنية، مع إتاحة مساحة أربعة أمتار على الأقل لهؤلاء العمال، إلا أن العمال يبدون شكوتهم من عدم وجود خزانات لحفظ ملابسهم، فضلاً عن توفير الماء لمدة خمس دقائق في الصباح وساعة واحدة في الليل،  بحسب ما يقول أحد العمال والذي يقيم على مقربة من ذلك المعسكر.

ولم تتردد الشركات البريطانية في الانضمام لطفرة البناء في قطر، والتي تقدر بنحو 220 بليون دولار (155 بليون جنيه إسترليني) مع استعداد البلاد لاستضافة منافسات كأس العالم، وتلتزم غالبية شركات المقاولات الأجنبية بالعمل في شراكة مع إحدى الشركات المحلية التي تمتلك 51% من حجم الأعمال، والتي تقوم بدورها باستقدام العمال من خلال شركات توريد العمالة، وتتطلب "بي كيه غلف" من جميع شركات توريد العمالة والمقاولين من الباطن بالعمل وفقاً للاشتراطات المحددة بشأن ظروف العمل، فضلاً عن مراقبتها ما يجري في مواقع العمل؛ لضمان عدم الإخلال بهذه المتطلبات.

وأوضحت إنترسيرف أنها ملتزمة بتقديم الدعم وتوفير الحماية والرعاية الصحية للموظفين لديها وأولئك الذين يعملون كجزء من شركات توريد العمالة، مؤكدة أنها تأخذ هذه الادعاءات على محمل الجد وستجري تحقيقاتها للوقوف على ما إذا كانت هناك تدابير تصحيحية لابد من اتخاذها أم لا.

 وأنكرت كلا الشركتين القيام بمصادرة جوازات السفر في سبيل تقييد حركة العمال، وإنما عرضت عليهم الإبقاء عليها بإذن منهم، وقال جيل ويلز وهو مستشار للسياسات مع مبادرة الشفافية في قطاع البناء والمهندسين ضد الفقر إن هناك مخاطر كبيرة تتعلق بشركات البناء التي تقوم باستخدام سماسرة العمالة المحلية إلى مصدر القوى العاملة، مشيراً إلى أن شركات توريد العمالة التي تستخدمها الشركات الكبري تعاني من نقص في رأس المال.

وتتعرض شركات الإنشاءات لضغوط متزايدة من أجل النظر في حقوق العمال في قطر، حيث وجهت منظمة العفو الدولية الشهر الماضي انتقاداتها بالاستغلال والعمل القسري للعمال المهاجرين العاملين في بناء الملاعب والمواقع السياحية من أجل كأس العالم 2018، كما منحت منظمة العمل الدولية في الأمم المتحدة الشهر الماضي قطر فرصة لإنهاء استغلال العمال خلال 12 شهراً وإلا كان هناك تحقيق رسمي.

وفي مطلع نيسان/أبريل الماضي، دخل بند في قانون العبودية الحديثة في بريطانيا حيز التنفيذ والذي يتطلب من الشركات البريطانية الكبرى البدء في إصدار البيانات العامة التي تحدد الإجراءات المتبعة لضمان عدم ممارسة شركات توريد العمالة للاستعباد، ونجحت شركة الخليج للمقاولات التي تملك فيها إنترسيرف حصة بنسبة 49% في الفوز بالعقد الأساسي لبناء المركز التجاري الضخم "دوحة فيستيفال سيتي"، شمال العاصمة، وتقدر قيمة الاستثمارات فيه بـ325 مليون جنيها إسترليني.

وخلال الصيف الماضي، قامت شركة توريد العمالة بخفض الأجر الأساسي للكثير من العاملين لديها من 1,100 ريال عن كل شهر إلى 900 ريال، وذكر أحد العاملين ويدعى راجان، أن غالبية العمال الذين تم الاقتصاص من رواتبهم عادوا إلى نيبال ، إلا أنه وصديق له بقيا في قطر، وأكد أنه قام بتقديم خطابين للاستقالة، فضلاً عن عرض دفع قيمة تذكرة الطيران للعودة إلى بلاده ولكن طلبه قوبل بالرفض، مشيراً إلي أنه لا يشعر بالراحة وأبلغ مديره برغبته في الرحيل، إلا أن الأخير قال له إنه لا يوجد عمال بشكل كافي مما يلزم استمراره لمدة شهرين ومن ثم يمكنه بعدها الذهاب.

وقال أحد العمال، والذي تعاقدت معه شركة توريد العمالة ذاتها، ولكن ليس في موقع شركة الخليج للمقاولات، إنه تم إيداعه السجن ثم ترحيله في أعقاب الخلاف الذي نشب بينه وبين صاحب العمل بشأن الراتب، وبموجب نظام الكفيل في قطر، فإنه لا يمكن للعمال ترك العمل أو البلاد من دون إذن الكفيل.

ووعدت السلطات بإصلاح بعض جوانب ذلك النظام، ولكن هذه التغييرات واجهت انتقادات على نطاق واسع بأنها غير كافية، وليس من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ حتى كانون الأول / ديسمبر المقبل، وذكر راجان أن مصادرة جواز السفر من جانب صاحب العمل يعتبر عملًا غير قانوني بموجب القانون القطري، أن السلطات وفي سبيل تطبيقها لإصلاحات عمالية، فقد زادت الغرامة على الشركات حال مصادرة جواز السفر إلى 25,000 ريال.