أم لاجئه وطفلتها


داخل إحدى القوافل في معسكر كالييه Calais  على الحدود الفرنسية،  كانت هناك فتاتان تمرحان، بينما تنشغل الأمهات بتدبيرأشياء أخرى، وبدلا من أن تقضي الفتاتان عطلة عائلية، ظهرت تلعب على أحراش مغطاة بالطين مع عدم وجود كهرباء أو تدفئة للمكان.
 
على بعد دقائق قليلة بواسطة السيارة من ميناء العبارات، يوجد مخيم new Jungle أو الغابة الجديدة يمثل مأساة كبيرة ويكشف بوضوح عن التعنت تجاة أزمة اللاجئين. حيث يتواجد هناك 200 امراة وطفل من بين 4.000 من اللاجئين مكدسين في الخيام  المغمورة بالمياه. كما يعيش آلاف آخرون في ظروف مماثلة بالقرب من دونكيرك Dunkirk في الوقت الذي يخاطر فيه الشباب بحياتهم عبر القفز علي القطارات أو الشاحنات من أجل عبور القناة.
 
ومن بين العائلات التي هربت قبل شهرين من سورية تجنبا لمصير جيرانهم الذين تعرضوا للقتل في منازلهم منذ أسبوع مضي، نجد ريما وابنها الخجول عدنان البالغ من العمر خمس سنوات وشقيقته نور ذات الأربع سنوات. وكان والد الأطفال قد تعرض للسجن عام 2012 حينما كانت نور لا تزال تبلغ من العمر شهرين. وتؤكد ريما علي أنها توسلت مرات عديدة إلي السجناء من أجل إطلاق سراح زوجها وقامت ببيع كل ما تملكه للحصول علي المال الذي طلبوه، إلا أن ذلك لم يكن كافياً وتم إخبارها بعد عام بأنه لقي حتفه رافضين إعطائها جثته. وعن الوضع الحالي الذي تعيش فيه ريما، فقد قالت بانه لا توجد تفجيرات ولكن ما زال الخوف سائد مع شدة برودة الأجواء
 
يذكر أن ريما وأطفالها كانوا من بين اللاجئين الذين سلكوا الطريق من تركيـا وحتى أوروبا الغربية في أجواء مخيفة ليلاً بحسب ما تقول ريما التي كان تحمل أطفالها داخل حقيبة تضعها علي ظهرها. ورغم إعيائها إلا أنها واصلت السير في درجات حرارة بلغت 41 درجة سليزية.


 
وسادت أجواء من الصخب والفوضي في المخيم اختلطت بها مشاعر القلق والخوف لدي الأمهات هناك إلى حين حضور شرطة مكافحة الشغب. وعلى الرغم من ابتعاد المنازل الفرنسية بضعة ياردات فقط فضلا عن إمكانية الوصول بالسيارة إلى ميدان كالييه Calais والمطاعم هناك، إلا أن قاطني مخيم الغابة الجديدة يعتمدون على الشموع في الإنارة وإشعال النار من أجل التدفئة.
 
وخلال الأمطار الغزيرة، فقد تعرضت المنطقة للغرق، فيما انتشر الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته الشرطة في الهواء لتفريق اللاجئين المتظاهرين والذي امتزج مع الضوضاء وانعدام الأمن مع تأثير ذلك على الأطفال الذين باتوا مذعورين.
 
وكان من بين سعداء الحظ ما يقرب من 400 سيدة وطفل وجدوا مأوي لهم في مركز جولي فيري Jules Ferry الذي تديره الحكومة. حيث يتم تقديم وجبات ساخنة يومياً لما يقرب من 2.500 من سكان مخيم الغابة الجديدة الذين يعيشون خارجه فضلاً عن دش ساخن لنحو 1.000، وكثفت الجهات المانحة والجمعيات الخيرية البريطانية والفرنسية أيضاً من مساعداتها عبر توفير ملابس وحفاضات للأطفال، ولكن النوايـا الحسنة وحدها لا يمكنها توفير الإضاءة أو التدفئة أو مكان خاص للغسيل. وبالتالي لم يتبقي سوي منح الأمل للأمهات في حياة أفضل.
 
