رمضان في الكويت

تدور الأيام على مدار العام، وينتظر المسلمون في شتى بقاع الأرض حلول شهر رمضان المبارك، الذى بشرنا الله عز وجل فيه بالرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ حيث ينتظره الجميع فى اشتياق وحنين، لما يشهده من تلاحم بين الغنى والفقير، وأجواء من الرحمة والمحبة بين الجميع.

وتتشابه استعدادات ومظاهر الشهر الكريم فى معظم المجتمعات العربية، من خلال زيادة الإقبال على المساجد، وتلاوة القرآن الكريم، والذهاب إلى الأسواق، وإعداد الولائم ومروائد الرحمن، وتبادل الزيارات العائلية، إلا أن المجتمع الكويتى تظل له طقوسه الخاصة فى استقبال الشهر الكريم؛ حيث يحرص الكويتيون على إحياء تقاليد وعادات توارثوها من أزمنة بعيدة عن الأجداد؛ حيث يعتبر أهل الكويت رمضان، فرصة لإحياء العادات والتقاليد الأصيلة، واستعادة القيم التي تعزز التجانس بين أفراد المجتمع.

ورصدت وكالة أنباء الشرق الأوسط استعدادات أهل الكويت لشهر رمضان المبارك من خلال ما يطلق عليه (مائدة قريش)، وهو موروث شعبي يعتبر جزءا من العادات والتقاليد في الكويت؛ حيث جرت العادة أن تقام في أواخر أيام شهر شعبان، احتفاء واستعدادا لبدء الصيام، من خلال المشاركة فى تناول الطعام بطريقة رمزية، باعتبارها آخر وجبة قبل بداية شهر الصوم.
وعندما يحل الشهر الكريم، يبدأ الكويتيون فى ممارسة طقوسهم التراثية، ومن بينها تجمع أعداد كبيرة من المواطنين والأطفال والوافدين يومياً بعد صلاة العصر بالقرب من موقع مدفع الافطار، وعندما ينطلق يهلّلون ويزغردون، ثم يترجلون الى سوق "المباركية" الذى يعد قبلة الكويتيين في الشهر الفضيل، والمواجهة لمدفع الافطار؛ حيث يزدحم السوق الشبيه بسوق "الحسين" المصرى، بالرواد من كل الجنسيات، للجلوس على المقاهى وتناول المشروبات والمأكولات الشعبية الشهيرة، مثل الكباب، والكشري، والفطير المشلتت والمشروبات الساخنة والباردة، فيما يأتى البعض لتناول طعام السحور وآداء صلة الفجر فى مسجد "مبارك الكبير" القريب من السوق.

ومن أبرز مظاهر الشهر الكريم فى الكويت، ما يسمى ب (الغبقة)، وهى إحدى العادات العريقة والتراثية لأهل الكويت، وترتبط فقط بشهر رمضان المبارك، وهي متوارثة من جيل إلى جيل، وتحظى باهتمام بالغ، نظرا لأنها تعزز أواصر الترابط بين أبناء المجتمع، وتكون عبارة عن تجمعات ضخمة تقام بعد صلاة التراويح في الفنادق والصالات الفخمة، حيث يحضرها حشد كبير من الرواد الذين تدور بينهم الأحاديث على أنواعها، مع تناول الأطعمة والمشروبات المتنوعة، ويتم الاعلان عنها فى الصحف اليومية لتكون الدعوة عامة.

ومع حلول منتصف الشهر الكريم، يبدأ الاحتفال بأيام (القرقيعان)، وهو عبارة عن خليط من المكسرات، والملبس، والحلاوة، والشيكولاتة، يتم توزيعه على الأطفال الذين يدقون أبواب الأهل والأقارب والجيران بعد الإفطار ووقت السحور، فيعطي أصحاب البيوت خلطة (القرقيعان) للأطفال في الأكياس التي يحملونها، ليجمعوا أكبر مقدار منها، بينما يرتدي الأطفال في أيام (القرقيعان) الملابس الكويتية التقليدية، ويرددون الأغاني الوطنية وأناشيد معينة.
وتتشابه الكويت في مشهد السحور مع معظم الدول العربية، فى ظاهرة "المسحراتى"، لكنه يطلق عليه فى الكويت (أبوطبيلة)، والذى يجوب الشوارع فى ليالى رمضان، مرددا "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، بغرض إيقاظ النائمين وحضهم على تناول طعام السحور حتى أواخر ليالى الشهر الفضيل، فيما يقدم له أهل الكويت الطعام والشراب، بينما يقوم في اليوم الأخير من رمضان، بالتجول فى الشوارع قائلا بضوت خافت حزين " الوداع ... الوداع يا رمضان وعليك السلام شهر الصيام".

ويعود المطبخ الكويتى خلال شهر رمضان إلى بعض الأكلات التراثية الشهيرة، التى تقبل عليها الأسرة الكويتية، ومن أبرزها (الهريس) الذى يعتبر طبقا رئيسيا على السفرة الكويتية فى رمضان، ويصنع من القمح المهروس مع اللحم، مضافا إليه السكر الناعم، والسمن البلدي، والدارسين "القرفة" المطحونة، وأكلة (التشريب) الشبيه بالفتة المصرية، وهي عبارة عن خبز الخمير أو الرقاق، مقطعاً قطعاً صغيرة، ويسكب عليه مرق اللحم الذي يحتوي غالباً على القرع والبطاطس وحبات من الليمون الجاف؛ حيث يفضل الصائم تناول (التشريب) لسهولة صنعه وخفة هضمه على المعدة ولذة طعمه فى الوقت ذاته، وهناك (الجريش) الشبيهة ب"لقمة القاضى" المصرية، وهى حلويات كويتية تصنع من القمح، والحليب، والهيل "الحبهان"، والسمن، والزعفران، والعجين المختمر؛ حيث تقطع الى لقيمات أو قطع صغيرة دائرية، ثم يتم طهيها فى الزيت المغلى حتى الاحمرار، قبل أن توضع في سائل السكر.

ويتميز شهر رمضان المبارك فى الكويت، بحراك اجتماعي ملحوظ؛ حيث تنتشر الديوانيات التي تجمع مجالس الكويتيين، وتكون عامرة بالرواد، وتقام فيها حفلات الإفطار الجماعي، ليتسامر الحضور وتدور النقاشات حول القضايا التي تمس حياتهم اليومية، كما تجرى بعض المسابقات الخفيفة بينهم، فتضفي على الأجواء متعة ومرحا.