فتاة ارتدت النقاب بعد التدين

رغم أن "شيرين" كانت من أسرة ليبرالية وعلمانية، وكانت تتمتع بكامل حريتها، وكافة حقوقها التي تساوت فيها مع إخوتها، إلا أنها تخلت عن كل ذلك واتخذت الشريعة الإسلامية طريقة جديدة لحياتها.

وتروي شيرين (33 عامًا) قصة تحولها من الإلحاد إلى التدين وارتداء النقاب.

تغيّرت قناعة شيرين التي تنحدر أسرتها من مدينة عفرين بشمالي حلب، بعد أن أقامت حفل عيد ميلادها في منزلها ودعت إليها جميع أصدقائها في الجامعة، بمن فيهم زميلها محي الدين الذي كان الشاب الوحيد المتدين من بين مجموعة الأصدقاء.

درست شيرين التي ولدت في دمشق وترعرت فيها، التاريخ في جامعة المدينة وتخرجت منها.

وفي عيد ميلادها، دعت جميع أصدقائها بمن فيهم زميلها المتدين محي الدين، من باب المجاملة لا أكثر، لأنها حسب قولها كانت تخمن عدم حضوره بكل الأحوال بسبب أجواء الحفلة التي كانت المشروبات الكحولية شائعة في مناسبات كتلك".

لكنها تفاجأت بقدومه حاملًا بيده هدية، وكان حضوره مثار دهشة جميع الحضور. فالجميع كان على علم بآراء شيرين ومعتقداتها وطريقة حياتها التي لم تكن تخلو من المغامرات الشبابية وجرأتها في ارتداء ما تريد من ملابس مثيرة دون أن تأبه لآراء المجتمع، فضلًا عن انفتاحها في تعاملها مع أصدقائها.
 
كان ذلك قبل اندلاع الحرب السورية المستمرة منذ عام 2011.

أما محي الدين، ترعرع في أسرة متدينة ومحافظة جدًا بعكس عائلة شيرين. إذ كانت النساء في عائلته يرتدين النقاب ولا يخالطن الرجال إلا المحارم، وكان قد عاش حياته متنقلًا مع أسرته بين مصر والأردن وسورية والسعودية.

وتسترسل شيرين بالحديث عن خصال محي الدين قائلةً: "كان الجميع يحترمه لحسن خلقه واحترامه للرأي الآخر رغم تدينه واختلافه، لأنه لم يكن متزمتًا أو متعصبًا، ولم يكن يجادل في المواضيع التي كان يصفها بالعقيمة في بعض الحالات. وكان هادئًا قليل الكلام، لكنه إذا تكلم، فكان حديثه جذابًا مقنعًا وخاليًا من الانفعال، فضلًا عن حسّ الفكاهة والدعابة لديه، وكان من أكثر أصدقائي وسامة آنذاك".

ووالد شيرين، رجل ليبرالي منفتح، ولم يفرض يومًا طريقةً أو أفكارًا معينة على أبنائه، بل شجعهم على خوض تجارب الحياة والإكثار من مطالعة الكتب وتبني ما يختارون من أفكار ومعتقدات، هكذا تصفه ابنته بفخر، وتضيف: "إنه سبب سعادتي بل حتى تديني، وأفتخر به وبآرائه".

هدية عيد الميلاد

كانت معرفة شيرين بمحي الدين حديثة نوعًا ما عندما دعته مع مجموعة من أصدقائها إلى الحفلة.

وتقول شيرين: "دعوته كي لا يشعر بالاستبعاد بسبب تدينه، لكنه عندما فاجأني بحضوره، قدمته إلى والدي وإخوتي الذين رحبوا به بكل احترام وسرور".

وبعد مرور ساعة من الحفلة الصاخبة، قدم الأصدقاء هداياهم، وناولها محي الدين هديته التي تفاجأت بها حينما فتحته.

وقعت عيناها على خطوط ذهبية مرسومة على الغلاف الخارجي لكتاب ما، كان واضحًا أنه مصنوع يدويًا، "بدت مذهلة وغاية في الجمال".

تصف شيرين تلك الهدية بأنها كانت نقطة التحول الأولى نحو التدين، لكنها لم تعلم بذلك لحظتها.

وتصف الموقف قائلةً: "عندما فتحت العلبة، انعكست أضواء الغرفة على الزخارف الذهبية التي رسمها محي الدين بيديه على غلاف المصحف الكريم، كان أول رد فعل لي هو الصمت والهدوء والمفاجأة وربما الارتباك، لكنه لم يكن شعورًا مزعجًا، أما أصدقائي وأسرتي فصمتوا لبرهة، لكنني تصرفت بحكمة وسرعة من باب اللباقة التي تربيت عليها، قبلت الهدية بابتسامة كبيرة ووعدته بقراءته حتى الختام".

"وقعت في حبه"

وتتابع شيرين: "أحسست من خلال تلك الهدية غير العادية، بمدى اهتمامه بي، لأنه وبجرأته في تقديم هدية كهذه لي على مرأى من أنظار جميع أفراد أسرتي، لا بد وأن يكون بدافع قوي وجدّي".

كانت شيرين محقة في ظنها، لأن الشاب كان معجبًا بها، لكنه لم يتجرأ على البوح بذلك، فاختار طريقة وصفتها شيرين بـ "الذكية والمغامِرة" لإخبارها بذلك بطريقة تخفف من مقدار إحراجه في حال كان رد فعلها الرفض أو أي تصرف آخر غير متوقع

وفت شيرين بوعدها، وقرأت المصحف، وختمته خلال أسبوع، وفي تلك الأثناء أصبحا أكثر قربًا من بعضهما البعض والتقيا عدة مرات.

