ماذا يمكن التكنولوجيا أن تؤثر في نمو أبنائنا

قبل عقدين، كان الأطفال يمضون يومهم خارج المنزل، يتسابق بعضهم على الدراجة الهوائية، وبعضهم يركضون، وعند اقتراب المساء تكون الغميضة اللعبة المفضلة. كان الأطفال يبتكرون ألعابًا لا تحتاج إلى أدوات مرتفعة الثمن أو حتى إلى رقابة الأهل.
هؤلاء الأطفال الذين كنّا نحن من ضمنهم، كانت الطبيعة مسرح عالمهم الحسّي.
في الماضي أيضًا كانت الطاولة في غرفة الطعام المكان المركزي الذي تجتمع فيه العائلة لتناول الغداء أو العشاء، والتحدث عن نهار طويل. وتحوّلت في ما بعد هذه الطاولة إلى مكتب ينجز عليه الأبناء فروضهم المدرسية.


لقد تغيّرت طقوس الأسرة راهنًا، فأثر التكنولوجيا يبدو واضحًا في مؤسسة عائلة القرن الواحد والعشرين، مما تسبّب في تفكّك بعض القيم التي كانت لفترة طويلة النسيج المتين بين أفراد العائلة. فالأهل اليوم باتوا يعتمدون بشكل كبير على وسائل الاتصال والمعلومات والتكنولوجيا التي تجعل حياتهم أسهل وأكثر كفاءة.
ولعل تكنولوجيا الترفيه مثل التلفزيون وألعاب الفيديو والآي- باد والهواتف المحمولة، اجتاحت حياة الأسرة بسرعة قصوى، إلى درجة أن الأهل بالكاد يلاحظون التغييرات التي طرأت على النظام الأسري ونمط الحياة.

وأظهرمعظم الدراسات العلمية الحديثة أنّ أطفال القرن الواحد والعشرين، هم الجيل الرقمي Digital generation، ففي السنوات الأولى من عمرهم، يستعملون تكنولوجيا الترفيه حوالى سبع ساعات في اليوم، و75 في المئة منهم لديه تلفزيون في غرفة نومه، و50 في المئة منهم يتاح له مشاهدة التلفزيون طيلة اليوم من دون حسيب أو رقيب.

واستعمال الأطفال التكنولوجيا في معظم ألعابهم، يحدّ بشكل كبير تحديات قدراتهم الإبداعية والخيالية، وكذلك حاجات أجسادهم لتحقيق نموهم الحركي والحسي المثالي. هذا النمط من الحياة الحضرية المعاصرة الذي يضاف إليه مستوى من فوضى التحفيز الحسي، يسبب تأخرًا في مراحل نمو الطفل، مع تأثير سلبي في المهارات الأساسية للتعليم.

                                                 
  فما هو الأثر السلبي للتكنولوجيا  الذي ظهر على نمو الطفل؟

من الثابت أنّ النمو الحسي والحركي، وآليات قدرات الطفل على الإنجاز، لا تتطوّر مع هذا النمط من الحياة البليدة. فالطفل لديه كل سبل الترفيه الرقمية التي لا تتطلب منه الحركة أو الابتكار الذي يحفّزه اللعب خارج المنزل وتواصله مع الأقران، بل يمكن أن يمكث ساعات طويلة لوحده في المنزل أو في غرفته من دون أن يشعر بالحاجة إلى التواصل مع الآخرين. وقد ظهر أثر التطوّر السريع للتكنولوجيا على نمو الطفل، من خلال الإضطرابات النفسية والسلوكية والفيزيائية.

