سيدني ـ أسعد كرم
منذ قرابة 10 أعوام يلاحظ علماء الفضاء رسائل وإشارات غريبة من الفضاء على شكل وميض ضوئي متوهج تسمى ظاهرة "الانفجار الراديوي السريع"، التي لا تستمر سوى أجزاء بالألف من الثانية (ملي ثانية) وما هي إلا ومضات كهرومغناطيسية صادرة من مسافة هائلة عن مجرتنا (درب التبانة) غير معروف مصدرها بعد، كما أن معظم التلسكوبات العملاقة في العالم لا تزال غير قادرة على التقاط هذا الانفجار إلا ما ندر وبالتحديد بعد حدوثه بفترة زمنية .
إلا أن فريقاً من علماء الفضاء الأستراليين طوروا تقنية جديدة للبحث عن هذه الظاهرة وقت حدوثها، وبدأوا بتطبيق هذه التقنية من العام الماضي، كما تجري الآن مجموعة العلماء بقيادة البروفيسورة ايميلي بيتروف من جامعة الأسترالية للتكنولوجيا، واستطاع الفريق الأسترالي بقيادة بيتروف لأول مرة من مشاهدة وميض من الموجات الراديوية التي يسببها الانفجار بواسطة مرصد "باركس" الواقع ببلدة باكس بولاية نيو ساوث ويلز جنوب شرقي أستراليا والذي تديره منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية الحكومية .
في العام 2007 تم اكتشاف ظاهرة الانفجار الراديوي السريع لأول مرة عن طريق مرصد "باركس" قادمة من سحابة "ماجلان" الصغيرة، الواقعة في مدار مجرتنا "درب التبانة"، ويعود الفضل في اكتشاف هذه الحزمة الجديدة من الإشارات "الفضائية" إلى العالم الأسترالي الدكتور آر . لوريمر .
كما كشف مركز "راديو تلسكوب آريسيبو" في بورتو ريكو عن هذه الإشارات القادمة من الفضاء في وقت سابق في آب/ أغسطس تسببت في حالة من الارتباك والريبة لدى علماء الفضاء، الذين يرجحون أن تكون آتية من مجرة أخرى .
كما استطاعت عالمة الفضاء لورا سبتلر وزملاؤها في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي في بون، ألمانيا من كشف انفجار غامض من موجات الراديو مدته ملِّي ثانية واحدة أيضاً في تموز/ يونيو الماضي .
حيرت هذه الإشارات التي تكررت على فترات متباعدة على مدى 8 أعوام العلماء الذين يجتهدون لإثبات مصدرها، وهويتها، وربما لإثبات وجود شكل من أشكال الحياة خارج كوكب الأرض .
في كانون الثاني/ يناير الماضي كانت ايميلي بيتروف أول عالمة فضاء ممن لهم الحظ بمشاهدة هذه الظاهرة الفلكية لحظة حصولها وهو ما بحث عنه علماء الفضاء طويلاً ولم يستطيعوا مشاهدتها، وتقول بيتروف عن هذه اللحظة "كان الأمر مثيرا للغاية، لقد انتظرنا حدوث هذه الظاهرة طويلاً" .
وكان الفريق الأسترالي وضع نظاما مخصصا لمشاهدة الانفجار الراديوي منذ آذار/ مارس 2014 على أمل ملاحظة الظاهرة وقت حدوثها .
يعتقد علماء الفضاء بأنه على الرغم من مشاهدة الظاهرة بشكل مباشر من الأرض، إلا أن هذه الانفجارات تكون قد حدثت منذ وقت طويل في الفضاء وبحسب قول بيتروف "نحن نشاهد انفجارات حدثت في الفضاء منذ زمن، فهي آتية من بعد مليارات من السنين الضوئية عن الأرض، كما أنها حدثت عندما كان الكون شاباً" .
لا يزال علماء الفضاء غير متأكدين من أسباب تشكل هذه الإشارات والانفجارات في الفضاء، إلا أنهم وضعوا 3 فرضيات، أولها تلاشي ثقوب سوداء، وثانيها اندماج أو تلاشي نجوم نيوترونية، وآخرها توهج لنجوم نشطة مغناطيسياً .
وبحسب رئيس قسم الفيزياء الفلكية بمنظمة الكومنولث الأسترالية للبحوث العلمية والصناعية العالم سيمون جونستون عن أسباب تشكل هذه الانفجارات فإنه يميل إلى أنه قد تكون أحد أهم أسباب تشكل الموجات الراديوية هو انهيار نجم نيوتروني ليتحول إلى ثقب أسود .
ويعتقد جونستون بأن معرفة سبب هذه الانفجارات أصبح مثيرا لاهتمام علماء الفضاء والفلكيين على حد سواء، فالغموض دائماً ما يثير في النفس الاستكشاف .
لكن الشيء الغريب والمثير للاهتمام في حدوث هذه الانفجارات هو كيفية تدفق هذه الموجات الراديوية من مركزها الذي يبعد عن الأرض على الأقل ب 5 .5 مليار سنة ضوئية، وكيف يمكنها السفر في الفضاء ومن ثم التقاطها بواسطة التلسكوبات، لذا فإن معرفة كيفية سفر هذه الإنفجارات وما يمر بها حقل ومجال مثير لعلماء الفضاء، لأننا لا نعرف ما الذي يتكون بين المجرات الكونية لذلك معرفة أسباب وتشكل الانفجارات الراديوية ستمكننا من تقصي حقائق مثيرة عما بين المجرات . ويتوافق البروفيسور براين غاينسلر مدير معهد "دونلاب" لعلوم الفضاء والفلك في جامعة تورنتو الكندية بأن معرفة الظاهرة بشكل أفضل سيمكن العلماء من معرفة الكون بشكل أفضل، ويقول غاينسلر "أحد أهم الأمور المثيرة للاهتمام هو سفر الإشارات كم جانب إلى آخر في الكون وهذا قد يتضمن معلومات حول ما يتضمن بين المجرات" .
هو تلسكوب راديوي أنشئ في 31 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1961 وكان أحد التلسكوبات الهوائية التي استخدمت لتلقي صور تلفزيونية مباشرة لرحلة أبولو 11 الأولى من نوعها والتي قادت الإنسان إلى سطح القمر في 21 تموز/ يونيو تموز ،1969 ويعد المرصد بأنه الأداة العلمية الأكثر نجاحاً على الإطلاق في أستراليا على من 5 عقود، ويبلغ قياس الصحن المتحرك للتلسكوب 70 مترا .
شارك المرصد في تعقب عدة رحلات فضائية منها، "مارينر 2" السفينة الفضائية الأميركية التي أطلقت عام ،1962 و"مارينر 4" المسبار الذي أرسل إلى المريخ عام ،1964 وبرنامج "فوياجر" إلى الكواكب الخارجية عام 1977 و"جيوتو" المسبار الفضائي الذي أطلق عام 1985 للوصول إلى مذنب "هالي" ومركبة "غاليليو" التي أرسلت لدراسة كوكب المشتري عام 1989 و"كاسيني - هويجنز" المهمة الفضائية غير المأهولة لاستكشاف نظام كوكب زحل .