دمشق ـ نور خوّام
احتلت صورة الطفل السوري الذي غرق على سواحل اليونان عناوين الصحف الأوروبية، ولكن كلمات التعاطف من السياسيين لم تترجم إلى أفعال، إلا أن صوتًا واحدًا لم ينخفض طوال فترة أزمة اللاجئين، وهو صوت المستشارة الألمانية انجليلا ميريكل وهي تردد "سنتعامل مع الأمر".
وانخفضت شعبية ميركيل بسبب موقفها من الأزمة، إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2011، ولأول مرة يبدو أن منصب المستشارة لم يعد بأمان، ولكن هذا لم يثنها عن رأيها، وعبّرت أن ألمانيا ستستمر باستقبال اللاجئين، فيما تستمر أعداد طالبي اللجوء هناك بالارتفاع.
وأحدث هذا الكثير من النقد في الأوساط السياسية الألمانية، معتبرين أن هذا الترحيب باللاجئين كان خطأ، وهدد زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي هورست زيهوفر بأنه سيتخذ إجراءات قانونية ضد قرار مريكل، وذهب البعض بوصف موقفها بنهاية مستقبلها السياسي.
وبعد أسابيع من المفاوضات، استطاع الائتلاف الألماني التوصل إلى اتفاق حول قضايا اللاجئين، فسحبت المستشارة خططها المتعلقة بمناطق العبور، وهذا يعتبر فوزًا للحزب "الديمقراطي الاشتراكي"، ولترضي الجناح اليميني في حزبها، اضطرت إلى تسريع إجراءات ترحيل اللاجئين لأسباب اقتصادية، في حين أن بعض اللاجئين سينتظر لمدة عامين قبل أن يسمح لأسرهم بالدخول إلى ألمانيا.
وفي المقابل، حافظت ميريكل على موقفها الأهم، في أنه لن يكون هناك حد أعلى لعدد اللاجئين الذي ستستقبلهم ألمانيا، مبقية على سياستها بالترحيب باللاجئين، فميركل معروفة بالفوز دائمًا، سواء حول الأزمة اليونانية، أم في إنقاذ اليورو.
وتعتبر أزمة اللاجئين الحدث الأكبر في أوروبا، مع تهديد بقرب حدوث أزمة إنسانية إذا ترك اللاجئون بين السماء والطارق، وعلى قارعة الطريق في شتاء أوروبا، وسيستمر عشرات الآلاف من اللاجئين ممن فرو من الحروب في الشرق الأوسط بالتدفق نحو أوروبا، وتبقى خيارات أوروبا بين فعل ما هو ضروري لإنقاذ أرواح الناس، أو إدارة ظهرها لهم، وحتى الآن تقف ميركل وحدها في موقفها الداعم لإنقاذ اللاجئين، متفوقة بذلك على كل الزعماء الأوربيين.
وتلقت ألمانيا في ظل هذه الأزمة نصف طلبات اللجوء السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا، أي حوالي 24 ألف طلب، وهو ما يعادل 12 ضعف الطلبات التي تلقتها بريطانيا، وستكون كارثة فعلًا، لو انتهجت ألمانيا نهج بريطانيا أو هنغاريا في إقامة أسوار لمنع وصول اللاجئين، وستترك مئات اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في العراء في جميع أنحاء أوروبا بلا مأوى ولا غذاء ولا صحة.
وتتخذ هذه الأزمة أبعاد أخرى يمكن أن تؤثر على الهوية الأوروبية الإنسانية، فأوربا بنت نفسها بعد الحرب العالمة الثانية على مبادئ وقيم الحرية والمساواة والتضامن والسلام والرخاء والكرامة الإنسانية، وتعتبر أزمة اللاجئين امتحانًا لمدى تطبيق هذه المبادئ، ومن المفروض أن يكون التنوع في الثقافات والتقاليد واللغات إثراء للقارة العجوز، ولكن يبدو أن أوروبا ستعاني من انعزالية وتخبط في محاولة منها لإرضاء مشاعر معادية للاجئين.
وتصنف أزمة اللاجئين الحالية بأنها الأكبر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقيل إنها التحدي الأكبر الذي تواجهه أوروبا منذ انتهاء الحرب الباردة، ويعتقد البعض بأن سياسة ميريكل الترحيبية باللاجئين فتح الباب على مصراعيه، وأنها هي من صنعت هذه الأزمة.