فمن الآثار الجسدية، ارتفاع نسبة الأطفال ذوي الوزن الزائد، والمصابين بالسكري الذين أصبحت أعدادهم كبيرة في كثير من دول العالم. أما الآثار النفسية والفكرية إزدياد في حالات تشخيص الإصابة الـ ADHD والتوحّد واضطرابات النفس- حركية، وتأخر في النمو، وتأخر في الكلام، وصعوبات تعلّمية، وقلق واكتئاب واضطرابات في النوم. كلها أمراض جسدية ونفسية مرتبطة بالاستعمال المفرط للتكنولوجيا، التي يتداولها الأطفال والمراهقون بشكل واسع وسهل. وهذا الإستعمال يرتفع بإيقاع سريع ينذر بعواقب لا تحمد عقباها.


مهارات لا يجوز التهاون فيها لتوفير نمو طبيعي وصحي للطفل:

الحركة واللمس والتواصل الإنساني واكتشاف المحيط، أربع مهارات يجدر بلورتها عند الطفل. ذلك أنها الأساس في نمو النفس- الحركي الطبيعي، الذي يتضمن وضعية تثبيت الجسم، والتناسق المزدوج بين الأعضاء الدقيقية والأعضاء الكبيرة، وتعزيز حالة التيقّظ المثلى، والتعديل الذاتي الضروري لتحقيق التحدّيات الأساسية للدخول إلى المدرسة.
فالأطفال الصغار في حاجة من ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميًا من النشاطات الإستكشافية، لتحقيق مستوى من المحفّزات الحسية المناسبة لجهازهم الدهليزي Vestibular system التحفيزي واللمسي.

وتحفيز حاسة اللمس يمرّ بالألعاب الأساسية التي تساهم في نمو الملكات الحركية الدقيقة والكبيرة، أي الألعاب التي تتطلب استعمال اليدين والأصابع مثل اللعب بالطين والمعجون والرسم وتركيب البازل، والألعاب التي تعزّز تحديد الحركة، مثل اللعب بالكرة، والألعاب التي تساهم في تطوير ملكة التواصل، كاللعب ضمن فريق.
هذا النوع من الألعاب ينشط  الجهاز العصبي البسماتي parasympathic  الذي يخفض مستوى الكورتيزول والأدرينالين والقلق. واللعب في الطبيعة والمساحات الخضراء لديه الأثر المهدئ في الطفل مما يعزّز ملكة التعليم لديه.

وأظهرت التحليلات المستمرة لأثر التكنولوجيا في نمو الطفل، أنّه عندما يكون الجهاز الدهليزي Vestibular systeme وجهازا اللمس والتثبيت أقل إثارة، فإن الأجهزة الحسية والسمعية والبصرية تكون فائضة الطاقة.
و يؤدي هذا الاختلال في التوازن الحسي إلى مشكلات كبيرة في وظائف الجهاز العصبي العام، وكذلك على مستوى التحليل يسبب خللاً في كيمياء الدماغ مما يسبب تلفًا أو ضعفًا ادراكيًا دائمًا.

وقد أثبتت الدارسات النفسية أن الأطفال المعرّضون دائمًا لمشاهد العنف من خلال  التلفزيون أو ألعاب الفيديو يعيشون حالة من التوتر الشديد. فالطفل الصغير لا يدرك الفارق بين الواقع والخيال، وبالتالي يعيش حالة من الأحاسيس الجسدية المتوترة، تتمثل في زيادة التنفس وزيادة في معدل ضربات القلب، وشعور دائم بالضيق.
وهذا مؤشر لأن الجهاز الحسي مفرط التنبه وهو في حالة استعداد دائم. وهذا التوتر الدائم عند الراشدين يسبب ضعفًا في جهاز المناعة واضطربات مختلفة وأمراضًا خطيرة، فكيف إذًا هي الحال بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين؟

