واشنطن ـ عادل سلامة
اشتد الصراع السياسي بين سفير أميركا لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، والمرشح الجمهوري الخاسر جون ماكين، وذلك في ضوء الآمال المتزايدة لرايس في أن تفوز بمنصب وزير الخارجية في حكومة أوباما الجديدة، خلفًا لهيلاري كلينتون، حيث تمر رايس بأهم منعطفات حياتها السياسية الحافلة، وكذلك تتلقى أقصى الضربات. وكان الصراع السياسي قد بدأ في انتخابات 2008، حين انتقدت رايس وقتها المرشح الجمهوري جون ماكين، الذي كان قد ارتدى درع واقي في زيارة لأحد أسواق بغداد، خلال زيارة للعراق. و لم تخف رايس التي تقاتل الآن من أجل الحصول على ترشيح لتكون وزير خارجية الولايات المتحدة المقبلة، سخريتها من ماكين، بينما تحدثت عن زيارة أوباما المرتقبة للشرق الأوسط قائلة "لا اعتقد أنه سيتجول في السوق في سترة واقية من الرصاص". يذكر أن اللهجة الصريحة والمهينة كانت مشترك خلال الانتخابات الساخنة، وأيضًا شائع إلى حد كبير مع رايس، ولكن هذا النوع من المشاعر لا يناسب المنصب الدبلوماسي الأعلى، و يبدو أن ماكين سوف يجعل رايس تدفع الثمن الآن، حيث يقود سيناتور أريزونا هجمات شرسة ضد رايس، عن طريق استخدام تعلىقاتها العامة بشأن من كان وراء هجمات آيلول/سبتمبر "الإرهابية" في ليبيا، والتي أسفرت عن مقتل السفير الأميركي، وذلك لتحطيم أحلامها في خلافة هيلاري كلينتون. وفي حين أن الهجوم على قنصلية بنغازي هو السبب المعلن وراء تعهد ماكين بالقيام بكل شيء من أجل عرقلة رايس. يرى البعض أن هناك دوافع شخصية متأصلة في جانب من جوانب شخصية رايس، التي أطلت بوجهها مرارًا و تكرارًا خلال حياتها المهنية، ألا وهي "فظاظتها". حيث يقول أحد المراقبين للخلاف "حقيقة أن سوزان رايس سخرت منه لارتداء سترة مضادة للرصاص في السوق عالقة في ذهن ماكين، وجعل ذلك الأمر شخصي إلى حد كبير، فلقد دعته امرأة لم تخدم في الجيش بالجبان". ليس فقط ماكين والجمهوريين وحدهم هم من ينتقدون "مزاجية" رايس، عندما يتعلق الأمر بوجه أميركا الخارجي المقبل. فلقد كتب دانا ميلبانك كاتب العمود المؤثر لدى "واشنطن بوست" مقالاً لاذعًا، والذي اختتمه بأن "أوباما يحتاج إلى شخص أكثر حساسية، و يمكن لأوباما أن يختار أفضل من سوزان رايس كوزير خارجية"، وأضاف "الروس أيضًا قد تذمروا من تسريبات "Anonymous"، معلنين أن رايس مفرطة الطموح وعدوانية". هذا، ويرى مراقبون أن أوباما قد خاطر بنفسه من أجل رايس، عندما حذر قائلاً أنه "إذا كان ماكين و غيره يريدون مطاردة شخص ما، فعليهم مطاردتي"، فلقد وضع أوباما سلطته الرئاسية على المحك، للمضي في طريقه، وقد يكون ذلك لسبب أن رايس هي أكثر بكثير من شخص يتكلم بفظاظة. ففي وظيفتها الحالية كسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ينظر لها كالمشغل الصارم و الذكي. حيث قدمت الكثير من أجل إصلاح وضع أميركا هناك، بعد الإهمال المتعمد خلال سنوات جورج دبليو بوش. كما أن لديها مسيرة متألقة في الشؤون الخارجية، عبر أدوار بارزة في مجلس الأمن القومي. كما تعد أعلى دبلوماسي أميركي في أفريقيا، و التي قامت بالعديد من التعاقدات في الدوائر الفكرية. كما يراها المدافعون عنها كصاحبة مبدأ ومشاركة وذكية للغاية. و يقول مايكل وليامز الذي عمل مع رايس في 2008 خلال حملة أوباما "إنها امرأة حادة من الدرجة الأولى، تحب تحقيق أهدافها، ولا تعرف الكلل". وقد حققت رايس الكثير من الإنجازات منذ المدرسة