وتوضح شيرين قائلةً: "لم أكن أتوقع الكم الهائل من الصدق واللباقة والثقافة التي كان يمتلكها، كان أسلوبه في الإقناع سلسًا جميلًا ناعمًا، وكان قد اعترف أخيرًا من خلال لقاءاتنا المتكررة بحبه لي منذ أول لقاء بيننا رغم اختلافنا".

طلبت منه المزيد من الكتب الدينية، وشعرت بارتياح في علاقتها معه، وفي لقاءات لاحقة، كانا يتجادلان ويتحاوران كثيرًا حول ما كانت تقرأه بما في ذلك كتب التفسير والأحاديث النبوية.

وبعد مرور عام على علاقتهما، كانت شيرين قد اقتنعت تمامًا بالارتباط به، لكن الشيء الوحيد الذي كان يجعلها تتردد، هو نمط الحياة التي ستفتقده وتُحرم منه، مثل رحلات الأصدقاء التي يجتمع فيها الفتيات والشبان وجميع المناسبات العائلية التي لن يكون بمقدورها المشاركة بسبب النقاب الذي كانت تفكر في ارتدائه.
"موت سريري"

أقرأ ايضــــــــاً :

مغتصبو الأيزيديات الدواعش يحرصون على اعطائهن وسائل منع الحمل لضمان بيعهن

ما لبثت أن شعرت شيرين أن علاقتها بمحي الدين أصبحت قوية، فكان لا بد من إخبار والدها، فهو المثل الأعلى لها، ولن تخالف رأيه حتى ولو كان ذلك يكلفها سعادتها بحسب قولها.

كان قد مر وقت طويل على علاقتهما، وقرأت العديد من الكتب خلال تلك الفترة، وكان محي الدين زار منزلها وقابل أسرتها عدة مرات.

تحدثت عن إعجابها بالشاب إلى والدها، إذ قررت في قرارة نفسها إنهاء الأمر وحسمه أيًا كانت النتيجة.

شعر إخوتها بالصدمة من قرارها عندما أخبرتهم بالأمر، ورفضوا بشدة خشية أن تشعر بالندم بعد الزواج منه، لأنها لم تعتد على العيش في مثل تلك الظروف.

ووصف إخوتها حياتها بعد الزواج من الشاب بـ "الموت سريريًا"، أي أنها ستكون هناك بجسدها ولكن لن تمتلك الروح المرحة والتفاؤل والنشاط التي عوّدتهم عليها.

وراهن معظم أصدقاؤها على فشل علاقتهما خلال فترة قصيرة بسبب معرفتهم بشخصية شيرين المحبة للحرية.

لكن والدها أخذها بصدر رحب وجلس معها على انفراد ليتأكد من أسباب ودوافع ابنته في هذا التغيير المفاجئ في حياتها.

وبعد أن كشفت شيرين لوالدها عن قناعاتها وأسهبت في الحديث عن أخلاق محي الدين الحميدة، واستعدادها للتكيف مع نمط حياته وتأكيدها على أنها لن تندم على قرارها، فاجأها والدها بكلمات ما زالت تذكرها شيرين وتحب أن ترددها في كل مناسبة لأنه حسب قولها سبب سعادتها الآن ومصدر فخر لها".

وكان موقف الوالد واضحًا، ولخصت شيرين حديثه الطويل معها ببضع أسطر قائلةً: "إنها حياتك الآن، أي ملكك، وكنت دائمًا أشجعكم على اختيار قناعاتكم بالطريقة التي تشعرون فيها بالراحة والسعادة، بغض النظر عن رأيي وموقفي، لأن الأهم بالنسبة لي هو سعادتك التي سترسمينها بالطريقة التي تشائين، وسوف لن أقف حجر عثرة في طريقك، ولكن إذا شعرت بالندم يومًا ما، فاعلمي أن صدري منزلك، تعودين إليه متى ما شئت وتبدأين حياتك من جديد وسأدعمك ما حييت".

وبعد فترة تزوجت شيرين ولبست النقاب، وانتقلت مع زوجها محي الدين إلى السعودية عام 2014 بسبب الحرب الدائرة في سورية.

وتقول: "لا أخفي شوقي لأصدقائي سواء كانوا رجالًا أم نساء، وأفتقد تلك الأجواء المبهجة التي أصبحت ذكريات جميلة لن تتكرر، لكنني هنا أصنع ذكريات جديدة مع أطفالي وزوجي وسيصبح حاضري الآن ذكريات جميلة في المستقبل، ولم أندم على التزامي بالدين، رغم أن الجميع راهن على عدم استمرار العلاقة بيننا وفشلها".

وتوضح: "الفضل يعود لوالدي، فلولا ليبراليته وانفتاحه ودعمه لي، لما كنت مع زوجي الآن، ورغم أنه علماني وكذلك إخوتي، لكن آراءنا المختلفة لم تضعف الحب والرابط العائلي القوي الذي يجمعنا كعائلة، وهناك علاقة احترام ومحبة متبادلة بينهم وبين زوجي الذي لم يتحدث قط بسوء عن أسرتي، لكن عائلته تفعل ذلك أحيانًا وتصفها بأنها عائلة ملاحدة بطريقة غير محبذة.

واختتمت حديثها: " لا أبني قراراتي وتصرفاتي بناءً على تعليقات الجهلة أو المتعصبين بل وفقًا لأسس ومبادئ الإنسانية والتسامح بين جميع أبناء البشر"

وقد يهمك أيضًا:

"هيومن رايتس" تكشف عن واقع مأساوي للمحررات الأيزيديات