من المهم جدًا أن يفهم الأهل والمعالجون النفسيون والمعلمون، الآثار المدمرة للتكنولوجيا والسعي إلى التحكم فيها والسيطرة عليها. ذلك أنّ التكنولوجيا إضافة إلى أثرها السلبي في النمو النفسي والسلوكي والجسدي للطفل، فإنها تؤثر في قدراته التعليمية والمحافظة على العلاقات الشخصية والعائلية.
ومن المؤكد أن للتكنولوجيا حسنات كبيرة ويجب الإستفادة منها، ولكنها في الوقت نفسه لديها الكثير من المساوئ التي يجب التنبه إليها والحذر منها. فالأهل المعاصرون لديهم ميل في توفير ألعاب فيديو وآي- باد وهواتف جوالة، عوضًا عن اللعب والتحاور ومعانقة أبنائهم، والاستماع إلى مشكلاتهم مما أوجد هوّة عميقة بين الأهل والأبناء.


ماذا عن الآثار السلبية على الصحة العقلية للطفل؟
للصحة العقلية أثر كبير في طريقة التفكير، وفي المشاعر وفي السلوك. لذا من المهم جدًا أن يهتم الأهل، بالصحة العقلية عند الطفل والمراهق، مثلما يهتمون بالصحة الجسدية. ويمكن الأهل توفير صحة عقلية جيدة من خلال ما يفعلونه ويقولونه، ومن خلال المحيط العائلي الذي يوجدونه.
إذ يحتاج الأطفال والمراهقون إلى توطيد العلاقة بينهم وبين أهلهم وأصدقائهم. وذلك لن يتحقّق بتمضية الوقت أمام شاشة التكنولوجيا بكل مجالاتها، فالتلفزيون والآي- باد والآيفون وغيرها من وسائل التكنولوجيا الترفيهية ثبتت مساوئها على الصحة أكثر من حسناتها.

 

كيف يمكن الأهل الانتباه إلى الصحة العقلية لأبنائهم؟

1  المساعدة في بناء علاقات وطيدة وصحية ويكون ذلك عن طريق:

    توطيد العلاقة بين الأهل والأبناء، وبين الأبناء وأصدقائهم. لذا على الأهل أن يمضوا وقتًا كافيًا مع أبنائهم، ويستمعوا إلى مشكلاتهم ويتحاوروا حول كل الأمور.
    وجود شخص مهم يكون حاضرًا دائمًا في يوميات الطفل أو المراهق، ويمكن أن يكون له دور مفتاح لمساعدة الطفل على تخطّي الصعاب. وغالبًا ما يكون أحد الوالدين أو أحد أقارب العائلة مثل الخالة أو الخال، أي أن يكون شخصًا موثوقًا يمكن الطفل أن يمضي وقتًا طويلا معه ويلجأ إليه عند الحاجة.
    تعليم الطفل كيف يمكن تصحيح المشكلات التي تواجهه وتصويبها.

2    مساعدة الطفل أو المراهق في تطوير تقويمه الذاتي بشكل إيجابي، كي يشعر بالراحة في داخله ويكون ذلك عن طريق

    إظهار الكثير من الحب والقبول.
    مدحه على الأمور الجيدة التي يقوم بها، وتسليط الضوء على الجهود التي بذلت للحصول على النتائج الإيجابية.
    مشاركته في الأحاديث المتعلّقة  بنشاطاته واهتماماته.
    مساعدته على تحديد أهداف واقعية.

3  الإستماع إلى الطفل أو المراهق واحترام مشاعره ويكون ذلك عن طريق

    تشجيعه على التعبير عن مشاعره. فمن الطبيعي جدًا أن يكون الطفل أو المراهق إما غاضبًا أو حزينًا من حين إلى آخر.
    المحافظة على تبادل الأحاديث بطرح الأسئلة والإستماع إلى الابن، وقد تكون مائدة العشاء، المكان والزمان المناسبين لتبادل الأحاديث بين أفراد الأسرة ولاسيما الوالدين والأبناء.
    مساعدة الإبن على إيجاد شخص يتحدث إليه، إذا لم يكن مرتاحًا للحديث مع أحد والديه، قد يكون الخال أو العم أو العمة أو أحد أصدقاء العائلة المقرّبين والموثوق بهم.