ذكرت زاري بأن طالبان Taliban لا تحب أن يلعب أحد الموسيقى، مشيرة إلى أن زوجها الذي كان موسيقيا قد تعرض للضرب المبرح جراء ذلك قبل أن يتعرض للسجن، ولكنه تمكن من الهرب والفرار هو وعائلته. وأضافت زاري بأنها وأفراد عائلتها يواجهون مخاطر عديدة فضلاً عن عدم حيازتهم لملابس أو حقائب نظراً لانهم باعوا منزلهم وأرضهم من أجل سداد المال للمهربين.
 
ومع مرور ثلاثة أيام من السير ليلاً بدون حذاء بعدما تعرضت للكسر، إلا أنهم واصلوا رحلتهم التي كانت مخيفة للأطفال وظلوا يبكون من الجوع والعطش. وأشارت زاري إلى أن العبور من تركيا إلى اليونان كان الأكثر رعبا بعدما تم تحميل الزورق المطاطي 45 شخصا إضافيين.
 
وأصرت زاري على أن الرحلة وبرغم خطورتها، إلا أنه كان لابد منها بسبب الإضطرابات التي تعاني منها البلاد من تفجيرات، وقصف كاد يودي بحياة ابنتها التي أصيبت في ساقها بطلق ناري. وتأمل عائلة زاري في أن تنضم إلى أحد أقربائها الذي يقيم في لندن، إلا أنها لا تملك المال الكافي من أجل إعطائه للمهربين، في الوقت الذي يبحث فيه الزوجان اللذان لا يجيدان القراءة والكتابة عن توفير التعليم لأبنائهم.


 
وصلت عائلة سارا، المكونة من أربعة أفراد، إلى مخيم الغابة منذ 45 يوما، ولكنهم يقولون بأن الحياة أصبحت لا تطاق، آملين في الذهاب إلى المملكة المتحدة ولكنهم في الوقت الحالي قرروا طلب اللجوء إلى فرنسا. وفي الآونة الأخيرة، أصاب حريق هائل شب في إحدى الحظائر الخشبية الشقيقة الكبرى هناء التي تبلغ من العمر سبعة أعوام في ساقها، وهو ما أصابها بالرعب وجعلها لا تقترب من النار حتى وإن كان الطقس باردا جداً.
 
وكانت العائلة قد هربت من العراق متجهة إلى تركيـا على أثر المواجهات المندلعة هناك، وتدمير جماعة داعش الإرهابية لكل شيء، فضلا عن توجيه الطائرات الأمريكية لقصف جوي وانضمام الأكراد البيشمركة إلى القتال الدائر.
 
استطاعت فاطيما وأطفالها الانتقال للتو إلى مركز جولي فيري Jules Ferry الذي تديره الحكومة، وقد كان زوجها داعماً لنظام القذافي الذي أطيح به في ثورة الربيع العربي، ومن ثم وضعهم ولاؤه السياسي في موقف خطير. ومع افتقادهم للأمان وخوفهم على الأطفال، فقد كان عليهم الفرار بخاصة مع تعرض زوجها للضرب والاعتقال فضلا عن الإرهاب الذي كانوا يعيشون فيه مع قدوم المسلحين لمنزلهم مرات عدة.
 
وغادرت العائلة البلاد في سبتمبر متجهة إلى إيطاليـا عبر استقلال أحد القوارب الذي كان يحمل 450 شخصا إضافيين، ما جعلهم يتخلوون عن كافة الأشياء التي كانوا يحملونها معهم في الرحلة عبر البحر الأبيض المتوسط إلى لامبيدوسا Lampedusa، وأضافت فاطيما بأنهم واجهوا الموت بعدما ظلوا عالقين في البحر لمدة 24 ساعة بسبب تعطل المحرك، ولم يكن سوى الرب هو من وقف بجانبهم ومنحهم قوة للصمود في وجه الخوف. فلا يوجد خيار آخر بحسب ما تقول سوى الذهاب في الرحلة والمخاطرة وإلا فإن المصير هو الموت في ليبيـا.