لوحة للرسام الهولندي فنسنت

ماذا يدور في دماغ الانسان؟ هذا السؤال الذي يؤرق كثيرين بسبب تعقيداته اصبحت الاجابة عنه ممكنة بفضل معرض في باريس يدعو زائريه الى اختبار ما يجول في ادمغتهم بأنفسهم.

وتقدم مدينة العلوم والصناعة في العاصمة الفرنسية معرضا جديدا دائما من المقرر استمراره لسنوات عدة. وعلى مساحة 800 متر مربع، يتجلى الدماغ بجماليته وتعقيداته بما في ذلك بالنسبة للانشطة اليومية.

وكشف ستانيسلاس دوهاين الحائز شهادة دكتوراه في علم النفس الادراكي والاستاذ الجامعي في "كوليج دو فرانس" ان الدماغ البشري يمثل "اكثر الامور تعقيدا في الكون" خصوصا بسبب "التركيبة المذهلة للجزيئات والخلايا ومواضع تخزين الذكريات" بداخله.

ومنذ اللحظة الاولى لدخوله المعرض، يغوص الزائر في جو خيالي حالم، اذ ان المشهدية في الداخل مستوحاة من العالم السريالي للفنان البلجيكي رينيه ماغريت مع مظلاته وقبعاته المحدبة.

واشار دوهاين الذي يتولى الادارة العلمية للمعرض الى ان "الدماغ سريالي. فهو يسمح بتصور الواقع لكن ايضا بتكوين اوهام".

ويزن دماغ شخص بالغ 1,3 كلغ، اي ما يقارب 2 % من وزن الجسم. لكنه يستهلك حوالى 20 % من الاكسجين الذي يسري في الجسم و25 % من السكر في الدم.

كذلك يضم الدماغ حوالى 86 مليار خلية عصبية. كما ان النبضات العصبية لها طابع كهربائي. وتشير التقديرات الى حصول عشرات مليارات الشحنات الكهربائية كل ثانية في الدماغ البشري.

وأوضح دوهاين مدير الوحدة المشتركة للتصوير العصبي المعرفي التابعة للمعهد الوطني للصحة والبحث الطبي ومفوضية الطاقة الذرية والطاقات البديلة، ان دماغ الانسان يستمر بالعمل حتى عندما يكون الشخص نائما "لأنه في هذا الوضع يقوم الدماغ بوضع اسس بنيوية للعالم وتكوين النوايا واسقاطها على العالم الخارجي".

كذلك يعتبر الدماغ خبيرا احصائيا من الطراز الرفيع: اذ انه يستقرئ النظم التي يسير على اساسها العالم الخارجي لتوقع او استباق ما يمكن ان يحصل.

لكن يمكن للدماغ ان يخطئ عندما يتم نصب فخ له: فعلى سبيل المثال اذا ما وضعت امام الشخص اسطوانتان متلاصقتان الواحدة فوق الاخرى وتم التلاعب بوزن كل منهما -- اذ ان الصغيرة هي الثقيلة والكبيرة فوقها مجوفة وبالتالي خفيفة -- لن تقوم الذراع بالجهد المناسب اذ انها ستعطي قوة مفرطة عندما يتعين على الشخص حمل الغرضين معا.

ومن نقاط القوة في المعرض التجارب المعروضة للزائر والتي تسمح له باختبار دماغه. وهذه التمارين مستقاة من احدث البحوث في مجال العلوم العصبية.

وللذين يعتقدون ان بامكانهم القيام بمهام متعددة في آن واحد، ثمة اختبار يثبت لهم عدم صحة ذلك. فللقيام بمهمتين بالشكل الانسب، يستغرق الموضوع وقتا والا ثمة خطر الوقوع في الخطأ.

كذلك يظهر اختبار طريف انه عندما يركز المرء على مهمة ما، فإن بعض الامور تفلت منه. ويشاهد الزائر في هذا الاطار مباراة رياضية بين لاعبين يرتدون الابيض واخرين بالاسود. ويطلب من الشخص ان يركز انتباهه للتوصل الى عدد تمريرات الكرة داخل الفريق الابيض. لكن المشاركين في هذا الاختبار يفوتهم في اكثرية الاحيان رؤية الغوريلا السوداء التي تجتاز الصورة بروية. 

كما يمكن للعموم اكتشاف الطريقة التي يقرأون فيها نصا والوقت الذي يستغرقه ذلك بفضل جهاز يسجل حركات العينين.

كذلك يفرد المعرض مساحة كبيرة لما يعرف بـ"الدماغ الاجتماعي"، وذلك عن طريق فيلم مسل. وهذا الامر يظهر الطريقة التي يقدم فيها دماغنا افكار الاخرين" بحسب دوهاين.

وتشكل القدرة على فهم نوايا الاخرين وتحليلها بشكل صحيح مدماكا اساسيا للحياة الاجتماعية. وفي حالة الاشخاص المصابين بالتوحد، من الممكن حصول خلل في عمل هذا الدماغ الاجتماعي.

ومن شأن فهم الاسس العصبية للسلوك الاجتماعي ان يسمح بفتح مسارات علاجية جديدة. ويهتم الباحثون خصوصا بهرمون الأوسيتوسين الذي يتحكم بالنظرة المجتمعية ويعمل على تحريك الرغبة بالتواصل مع الاخرين.