أبو ظبي - سعيد المهيري
ولم تحدث أي هجمات إرهابية في الإمارت وكان الاستثناء الوحيد هو حالة ءلاء الهاشمي (30 عاما) في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2014، وهي أم إماراتية لستة أطفال وطعنت معلم أمريكي حتى الموت في مرحاض مركز تسوق فاخر في أبو ظبي، وعلمت المحكمة أنها تطرفت عبر الأنترنت من خلال تنظيم القاعدة، وتم اعتقالها وإعدامها رميا بالرصاص في يوليو/ تموز 2015، وربما لا يكون للمفتي سلطة سياسية أو قانونية لكنه يمارس قوية لها تأثير خفي على المجتمع من خلال تشكيل القيم وليس فقط من خلال العمل في مركز الفتوى ولكن أيضا ف المساجد حيث تُعقد حلقات دراسية خاصة بالإناث فقط، ومن بين تلك المحاظرات في مسجد الشيخ حمدان على مشارف أبو ظبي تتحدث ادثال الشامسي وهي مدرسة اماراتية متقاعدة (57 عاما) وحاصلة على لقب حافظة لحفظها القرآن، وتضاء مآذن المسجد باللون الأخضر وفي الخارج تتواجد حافلات لنقل الفتيات الصغيرات إلى منازلهم بعد إنتهاء دروس القرآن، ويقع قسم النساء في الجزء الخلفيم ن المسجد حيث تصعد الدرج الحلزوني وتفوح رائحة خشب الصندل من قاعة الصلاة.
وتقول الشماسي في محاضراتها " بالنسبة لنظرة الرجل إلى المرأة، فربما يكونا زملاء عمل مثلا أو في المحكمة، وإلا فيجب تجنب النظر للعين، وأنصح النساء بآلا يخرجن بالكثير من المكياج والتنانير القصيرة والملابس الضيقة"، وبعد الانتهاء من الدرس قبلت النساء الشماسي، ولا تصدر الشماسي فتوى ولكن حفظها للقرآن يمنحها رخصة الحديث في عن موضوعات محرمة في المجتمع العربي، وحذرت الشماسي من أن الرجال يجب آلا يشاهدوا المواد الإباحية لأنها تجعلهم يفقدون خلاياهم العقلية وأن الجنس الشرجي يعد خطيئة، وأحيانا تختار الشماسي الموضوع الذي تتحدث فيه وأحيانا تختار الأوقاف الموضوع، وفي نهاية الدرس يتم غرساله ملاحظتها إلى سلطة الأوقاف لفحصها خشية دعم الإسلام الراديكالي، وأصبح الجميع تحت رقابة مشددة منذ الربيع العربي، ولا أحد يناقش أمور السياسة في المحاضرات الدينية، وتابعت الشماسي " لماذا يتعرض النساء والأطفال للقتل في سوريا، فإذا قتلت ولا زلت أصلي فسوف أذهب إلى النار، وباعتباري مسلما لا يحق لي حتى سرقة قلم"، ولكسر حدة التوتر أثناء الدرس تمرر إحدى النساء أكواب من السحلب.
وتم افتتاح الخط الساخن للفتوى عام 2007، وفي العام التالي سافر فريق من العلماء إلى المغرب لتوظيف الخبيرات، حيث تتبع المغرب أيضا المذهب المالكي في الإسلام، وتفتقر الإمارات إلى المرأة الإماراتية المؤهلة، ووصلت المرأة للتعليم مؤخرا، حتى أنه من غير العادي أن تحصل الشماسي بين أبناء جيلهاع لى شهادة جامعية، وفي عام 1980 كان هناك فقط 2.7% من النساء ذهبن إلى الجامعة ولكن اليوم تفوق المرأة الإماراتية عدد الرجال في مرحلة ما بعد التعليم الثانوي حيث يمثلون نحو 70% من الطلاب في الجامعات الحكومية، ولدي النساء سجل حافل في مرحلة ما بعد التعليم الثانوي، حيث كانت الشيخة راضية والشيخة نعيمة متخرجات جدد عند توظيفهم في مركز الفتوى.
وحصلت الشيخة راضية على الدكتوراة في العلوم الإسلامية من جامعة محمد الخامس وتخصصت في الفقه، وكان دراستها حول رد الإسلام على اعتقاد المسيحية بأن المسيح يسوع ابن الله، ولديها مئات الأحاديث في متناول يدها، ويمكنها تفسير معناها وسياقها التاريخي بسهولة، وحصلت السيخة نعيمة على الدكتوراة من جامعة محمد الحسن الثاني في الدار البيضاء في كزابلانكا وهي حافظة للقرآن، وتربت الشيخة نعيمة التي يعمل والدها كصانع أثاث في أسرة متدينة، ولم يكن غريبا أن إيمانها كان هو مهنتها الدعوية، وربما يكون المفتي غير عادي في العالم الإسلامي الحديث ولكن لم يكن ذلك هو الحال طوال التاريخ الإسلامي، ففي عهد النبي محمد أصدرت نحو 130 امرأة عدة أحكام دينية، وأبرزهم السيدة عائشة زوجة الرسول الثالثة، وتمت فهرسة أسماء ما يقرب من 10 آلاف امرأة من العلماء معروفين في التاريخ بواسطة محمد أكرم الندوي الباحث الإسلامي الشهير الذي يعيش في أكسفورد، وأوضح الندوي " نشأنا في مجتمعات إسلامية حيث كانت النساء تُحبط من أي شيء، وهناك مساجد في بريطانيا لا تسمح بدخول النساء، ولكن قديما كانوا يعلمون ويدرسون في المساجد وكان ذلك أمر طبيعي".
