لندن ـ ماريا طبراني
تنتشر تساؤلات بشأن ماذا سيحصل حين تختفي أجهزة الكومبيوتر من حولنا؟ قد تصبح أجهزة الكومبيوتر غير مرئية للناس بفعل أجهزة استشعار صغيرة موضوعة في الجدران، أو في منتجات منزلية، وملابس، أو حتى الجسد البشري، ولكنها ستستجيب لإيماءة أو صوت، وربما لحركة الشخص عندما يدخل إلى الغرفة.
- الكومبيوتر المحيطي
لا يزال من المبكر جدًا الحديث عنه، إلا أن عصر «الكومبيوتر المحيطي»، أو كومبيوتر الوسط المحيط، يرتسم ببطء، سواء على شكل مساعدات الصوت الذكية التي تعمل بأوامر الصوت على منضدة المطبخ، أو من خلال أجهزة إنترنت الأشياء المصممة لتمتزج في الخلفية. هذا العصر، هو رؤية مرتبطة بالتطورات في عالم الذكاء الاصطناعي، وتقنيات التعرف إلى الكلام، ومعالجة اللغة الطبيعية، وتعلم الآلة، والحوسبة السحابية.
كبار شركات التكنولوجيا كأمازون، وآبل، وغوغل، و«آي بي إم»، ومايكروسوفت، وسامسونغ، هي أصحاب الحصص الكبرى في هذا المجال، ولكن بعض الشركات غير المعروفة يمكن أن تتدخل أيضًا وتسبب بعض التشويش. طبعًا، لا أحد يرجح أن الشاشات ولوحات المفاتيح ستختفي كليًا، أو أن المستهلك سيفتقد للهواتف الذكية.
ويقول داريل كرومر، نائب رئيس قسم البحث الفرعي في شركة «لونوفو» للأبحاث: «ما زلنا نؤمن أن الأجهزة ستلعب دورًا كبيرًا، لأنها تقوم ببعض المهام أفضل من أي شيء آخر، وتوفر مستوى لا يضاهى من الخصوصية والراحة والأمن» وفقًا لـ«يو إس إيه توداي»، ولكن بعض المعالم العادية من حياتنا اليومية قد تصبح مسيّرة عبر الكومبيوتر، دون الحاجة إلى نقرة إصبع حتى. تخيلوا التالي: تدخل السيارة الذاتية القيادة إلى الطريق المنزل الخاص، فيسحب المرأب بابه، ويفتح قفل باب المنزل، وتُشعل أضواء المنزل؛ درجة الحرارة مضبوطة بحسب الرغبة، وتبدأ موسيقى المستهلك المفضلة بالعزف فورًا بما يناسب مزاجه؛ ثم يتم تذكيره أنه سيلتحق باجتماع عبر الهاتف بعد ساعة، ويتبلغ موعد تناول دوائه. هذه السيناريوهات ستصبح حقيقة من خلال أجهزة استشعار غير مرئية مهمتها تزويد خوادم الحوسبة السحابية بتحركات وعادات المستهلك، فتمتص أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه البيانات وتنقح التوجيهات التي ستعطيها للأجهزة الذكية.
- حوسبة المستقبل
يأتي عالم حوسبة المحيط المستقبلي من العالم الذي تصوره كتّاب الخيال العلمي قبل عقود، من التطورات المتلاحقة في مجالي الاتصالات والطب إلى نظام كاميرات المراقبة.
- يعمل «فيسبوك» حاليًا على تقنية جديدة ستتيح للمستهلك أن «يسمع» عبر جلده، في تطور تكنولوجي من المتوقع أن يساعد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في السمع.
- كما توقع المخترع المتخصص في المستقبل في غوغل «راي كورزويل» أن عام 2030 سيشهد ظهور أجهزة تتميز بقوة الهواتف الذكية الحديثة، بحجم خلايا الدم للحفاظ على صحة الإنسان.
ولكن لهذا التطور ناحية محفوفة بالمخاطر أيضًا، فقد حذّر كل من إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لـ«تيسلا» و«سبايس إكس» وعالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ من أن المستقبل الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة وطوفان أسود للحضارة البشرية.
لا شك في أن الشركات التي تدعم تكنولوجيا الحوسبة المحيطية تبدي اهتمامًا بالخصوصية والأمن، لأن شبح الحكومة أو المنظمة التي ستستخدم هذه الأجهزة الذكية النهمة على للبيانات يلوح بشدة في الأفق.