4  إيجاد محيط عائلي مطمئن وإيجابي

    مراقبة استعمال الابن لوسائل التواصل، التلفزيون والأفلام والإنترنت والألعاب الإلكترونية.
    التنبّه إلى الأحاديث العائلية التي تدور حول مسائل عائلية جدية، مثل الوضع الإقتصادي، أومشكلات بين الوالدين أو مشكلات مرض في حضور الأبناء، فالطفل يميل الى القلق بسهولة.
    تخصيص الوقت للنشاطات العائلية والجسدية.
    أن يكونوا المثال للإهتمام بالصحة العقلية، بالتحدث عن المشاعر وتخصيص الوقت لممارسة النشاطات التي تحبونها.

5  في المواقف الصعبة مساعدة الابن على معالجة مشكلاته ويكون ذلك عن طريق

    تعليمه كيفية الاسترخاء عندما يكون في مزاج سيّء: التنفس بعمق والقيام بنشاط مريح مثل نشاط يشعره بالغبطة أو تمضية بعض الوقت وحده أو القيام بنزهة على القدمين.
    مناقشة الحلول الممكنة أو الأفكار التي من شأنها تحسين الوضع والتخطيط لتحقيقها، على أن يتجنبوا القيام بدلاً عنه، بل عليهم أن يرشدوه فقط، ويساعدوه إذا ما طلب هو.

 

كيف يمكن الأهل معرفة ما إذا كان ابنهم يعاني مشكلة؟
كل شخص فريد من نوعه، إذا كانت الأم تظن أن ابنها يعاني مشكلة عليها أن تتحقق مما إذا كان هناك تغيير في طريقة تفكيره أو رد فعل أو في حالته العاطفية. وتسأل نفسها كيف يتدبر طفلها شؤونه في المنزل والمدرسة. أما مؤشرات ما إذا كان الطفل أو المراهق يعاني مشكلة فهي

 

1  تغيير في نمط التفكير

    التفكير في أمور سلبية أو لوم نفسه على أمور خارجة عن سيطرته.
    لديه صعوبة في التركيز.
    تغيير في علاماته المدرسية.


2  تغيير عاطفي

    رد فعل غير ملائم للموقف الذي هو فيه.
    يبدو عليه الحزن الشديد، والقلق والشعور بالذنب والغضب والخوف والحزن.
    يشعر بعدم القدرة والتشاؤم أو أنه وحيد ومهمل.


3  تغيير في التصرف

    يفضّل الوحدة.
    يبكي بسهولة.
    لا يهتم بالنشاطات الرياضية، أو بالألعاب أو النشاطات الجماعية التي يحبها، أو يتخلّى عنها بالكامل.
    هادئ بشكل مبالغ  أو قليل النشاط.
    لديه صعوبة في الاسترخاء أو النوم.
    يمضي وقتًا طويلا وحده أو يستغرق في أحلام اليقظة.
    يتصرّف بشكل نقوصي Regression عادات غير ناضجة
    يصعب عليه الاسترخاء مع أصدقائه.


4  تغيير فيزيائي

    يشكو آلامًا في الرأس أو البطن أو الرقبة أو أوجاعًا عامة.
    تنقصه الطاقة ويشكو التعب طوال الوقت.
    مشكلات في الغذاء والنوم.
    تصبح لديه عادة سيئة مثل قضم الأظافر أو اللعب بشعره أو مص أصبعه.

ورغم أن هذه الأعراض تشير إلى وجود مشكلة فإن على الأهل أن يعرفوا أن  ظهور بعض هذه الأعراض لا يعني أن الطفل أو المراهق يعاني مشكلة، بل للتأكد من ذلك يجب أن تكون كل هذه المؤشرات موجودة ولفترة طويلة أقله شهر، عندها عليهم طلب مساعدة اختصاصي