ولا يناسب المفتيون أي فئات واضحة من التفسيرات الليبرالية أو المحافظة للقرآن الكريم، وأحيانا الفتوى الصادرة في أبو ظبي تمر بصعوبة بسبب قوانين البلاد، واتصل مؤخرا رجل من المغتربين بالخط الساخن وأوضح أن زوجته لديها وظيفة لكنها لم تكن تشارك في نفقات الأسرة، وأنه يفكر في إلغاء تأشيرة زوجته التي منحتها حق العمل في الإمارات وإرسالها إلى وطنهم، ويعد ذلك جائزا قانونا لكنه أراد أن يعرف ما إذا كان ذلك يعد خطيئة، وتبين أنه بالفعل يعد خطيئة، وجاء حكم الفتوى " لا يحق للزوج أخذ راتب زوجته أو حتى جزء منه دون رضاها الكامل"، ولن تتناسب آراء العلماء النساء إلى التعريف العلماني الغربي للنسوية، ونصحت الشيخة نعيمة النساء أنه إذا ما تأكدن أن أزواجهن يمارسون علاقات بلا زواج عليهم الزواج من عشيقاتهم كزوجة ثانية بدلا من الوقوع في خطيئة الزنا، وأجابت الشيخة راضية على إحدي السيدات التي أوضحت لها أن زوجها على علاقة بأخرى وأنها حزينة وسألت عما يجب أن تفعله، وقالت لها راضية "يجب أن تكملي حياتك، ولا تجعلي زوجك مركز حياتك، هل لديك أطفال؟ يجب أن تركزي معهم، وفكري بزوجك كزائر في المنزل يمكنه أن يأتي ويأكل ويذهب وينام وفقط، من المؤسف وقوع امرأة في حب رجل متزوج".
وتقول الشيخة راضية " لا يمكن اقناعها بالطلاق، فالطلاق يعد خطيئة يجب تجنبها، ولكن إذا كان زوجها يضربها على سبيل المثال فالإسلام يحرّم العنف المنزلي، فعندما تخبرني امرأة أن زوجها يضربها أسألها عما إذا كان هناك سبيل للمصالحة، وإن لم يكم أخبرها بأن تستدعي الشرطة والخدمات الاجتماعية"، وفي ظل سعي الإمارات للجمع بين الطراز الغربي والحداثة الإسلامية يتغير دور المرأة، حيث أن معظم النساء سواء كانوا إماراتيين أو عرب أو آسيويين مغتربين يتقاسمون العبء المالي مع أزواجهن ويعملون خارج المنزل، ويتواصلون مع أفكار وثقافات جديدة، وبدأت بعضهن في تحقيق الأفكار التي يقبلونها مع كبر السن، حتى أن عدد قليل من النساء يشككون في ضرورة ارتداء الحجاب، وتعطي الشيخة نعيما تعاضرة في مسجد تم تجديده حديثا ويقع في حي الأثرياء حيث يحيط به الفلل ذات الأسوار العالية، وتجلس الشيخة نعيمة تتناول القهوة بينما يعد معظم جمهورها في الثلاثينات والأربعينات وأكبر ومعظمهم إماراتيين وبعضهم فلسطينيين وسوريين ومغاربة.
وتناولت المحاضرة خطيئة قول الشائعات عن أشخاص آخرين، وسألت امرأة فلسطينية سؤال "هل تغطية الشعر إلزامية؟ فبعض النساء يغطون شعرهم والبعض لا"، وأجاب الشيخة نعيمة " نعم إنه إلزامي وهو أمر في سورة النور"، لكن المرأة الشابة لم تكن راضية وأوضحت أنها ارتدت الحجاب في سن المراهقة وهي الأن في عمر الثلاثين وغير متزوجة وهي تخشى من أن تبدو من الطراز القديم، ونصحتها شقيقتها بأن خلع الحجاب خطيئة وترتدي والدتها أيضا الحجاب لكنها مترددة حيث نشأت في فترة السبعينات بشكل علماني حيث كان القليل من النساء العربيات يغطين شعرهن، وسألت المرأة الشابة عن النقاب الذي يغطي الوجه ولا يظهر سوى العينين، وأجابت الشيخة نعيمة " إنه خيار ثقافي لبعض الدول في الخليج ولكن ليس عليك ارتداؤه"، وشكرتها المرأة الشابة بأدب قائلة " الشيخة نعيمة لديها المعرفة وسوف أستمع لما قالته ولكن كنت أتمنى لو لم أرتدي الحجاب، أحب إظهار شعري".