لعبة "الحوت الأزرق"

أثارت لعبة "الحوت الأزرق" الكثير من الجدل فى المجتمعات العربية عامة، والمجتمع المصري خاصة، عقب انتشارها بين المراهقين والشباب في هذه المجتمعات، وأدت إلى تعرض العديد منهم إلى حوادث التشويه والقتل، كان أخرها واقعة انتحار شاب في مدينة طنطا في محافظة الغربية.
 
لكن "الحوت الأزرق" ليست اللعبة الوحيدة التي تتسبب في الخطر، فهناك العديد من الألعاب المنتشرة عبر الإنترنت، والتي تؤدي إلى إصابة لاعبيها بالعديد من الأضرار والإصابة بالاكتئاب وربما تصل إلى الانتحار، وهذه الألعاب التي تسمى "الألعاب القاتلة"، وهذا ما نرصده عبر التقرير التالي.
 
بداية الحوت الأزرق
بدأت لعبة الحوت الأزرق في عام 2013، على يد طالب علم نفس روسي الجنسية يدعى "فيليب بوديكين"، حيث تم طرده من الجامعة بسبب أفكاره المتطرفة، لكنه بعد ذلك بدأ في استقطاب ودعوة مجموعة من الأطفال للدخول إلى لعبته، حيث كان  يختار ضحاياه من المراهقين بعناية وهم من يمرون بمشاكل عائلية أو تفكك أسري، ويسند إليهم عدة مهمات بسيطة، ثم مهمات قاسية، مثل الوقوف على حافة السطح أو التسبب بجروح في الجسد أو الانتحار، حتى تم اتهامه بتحريض نحو 16 طالبًا على الانتحار بعد مشاركتهم في اللعبة، ما أدى إلى اهتمام وسائل الإعلام العالمية بهذه اللعبة.
 
لكن إحدى شركات إنشاء التطبيقات عبر الإنترنت، استغلت هذه اللعبة، وأطلقتها عبر المتاجر الإلكترونية للهواتف الذكية؛ لتبدأ في الانتشار في الأماكن المختلفة عبر العالم، وتحصل على شهرة واسعة، ما أدى إلى انتشارها في عدة بلدان عربية منها السعودية والجزائر ومصر، وأدت إلى انتحار العديد من لاعبيها.
 
كيف تتحول لعبة إلى قاتلة؟
لعبة الحوت الأزرق، تتكون من 50 مهمة على مدار 50 يومًا، تستهدف المراهقين مابين سن 12 و16 عامًا، وبعد أن يقوم المراهق بالتسجيل لخوض التحدي والقيام بالمهمات يطلب منه المسؤولون بعض المعلومات الدقيقة عن حياته، وبعدها يطلب منه رسم "الحوت الأزرق" على ذراعه بواسطة آلة حادة، وإرسال صورة لهم للتأكد من أنه قد دخل في اللعبة بالفعل، وبعدها تتوالى المهمات والتحديات، ويطلب من الشخص الاستيقاظ في وقت مبكر في الرابعة فجرًا، ليصل إليه مقطع فيديو مصحوبًا بموسيقى غريبة، لوضعه في حالة نفسية كئيبة، وتستمر المهمات والأوامر للمراهقين المستهدفين، ومنها الصعود فوق السطح والأماكن المرتفعة بهدف التغلب علي الخوف، وتصوير نفسه فيديو حتى يتأكد المسؤولون أنه ينفذ أوامرهم بالفعل أو مشاهدة أفلام الرعب، وقضاء وقت عزلة وتجنب الحديث مع الناس حتى يدخل في حالة شديدة من الاكتئاب.
 
وفي منتصف المهمات يطلب من الشخص محادثة أحد المسئولين عن اللعبة لكسب الثقة، وفي اليوم الـ 50 وهو آخر مهمات اللعبة يطلب من المراهق الانتحار إما عن طريق القفز من النافذة أو الطعن بألة حادة، وإذا فكر أحد المشتركين في اللعبة في الانسحاب يقوم المسؤولون عن اللعبة في ابتزازهم بنشر المعلومات التي تخصهم أو تهديدهم بالقتل هم وأفراد عائلاتهم.
 
لعبة البوكيمون
وبعد انتشار لعبة الحوت الأزرق، بدأت تظهر ألعاب أخرى عبر الإنترنت تسير على نفس المنوال الخاص بهذه اللعبة، حيث ظهرت في عام 2016 لعبة "البوكيمون"، واستحوذت على عقول الملايين عبر العالم وعلى الرغم من التسلية التي تحققها اللعبة لمستخدميها، إلا أنها تسببت في العديد من الحوادث القاتلة بسبب انشغال اللاعبين بمطاردة والتقاط شخصيات البوكيمون المختلفة خلال سيرهم في الشوارع.
 