الثانوية، حيث جاهدت للحصول على سيرة ذاتية تحسد عليها في المجال الدبلوماسي الأكاديمي والعملي في جميع أنحاء العالم. ولكنها صنعت أعدائها في جحر الأفاعي في واشنطن، و يبدو أن بعضهم سيكون من الصعب إرضائه، حيث عقدت رايس في وقت سابق هذا الأسبوع اجتماعات خاصة مع ماكين وغيره من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، و لكن البعض خرج بنتائج أكثر خطورة مما سبق، و من بين هؤلاء السناتور المعتدلة سوزان كولينز. و مرة أخرى يرى بعض المراقبين أن سمات رايس خشنة في العمل، و قال أحدهم "إنها تحتويهم بشكل خاطئ، عندما تحاول التقرب منهم". وعلى صعيد حياتها الشخصية، لم يكن لدى رايس نشأة صعبة، و على عكس رئيسها، ليس هناك قصة لأم مكافحة، و لم تنشأ في جنوب منقسم عرقيًا مثل كوندلايزا رايس. فسوزان طفلة لعائلة ثرية وراقية، تعيش في واشنطن العاصمة. و كان والدها ايميت جي رايس محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي، ووالدتها لويس ديكسون رايس هي خبيرة تعليم في معهد "بروكينغز" الشهير. و درست رايس (48 عامًا) في المدرسة الوطنية الكاتدرائية الشهيرة، حيث درس أجيال من أبناء نخبة واشنطن. واستطاعت أن تنجح وسط هذا الحشد برئاسة مجلس الطلاب، وكانت طالبة متفوقة، وأظهرت أيضًا تفوق في الجزء البدني، حيث كانت لاعبة كرة سلة (وهو الشيء الذي يقدره أوباما)، و حصلت على لقب "SPO"، و هو اختصار لكلمة رياضي. كما تركت انطباع جيد، حتى أن بعد أن كتب ميلبانك مقالاً ينتقدها، رد جون وود و هو أحد معلميها السابقين دفاعًا عن تلميذته السابقة، قائلاً "لم أرى حدة في تعاملها على الإطلاق، ففي مدرسة صعبة جدًا كانت مضحكة وطبيعية، و كان لديها تركيز كبير، وإخلاص في عملها". و أشار إلى أن المدرسة ما زالت نسخة منقحة من ميثاق الشرف، الذي وضعته رايس قبل ثلاث عقود. و يبدو أن رايس قد أشرقت في الأدوار التي ربطتها بالكوارث الكبرى، مثل تفجير السفارتين الأميركتين في كينيا ودار السلام، و الصراعات الدموية في الكونغو وإريتريا وإثيوبيا. و يقول البروفيسور ويليام زارتمان خبير الشؤون الأفريقية لدى جامعة "جون هوبكنز"، و الذي عمل معها على السياسة الأفريقية "كانت سفيرة رائعة للسياسة الأفريقية، فهي تعرف ملفاتها، و هي صارمة و قوية". ويقول المتابعون أنه لطالما كانت أفريقيا نقطة قوة رايس، فلقد كان الانتقال من حكم الأشخاص ذوي البشرة البيضاء إلى حكم ذوي البشرة السوداء في زيمبابوي موضوع رسالة الدكتوراه الخاصة بها. كما عملت في مجلس الأمن القومي في فترة بيل كلينتون، وتخصصت في مجال حفظ السلام وأفريقيا، وعملت بشدة كداعية لسياسة أكثر تدخلاً، و يأتي هذا الاعتقاد لسبب الفشل في منع الإبادة الجماعية في رواندا في عام 1994، ورسخ ذلك زيارتها للبلاد الظلامية، حيث رأت رايس أكوام من الجثث في الشوارع، حيث قالت لأحد الصحافيين عن التجربة "أقسمت على نفسي أنني إذا واجهت مثل هذه الأزمة مرة أخرى سأتخذ إجراءًا دراميًا، حتى إن كنت سأدخل وسط النيران إذا تطلب الأمر ذلك". و يقول الكثيرين أن هذا يفسر مواقفها الصارمة بشأن قضايا معينة مثل التدخل في ليبيا. والتشدد في حالة السودان، وانتقادها الوحشي لوقف قرار الأمم المتحدة بشأن سورية من قبل الصين و روسيا، الذي وصفته بأنه "مثير للاشمئزاز". و يثول مدير "مركز التقدم الأميركي" جون نوريس "إن الجزء الذي يغيب عن الناس في كل هذا هو أنها مؤمنة، وأنها تهتم حقًا"، حيث تقترن العاطفة