ومن المرجح أن يمتد الذكاء المحيطي من خلال الانتشار المستمر لاستخدام أجهزة الاستشعار إلى أجهزة ليست قادرة على جمع البيانات فحسب، بل أيضاً إعادة تقديمها على شكل تقارير لأنظمة تديرها شركات التكنولوجيا العملاقة، وفي الوقت الذي تحتاج فيه الأجهزة إلى ذكاء «موضعي»، كميات هائلة من البيانات ستتخزن في السحابة الإلكترونية أيضًا.
تعتبر مدة خدمة البطارية عاملًا أساسيًا، كما يقول دايف ليمب، نائب مدير الأجهزة والخدمات في «أمازون.كوم»: «عندما يفكر المستهلك أن عليه شحن جهاز ما، سيصبح هذا الجهاز أقلّ ألفة بالنسبة له». وأضاف: «في عالم الحوسبة المحيطية، فإن المكان الذي تعمل فيه هذه التقنية بشكل جيّد، هو نفسه المكان الذي توجه للعمل فيه دائمًا. وأظن أننا لهذا السبب لم نتمكن بعد من التوصل إلى استخدام تقنية الحوسبة المحيطية على الهواتف الجوالة».
في النهاية، سيزداد عدد الأجهزة وأجهزة الاستشعار التي ستتواصل مع بعضها البعض، لتبدأ بفهم «نية» المستهلك أو هدفه؛ ومن المتوقع أن تسير الخدمات التي يتم تطويرها لأجل هذه الأهداف في الاتجاه نفسه أيضًا.
- ذكاء محيطي
وضعت أمازون جهودها نحو الذكاء المحيطي في أليكسا، وهي الصوت الرقمي من قلب مكبرات الصوت «إيكو» التي تنتجها، ويقول طوني ريد، نائب رئيس قسم تجربة أليكسا وأجهزة إيكو في أمازون: «نتخيل هذا العالم وأليكسا موجودة في كل مكان فيه؛ في الأجهزة التي نصنعها، وفي الأجهزة التي تصنعها شركات أخرى، في المنازل، وفي آلات تحضير القهوة، وآلات غسل الصحون». وأضاف: «لا شك أننا نرى أن الصوت هو مستقبل التحكم بالتكنولوجيا».
غوغل أيضًا تتبع إستراتيجية مماثلة في مساعد غوغل ومجموعة منتجات «غوغل هوم»، في حين تشمل خطة آبل «سيري»، ومكبر الصوت الذكي المنتظر «هوم بود»، ومنصة المنزل الذكي «هوم كيت». سامسونغ بدورها تملك مجموعة «سمارت ثينغز» من منتجات المنزل الذكي، وتعاونت أيضًا عبر شركتها الفرعية «هارمان كاردون» مع مايكروسوفت لإنتاج مكبر صوت يستخدم مساعد كورتانا الرقمي من مايكروسوفت.
وقال بوب أودونيل، رئيس شركة «تيك أناليسيز» للأبحاث وكبير محلليلها: «أظن أن الحوسبة المحيطية في المنازل ستأخذ أشكالًا مختلفة، ولكنها ستتمحور حول مساعدات الصوت وتمدداتها وتحديدًا في الأعوام المقبلة».
الصوت بطبيعته غير مرئي، ولكن نتائج أوامر المستهلك الصوتية يجب ألا تكون كذلك. وتعمل أمازون أيضًا على استخدام أليكسا في منتجات مصممة بشاشات، تشمل جهاز «إيكو شو» ومكبرات «إيكو سبوت»، إلى جانب أجهزة البث والأجهزة اللوحية من مجموعة «فاير تي.في».
إن تصميم الأجهزة دون شاشات سيؤدي إلى مشاكل معقدة في علم الكومبيوتر، حسب ريشي شاندرا، نائب أحد مديري شركة غوغل، والمدير العام لقسم منتجات «غوغل هوم». ويضيف: «إن فائدة واجهة المستخدم في الهاتف هي أنها تقول له ماذا يمكنها أن تفعل وتضع له الضوابط... ولكن إن تمت إزالتها، سيعتبر المستهلك أنه يمكنه القيام بأي شيء يريده، وسيبدأ برمي الجهاز بالأشياء. نلتقي أحيانًا بأشخاص يطرحون علينا أسئلة مجنونة، وهي أسئلة مفيدة لأنها تمثل الحاجز الذي علينا أن نقف عنده».