وتعتمد اللعبة على أن المستخدم يقوم بالبحث عن الشخصية الافتراضية "بوكيمون_جو"، من خلال الخرائط الحقيقية للمكان المتواجد به اللاعب، ثم تحدد اللعبة أماكن موجودة في الواقع لشخصية "البوكيمون غو" التي يبحث عنها المستخدم كغرفة نومه أو المدرسة أو الشوارع القريبة من منزله، وعلى المستخدم سرعة الذهاب إلى المكان والتقاط البوكيمون قبل أن يختفي، ما أدى إلى اتهام اللعبة باستخدامها من قبل أجهزة مخابراتية في التجسس على الشباب في البلدان المختلفة، من خلال معرفة الأماكن وتفاصيل الحياة لهؤلاء الشباب الذين يستخدمون اللعبة؛ بل إن هناك بلدانًا كثيرة أصدرت قرارًا بحظر استخدام هذه اللعبة، مؤكدة أن منشأها على علاقة بأجهزة مخابراتية تستغلها في التجسس على البلدان، أبرزها دولة كوريا الشمالية.
 
لعبة جنيّة النار
وهناك لعبة أخرى وهي لعبة "جنية النار"، والتي تشجع الأطفال على اللعب بالنار، حيث توهمهم بتحولهم إلى مخلوقات نارية باستخدام غاز مواقد الطبخ، وتدعوهم إلى التواجد منفردين في الغرفة حتى لا يزول مفعول كلمات سحرية يرددونها، ومن ثم حرق أنفسهم بالغاز، ليتحولوا إلى "جنية نار"، وقد تسببّت في موت عديد الأطفال حرقًا، أو اختناقًا بالغاز، في البلدان المختلفة، منها البلدان العربية،  وكشفت إحصائيات مختلفة عن انتشار هذه اللعبة في مصر خلال الآونة الأخيرة.
 
وتقول تعليمات اللعبة «في منتصف الليل عندما يكون الجميع نائمًا، استيقظي من سريرك ودوري في جميع أنحاء الغرفة ثلاث مرات، وأنت ترددين الكلمات السحرية، ثم انتقلي إلى المطبخ بصمت، من دون أن يلاحظك أحد وإلا ستفقد الكلمات السحرية قوتها، افتحي موقد الغاز، كل الشعلات الأربع ولكن من دون نار إنك لا ترغبين بأن تحترقي، ثم نامي، الغاز السحري سيأتي إليك، ستتنفسينه أثناء نومك وفي الصباح عندما تستيقظين ستكونين قد صرت جنية».
 
لعبة تحدّي شارلي
لكن اللعبة القاتلة الأحدث عبر الإنترنت، هي لعبة تحدي شارلي، والتي تعتبر الأخطر على الشباب والمراهقين، حيث بدأت في الانتشار في الوطن العربي بصورة كبيرة، حيث تصيب صاحبها بالاكتئاب الحاد، ولا تجعل أمامه حلًا غير الانتحار في النهاية، كان أخرها انتحار أحد الأشخاص في مصر،  وانتحار 10 أشخاص في ليبيا، وحدوث عدة حالات إغماء بين صفوف الطلاب في المؤسسات التربوية الجزائرية نتيجة استخدامهم لها.
 
وانتشرت اللعبة من خلال مجموعة فيديوهات على شبكة الإنترنت في عام 2015، وساهم في انتشارها استهدافها لأطفال المدارس، حيث تعتمد في لعبها على اللوازم المدرسية وبالتحديد الورقة وأقلام الرصاص لدعوة شخصية أسطورية مزعومة ميتة تدعى "تشارلي" ثم تصوير حركة قلم الرصاص مع الركض والصراخ، ثم تفتح بعد ذلك أدوار مختلفة وتطلب من صاحبها إلقاء تعويذات سحرية، تظهر للاعبها أشياء غريبة لا يستطيع عقول أصحابها على مشاهدتها، ما تؤدي إلى إصابتهم بحالات نفسية واكتئاب حاد يؤدي إلى الجنون أو الانتحار في النهاية.
 
لعبة مريم
ومع انتشار الألعاب القاتلة في الوطن العربي، تم إنشاء تطبيق للعبة تستهدف الشباب في الوطن العربي تحديدًا، تسمى "لعبة مريم"، وتتمثل في وجود بنت تسمى "مريم"، وهي تائهة عن منزلها ويساعدها المشترك في البحث عن منزلها، وتميزت هذه اللعبة بالغموض بين المستخدمين والشعور بالخوف والرعب خاصة الأطفال.
 
وتعتمد اللعبة على البعد النفسي للمشترك، حيث تبدأ بمؤثرات صوتية تثير نفس المستخدم، وبعد أن تجتذب المشترك للعبة تطلب منه الطفلة الدخول إلى غرفة معينة للتعرف بوالدها واستكمال الأسئلة، ثم تدخله في حالة عزلة وتصيب بحالات اتكتئاب تؤدي إلى الانتحار في النهاية.

