طوباس ـ فلسطين اليوم
تستعيد نائلة مدراسي، التي تقف على إدارة المدرسة منذ سبع سنوات، فصول المكان الذي تأسس في خمسينيات القرن الماضي، وكان سجنا خلال الاحتلال البريطاني، ثم عقارا مستأجرا عُرف بدار الزعبي، قبل أن تبدأ ملامح المبنى الجديد بالظهور عام 1970.
تقول في الحلقة السابعة عشرة من برنامج وزارة الاعلام الدوري: 'أصوات من طوباس' الذي واكب هذه المرة حكاية مدرسة بنات طوباس الثانوية، وسيرتها التاريخية، ومسيرة تميز طالبتها، وقصة الأزهار والنباتات التي تنتشر في أروقتها بشكل لافت: 'عرفنا من حكايات الآباء والأجداد، أن مدرستنا كانت تشتهر بتحفيظ خريجاتها للقرآن الكريم في الصف السادس، وتتوج ذلك بحفل تخريج سنوي، ترتدي الطالبات الزي الأبيض، ولم تكن غرف المدرسة إلا صفين، ونتذكر ما سمعناه عن غصون مساعيد أول المعلمات في طوباس'.
ووفق المربية مدراسي، فقد كانت طالبات طوباس ينتقلن إلى نابلس لإكمال الصفوف الثانوية، وكان عدد منهن يترك التعليم بسبب هذا، إلى أن تأسس عام 1975 أول صف ثانوية عامة للفرع الأدبي، تبعته صفوف الفرعين العلمي والتجاري بعد نحو عشر سنوات، إلى أن تضاعف اليوم عدد الدارسات إلى 8 شعب لصف 'التوجيهي' ذاته.
وتضيف: تناوبت على إدارة المدرسة خديجة، وهدى فتيان من نابلس، فصفاء بخيتان من جنين، فيما تغيرت مئات الوجوه من المعلمات، حتى استقر الحال اليوم على ثلاثين، وتبدلت آلاف الدارسات.
وتستذكر: حصلت طالبات المدرسة على مراكز متقدمة، وانتزعن أمكنة في قائمة العشرة الأوائل على مستوى الضفتين الشرقية والغربية (قبل قيام السلطة الوطنية)، مثل زين العريان، ورويدة صوافطة، والأختين: نهى وسحر خضيري، وإنعام عبد العزيز، وعائشة صبيح، وشذا صوافطة، ونور دراغمة، وإنشراح أبو دواس.
والمفارقة أن بعض المتفوقات على مستوى فلسطين والأردن معًا لم يكملن دراستهن الجامعية وتزوجن في وقت مبكر، فيما انتقلت أخريات لمقاعد الجامعات المحلية. وتضيف: في الأعوام السابقة كان عدد الطالبات 420، ونشاهد تناقصا للعدد، وقد يعود الأمر لتوجه تنظيم النسل، بخلاف ما كان الحال عليه في الماضي.
ووفق مدارسي، فإن محافظة طوباس والأغوار الشمالية تضم 42 مدرسة 14 منها تحتوي على صفوف للثانوية العامة (استطاع العام الحالي انتزاع 3 مقاعد من بين العشرة الأوائل)، واللافت أن 14 من خريجاتها يتعلمن اليوم في تخصص الطب، وسبقتهن عشرات المهندسات والمعلمات.
وشهدت 'بنات طوباس الثانوية' قفزة في مبانيها ومرافقها، إذ صارت تضم مسرحا ومكتبة وقاعة حاسوب ووحدات صحية واسعة ومظلات للساحات، وحدائق، فيما تنتشر في كل ردهاتها أزهار وشجيرات نسقت بعناية كبيرة، وتعج الجدران بعبارات تحث على النظافة والاهتمام بالبيئة، فيما تحمل لافتات معدنية مقولات ورسومات تراثية.
تقول مدراسي، التي تخرجت من المدرسة ذاتها، ونالت شهادة الأدب الإنجليزي من جامعة بيرزيت عام 1983، إنها بدأت بمسيرتها التربوية منذ 31 سنة، وتنقلت بين مدارس عرابة في جنين، وعقابا، وطمون، وطوباس. كما حرصت على غرس الأزهار والأشجار في الأمكنة التي عملت فيها.
وتتابع: لم استمع إلى تحذيرات من الأهالي والمعلمات لوجود عابثين يقتلعونها، وكررت المحاولات عدة مرات إلى أن نجحت في مهمتي، وكنت أقترح على الطالبات والمعلمات المساعدة في توفير ثمن الأشتال، وبدلنا أنواعها مرارا، حين كانت الأزهار الجورية والنباتات الرقيقة تغري الزائرين، وتدفعهم لقطفها والحصول على فروع منها. وصرنا نزرع الشجيرات الصلبة والقوية ودائمة الخضرة، وأصبحنا نُكثر الهرمون للأشتال داخل المدرسة، والأهم أن الطالبات والموظفات في المدرسة يتشاركن في زراعة الأزهار وريها، فيما تتحسن نفسية من يشاهدها، بدلا من الجدران الصماء.
واختتمت مدراسي قولها: كل من يزورنا يكرر بطريقته عبارة: أنتم لستم مدرسة، أنتم كلية، ويستوقفه تفوق زهراتنا واخضرار أزهارنا.
بدوره قال منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف، إن 'أصوات من طوباس' يرسم مشهد المحافظة بكل تفاصيله، ويعكس أحوالها ويتتبع أصحاب مهننا القديمة والشهود على تاريخا ونضالها.
ويضيف: تجسد المدرسة واحدة من فروع الحياة التي تمس كل أسرة، وتعيش في ذاكرة كل خريج، وتسكن 12 سنة مع الدارسين، لكنها في حالة 'بنات طوباس الثانوية' فضاء تعليمي وبيئة خضراء تنبض بالحياة، في مشهد غير شائع كثيرا في مدارس الوطن.