مع أخلاقيات عمل شرسة، فأثناء حملها في طفلها الأول، لم تأخذ أي وقت للراحة حتى قبل الولادة، كما تتميز بفكر حريص واتساع في المعرفة. فبينما كانت مستشارة السياسة الخارجية لأوباما، يتذكر مايكل وليامز أنها قامت بإحاطة سفراء أجانب في مؤتمر الحزب الديمقراطي في دنفر عام 2008، وأنه فوجيء بتمكنها من قضايا بعيدة جدًا عن ما يفهمه عن تخصصها، و يقول وليامز "لم أتوقع أن تكون منخرطة لهذا الحد". وعلى الرغم من أخلاقيات العمل، لم يمنعها ذلك من حياة أسرية في الضواحي. حيث إلتقت رايس بزوجها الصحافي التلفزيوني الكندي إيان كاميرون عندما كانت في جامعة "ستانفورد"، و لديهم طفلان، و يعيشون في واشنطن، بينما تسافر رايس إلى نيويورك للقيام بمهام الأمم المتحدة، ما أثار عددًا من الشكاوى بشأن أنها تفوت اجتماعات هامة، و لكن معظم المحللين يرون أن رايس قامت بمهمة جيدة في الأمم المتحدة، بخلاف الانتقاد "الفظ" لروسيا والصين. و يقول نوريس "في الأمم المتحدة، قامت بوضع مجموعة من المهنيين المتميزين بالدهاء السياسي، و يعرفون الأمم المتحدة جيدًا، و نجحت في إنشاء علاقة عمل جيدة مع هيلاري كلينتون، و التي لم تكن دائمًا مضمونة. عندما قامت رايس التي خدمت طويلاً في البيت الأبيض الخاص بكلينتون بالتحول لأوباما، و هو ما رآه الكثيرون حول هيلاري كخيانة، و لكن يبدو أن الجروح قد التأمت". و يقول مايكل أوهنلون من مؤسسة "بروكنغز" و الذي اختلف مرارًا و تكرارًا مع رايس عندما عمل في حملة كلينتون في 2008. "لقد اختلفنا كثيرًا و لكن حتى الآن نحن أصدقاء مقربين، وعلى الرغم من كل شيء، فهي محبوبة جدًا وجذابة". كما يعتقد البعض أن نيران القناصة الحالية ضد رايس متعلقة كثيرًا بالتمييز على أساس الجنس، و ينتقد العديد من الشخصيات السياسية الذكور لعدوانهم، و لكن هناك أيضًا سياسة جادة في اللعبة، فما يقرب من 100 عضو من مجلس النواب الجمهوريين قد اعترضوا على رايس حتى الآن، و لكن قد تكون هذه سياسة حزبية بسيطة، فإذا فشلت رايس في التأهل للترشيح، سيكون الاختيار المرجح هو سيناتور ماساتشوستس جون كيري، والذي سيطرح مقعده في مجلس الشيوخ لانتخابات جديدة. و يعد هذا النوع من السياسة الساخرة هو العالم الذي عاشت فيه رايس لفترة طويلة، فمثلما حدد أوباما سياسة الولايات المتحدة الخارجية في ولايته الأولى بأنها قائمة على الأخلاق بدلاً عن السياسة الواقعية، فإن أوباما زاد المجندين في أفغانستان، وصعد هجمات الطائرات دون طيار في جميع أنحاء العالم، وفشل في إغلاق معتقل غوانتانامو. و يقول نائب رئيس مركز "وودرو ويلسون" البروفيسور آرون ميلر "باراك أوباما أصبح نسخة أقل أيدولوجية، و لكن أكثر فعالية من جورج دبليو بوش". هذه هي الفلسفة التي لا يعتقد أحدًا أن رايس ستغيرها، فإن كلينتون التي تمتلك قوة واسعة، والتي يرى الكثيرون أنها نجحت كسفير عالمي فعال لأميركا، ينظر إلى سياستها الخارجية الأساسية كمنبثقة من البيت الأبيض. لكن رايس أقرب لأوباما من كلينتون، و هذا يقلل من احتمال دعمها، فقد ارتبطت مسيرتها الأخيرة ارتباطًا وثيقًا بأوباما، وهي عضو في دائرته الداخلية. و يقول زارتمان "إنها صارمة، ولكنها تتبع الأوامر"، وهذه الخاصية الأخيرة التي نادرًا ما تذكر قد تنتهي بأنها السمة الشخصية الأهم، اذا نجحت رايس في اعتلاء مقعد أميركا الدبلوماسي. و يقول ميلر "هل ستتغير سياسات أميركا الخارجية، هذا ليس سؤالاً يوجه لرايس، هذا سؤال يوجه لأوباما".