ضحايا الألعاب القاتلة
هذه الألعاب لها العديد من الضحايا، حيث كانت أول ضحايا لعبة الحوت الأزرق القاتلة في يناير من العام الماضي، حيث شهدت منطقة إمبابة في محافظة الجيزة جريمة قتل بشعة، حيث أقدم شاب في الثلاثين من عمره على قتل والده بناءً على أوامر تلقاها من المسؤولين عن اللعبة، أما الضحية الأخيرة  والتي أثارت جدلًا واسعًا بين رواد موتقع التواصل الاجتماعي، لطالب يدعى "احمد.م"، 16 عامًا، ويقيم بمنطقة قحافة بمدينة طنطا في محافظة الغربية، حيث أقدم على شنق نفسه بواسطة حبل معلق بسقف حجرته حيث كشفت تحقيقات نيابة ثان طنطا في المحضر رقم 1719 أن الشاب كان يجلس لفترات طويلة أمام الإنترنت وممارسة لعبة الحوت الأزرق، وكشفت التحريات أن المذكور أصيب بحالة اكتئاب من اللعبة حتى قرر الانتحار.

حكايات عن لاعبي الألعاب القاتلة
في ذات السياق، قال أحمد إبراهيم، 23 عامًا، أحد الذين كانوا يلعبون لعبة الحوت الأزرق، إن هذه اللعبة ربما تكون الأخطر على الشباب والمراهقين، حيث تؤثر بشدة على الشخص الذى يمارسها ومن ثم تدخله في حياة أخرى وتعلم عنه جميع الحكايات وتستمع له، وتجعل حياته عبارة عن الإنترنت، لافتًا إلى أنها في النهاية تطلب منه تطبيق أشياء غريبة للتجارب الجديدة، مشيرًا إلى أنه قرر الابتعاد عن اللعبة بعد أن طلبت منه رسم وشم عن الحوت الأزرق على ذراعه، حيث شعر أنها تريد السيطرة عليه.

فيما أضاف محمد حسن، 20 عامًا، طالب بكلية الحقوق، أنه سمع عن لعبة تحدي تشارلي عبر الإنترنت،ـ ومن ثم قرر تجربتها، لافتًا إلى أنه بعد فترة من الوقت، أصبح يقرأ التعويذات المختلفة الخاصة باللعبة، وبدأت تظهر له أشياء غريبة ويسمع أصوات تهمس له أثناء نومه، مشيرًا إلى أنه أصيب بحالة اكتئاب وذهب إلى طبيب نفسي، والذي نصحه بالابتعاد عن اللعبة؛ بسبب ما حدث له وعدم استكمال مراحلها حتى لا تسطير عليه، مشيرًا إلى أنه ظل لمدة عام يعاني حتى استطاع الابتعاد عنها.
 
من ناحية أخرى، كشف خبراء علم النفس والاجتماع  استخدام هذه الألعاب في الحروب العسكرية، وتعليقًا على هذه الألعاب، قال الدكتور أحمد فخري، أستاذ علم النفس وتعديل السلوك الاجتماعي بجامعة عين شمس، إن المستهدف من هذه الألعاب هي عقول الشباب، ولعبة الحوت الأزرق تستهدف شريحة المراهقين لأن القائمين عليها يعلمون التركيبة النفسية لديهم وهي حب المغامرة، والاستكشاف، والرغبة في البحث والتطلع للقيام باعمال غير تقليدية، وإثبات الذات، وأيضًا تتميز مرحلة المراهقة في الرغبة للخروج عن المألوف، وبتفحيص دقيق للعبة سنجد أن كل خطوة من خطواتها أو مهمة تركز على سمة من سمات المراهقين للعب على الخصائص السلبية في هذه المرحلة العمرية في الخروج عن المألوف وتحدي النظم والقوانين.
 
وتابع فخري، أن اللعبة تأخذ وقتًا طويلًا من المراهق وهذا ما يخلق لديه ما يعرف بـ"السلوك الإدماني"، وفي هذا التوقيت الحرج يجب أن نركز على إحياء دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية بداية من الأب والأم في توجيه السلوكيات داخل الأسرة من خلال لغة الحوار، وتبادل الأعمال المشتركة، وتوزيع الأدوار على أفراد الأسرة بحيث يصبح دور الأسرة جاذبًا وليس طاردًا، وأن يكون للأسرة دورًا رقابيًا على سلوك الأبناء والتدخل فورًا في حالة اكتشاف سلوك غريب.
 
