غزة – محمد حبيب
يختلف عيد الفطر، هذا العام، عن العام السابق، بالنسبة إلى سكان قطاع غزة الذين لم يحتفلوا بعيد الفطر الماضي، بسبب العدوان الذي شنه الاحتلال "الاسرائيلي" في مثل هذا الوقت من العام الماضي واستمر 51 يومًا، حيث خطف فرحة الصغار بالعيد، وشتت شمل العائلات التي كانت تجتمع لصناعة الكعك ومائدة واحدة صباح عيد الفطر المبارك، وكانت غزة وقتها، تنتظر انتهاء العدوان كي تفرح بحلول العيد؛ لكن مع كل يوم، كان القصف يزداد، وعدد الشهداء يرتفع؛ لتتبدد تلك الاحتمالات.
ومع إعلان الهدنة في أول أيام عيد الفطر 28-7-2014، خرج الأطفال يلعبون على الأراجيح كعادتهم في استقبال الأعياد، فيما خرج بعض الأهالي للاطمئنان على أقاربهم وذويهم؛ لكن فرحة الغزيين دائما ناقصة، فطائرات الاحتلال فاجأت الموطنين بقصف أراجيح الأطفال التي كانوا يلهون عليها في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، وحصيلة هذا الخرق الواضح للتهدئة كان استشهاد 10 أطفال عصر أول يوم من أيام العيد، وإصابة آخرين بجروح مختلفة، فيما كانت الدماء تلتصق بالأُرجوحة وأخرى على الأرض.
فضلًا عن ذلك فإن الطيران الحربي "الإسرائيلي" استهدف خلال العيد مبنى العيادات الخارجية في مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، الأمر الذي تسبب بإصابة خمسة مواطنين بجروح متفاوتة، واستشهد 13 مواطنا، وأصيب عدد آخر في قصف مدفعي عنيف تعرض له محيط المسجد العمري في بلدة جباليا شمال القطاع، ما رفع حصيلة عدد الشهداء الذين ارتقوا خلال اليومين الأول والثاني من أيام العيد إلى 195 شهيدا ونحو 550 جريحا بحسب إحصاءات وزارة "الصحة".
كما مزقت صواريخ الاحتلال فساتين العيد وملابس الأطفال، التي ملأت الدنيا صراخا من جراحهم الغائرة، فيما الآن، بعد عام ينعمون بالشفاء وينتظرون حلول العيد على أحر من الجمر؛ لكن وفي الوجه الأخر من المشهد، فإن لسان حال البعض بـ"أي حال جاء العيد"، خصوصًا لدى بعض الأطفال الذين فقدوا عوائلهم والأمهات التي تفطرت قلوبهن على فلذات أكبادهن، فيما لا يزال يرقد آخرين على أسرة المرض تلونت بدمائهم بفعل آلة الحرب "الإسرائيلية".
وطقوس العيد الماضي كانت مؤلمة على غير عادتها، فلم تكن غزة شهدت عدوانا سابقا في مثل هذه الأيام المباركات، فغابت الابتسامة والفرحة عن وجوه الأطفال الذين عادوا إلى بيوتهم مكسوري الخاطر والحزن يلف وجوههم بعد مشاهد القصف التي طالت أصدقاء لهم وأقارب، وعلى الرغم من مشاهد الدمار والتشريد التي أثرت على أهالي القطاع؛ إلا أنّ بعض الغزيين في مراكز الإيواء نظموا أجواء تعبر عن سعادتهم بحلول العيد على الرغم من جراحهم، فصنعوا الكعك بكميات كبيرة وزينوا صفوف مدارس الوكالة التي كانت تؤويهم بالبلالين والزينة.
أما محلات الملابس، أقفلت أبوبها في مثل هذه الأيام من العام الماضي؛ لكنها اليوم وبعد عام على العدوان تفتح أبوابها مشرعة لاستقبال المشترين، فشهدت الأسواق هذا العام إقبالًا كبيرًا على شراء ملابس العيد ومستلزماته المختلفة، وبدت رائحة الكعك تفوح واضحة من بيوت الغزيين وعلى ركام المنازل المدمرة في حي الشجاعية؛ ليعيدوا ذكرياتهم في بيوتهم حتى ولو على الانقاض.
وتثبت غزة دائما أنها جديرة بالفرح، فبالرغم من الجراح التي لا زالت آثارها باقية حتى يومنا هذا، تخرج معلنة استقبالها للعيد بكل ما أوتيت من فرح، وهمة، وعزيمة، فالوجوه التي كانت مبللة بالدماء العام الماضي، سترتسم عليها ابتسامة فرح هذا العام، لتقول للعالم أنّ غزة عصية على الانكسار.