- ذكاء اصطناعي واقعي
الهدف الآخر هو أن نجعل محادثاتنا مع المساعدين الرقميين أكثر سلاسة وواقعية. يقول جمشيد فايغان، المدير التنفيذي للتكنولوجيا في «آي بي إم». لخدمات الأعمال إنه يجب على الآلات أن تكون قادرة على قراءة وجه المستهلك لتقول له ماذا إذا كان سعيدًا أو حزينًا، وتقرر بناء عليه ما هو الشيء الذي يجب القيام به.
ولكن هل هذا يعني أن أليكسا ستغضب إن تواصل معها المستهلك بشكل مقتضب؟ لن تفعل على الأرجح. ولكن ريد من أمازون رأى أنه يمكن للمستهلك أن يتخيل كيف تتغير تفاعلات الناس معه بحسب درجات الضغط التي يشعر بها.
أطلقت أمازون أخيرًا «روتين أليكسا»، مجموعة من النشاطات القابلة للتخصيص التي يمكن للمستهلك أن يصممها عبر تطبيق أليكسا على هاتفه. يمكن مثلًا بدء هذا التصميم بـ«تعليمات أليكسا لبداية اليوم» والتي قد تشمل تقديم مساعد الصوت لتقرير عن حالة الطقس والسير، وتشغيل الأخبار، وإشعال الأضواء في منزله الذكي.
إلى جانب مهمتها الأساسية في تنظيف الأرضية، تستطيع بعض روبوتات «رومباز» من «آي. روبوتس» أن تصمم خريطة للمنزل، تستخدمها ربما لتنظيف المنزل في الوقت الحاضر، ولكنها ستدخل أخيرًا في صناعة أضواء، وأجهزة استشعار، للمساهمة في تمهيد الطريق نحو المنزل الذكي، ويؤكد كريس جونز، نائب رئيس التكنولوجيا في «آي. روبوتس» الذي يصرّ على أن خصوصية المستهلك محمية: «إذن يمكننا أن نقوم بهذه البرمجة بشكل تلقائي لأجل المستهلك، بحيث لا يشعر بأي أعباء». وحتى يومنا هذا، يمكن للمستهلك أن يتحكم ببعض روبوتات رومبا من خلال التعليمات الصوتية عبر وصلها بأليكسا من أمازون أو مساعد غوغل.
وكان الرئيس التنفيذي لـ«آي. روبوت» كولين آينجل قد أطلق تصريحًا إعلاميًا ناريًا في يوليو/ تموز الماضي رجح فيه أن تبيع الشركة خرائط بيانات لآبل وأمازون وألفابيت "غوغل"، إلا أن الشركة صححت ما قيل، وأكدت أنها لا تشارك خرائط بيانات زبائنها مع أحد.
تتجه الحوسبة المحيطية إلى ما هو أبعد من المنازل. إذ تعمل شركة سامسونغ مثلًا مع شركائها على مشاريع تجريبية لزرع كاميرات وأجهزة استشعار في المتاجر بهدف سدّ فجوة المعرفة بين مسار التبضع الإلكتروني والتبضع الشخصي، إذ يصبح بإمكان سامسونغ، ودون رصد معلومات شخصية، أن تتعقب المتبضعين أثناء تحركهم في المتاجر، لتحدد أين يمضون الوقت الأطول، والمنتجات التي يبحثون عنها، وكيف يتفاعلون في المكان. ومن خلال ميزة التعرف إلى الوجه، يمكن لسامسونغ أن تحدد جنس المتبضع وسنه التقريبي.
وأوضح تيد برودهايم، نائب رئيس الأعمال العمودية في سامسونغ: «عندما يمشي المستهلك إلى جانب قسم الأحذية، لن تعرف الأجهزة أي حذاء سيختار، ولكنها ستعرف أنه يقف أمام أحذية الجري مثلاً وليس أحذية المشي، أو أمام أحذية التأنق وليس أمام الأحذية المنزلية»، وربما تكون التكنولوجيا بعيدة عن أعين الناس، ولكنها يجب ألا تكون أبدًا بعيدة عن عقولهم