وأوضح فخري، أن الجلوس لساعات طويلة أمام الإنترنت يسبب الإدمان، ويصيب بالاكتئاب الدافع للانتحار، وليس لدينا في مصر أرقام دقيقة لحالات الانتحار، مؤكدًا ثقته في الشباب المصري وذكائه وفرزه للموضوعات السلبية، أما الفئة التي تقع فريسة لتلك الألعاب المميتة هي التي ليس لديها هدف لتحقيقه، ويجب أن نهتم أكثر بالشباب من كل الجوانب سواء النفسية أو الصحية أو حتى الروحانية.
 
بينما أشار الدكتور جمال فرويز، أستاذ علم النفس، إلى أن فئة المراهقين هي المستهدفة من لعبة الحوت الأزرق؛ لأن المراهق يميل دائمًا للتحدي والعناد ولايهمه الأذى الذي يتعرض له من ممارسته لتلك الألعاب الخطيرة مثل لعبة "بوكيمون" أو "الحوت الأزرق" أو  تحدي تشارلي، وهي بالفعل من الممكن أن تعرض الشخص للانتحار، والمراهقين عمومًا، وهم الأكثر عرضة للاكتئاب ومن ثم الانتحار، لافتًا إلى أن الأمراض النفسية لها العديد من الأسباب التي تدفع الشخص للانتحار، ومنها الانفصام والاكتئاب، وتعاطي المواد المخدرة بين أوساط الشباب في مرحلة عمرية صغيرة قد تدفعهم للإقدام على الانتحار، محذرًا المراهقين من ممارسة أي لعبة خطيرة كنوع من إرضاء الذات.
 
فيما أكد الدكتور هشام بحري، أستاذ الطب النفس، أن هذه اللعبة تعتمد على التحدي للقيام بأشياء غريبة، وهي تتناسب مع المرحلة العمرية للمراهقين، وكلما زاد التحدي يجعل المراهق في حالة من الانتصار، ويشعره بالنجاح والثقة بالنفس لإثبات عكس ما يتهم به من أسرته والمجتمع بأنه "مراهق فاشل"، وهو ما يبحث عن المراهق، وفي كل مرة تزداد من خطورة هذا التحدي حتى لو طلب منه الانتحار في نهاية اللعبة.
 
وأردف بحري، أن الانتحار يزداد عند مرضى الاكتئاب ويصل إلى نحو 6 أضعاف الإنسان العادي، وللعلاج لابد من معرفة الأسباب التى دفعت المراهقين للجوء إلى تلك الألعاب الخطيرة وهي التفكك الأسري، ووضع المراهق دائمًا في خانة "الاتهام بالفشل" وهي ما تجعله عرضة للاكتئاب وتطارده بعدها فكرة الانتحار.

ألعاب أخرى قاتلة
وهناك ألعاب أخرى انتشرت بين الأطفال وتسبب أضرارًا كثيرة، أبرزها لعبة "سلايم"، تلك العجينة الأميركية الشهيرة التي تجذب الكثير من الأطفال؛ نظرًا لسهولة تشكيلها بالمقارنة بعجينة الصلصال المعتادة، حيث حذرت تقارير طبية منها، إذ يدخل في تكوينها بعض المواد الخطيرة والسمية، مثل، بودرة الصراصير والحشرات وحمض البوريك التي تؤدي إلى إصابة الأطفال بالتسمم، بالإضافة إلى ألوان صناعية حتى تشبه العجينة وتكون على شكل مطاطي، ويتم تشكيلها بالعديد من الأشكال، ويختار كل طفل الشكل الذي يفضله، ويدخل أيضًا في مكوناتها مسحوق "البوريك أسيد" شديد الخطورة، وهو مخصص لقتل الحشرات ثم يضاف إليه الصمغ الذي ينتج تفاعلًا كميائيًا لتكوين المادة اللزجة.

ومع كثرة ملامسة الأطفال للعبة باليد يصاب الطفل بإحمرار شديد بالجلد، وتهيج الأغشية المطاطية العينين والأنف مع إسهال شديد وقيء، وتقلصات مؤلمة في الجهاز الهضمي، وأكدت التقارير أن المواد الكيميائية التي تدخل في اللعبة تسبب مرض السرطان، كما أنها تؤثر على الجهاز العصبي، وتؤدي إلى ضعف الذاكرة والصداع المزمن، والغريب أن بعض الأهل والأطفال لجئوا إلى تصنيع هذه اللعبة السامة في المنزل من خلال الاستعانة ببعض مساحيق الغسيل والصمغ ومعجون الأسنان، وحمض البوريك الذي يسبب التسمم.

وقد حذرت هيئة الأغذية والأدوية الأميركية والعديد من المراكز الصحية بالعالم من أخطار لعبة "السلايم"؛ لأنها قد تسبب بالفعل في حدوث أورام سرطانية، وفشل كلوي، وطالبت بعد شرائها وتصنيعها وسحبها من الأسواق.