الدوحة ـ فلسطين اليوم
يواجه أكثر من 50 ألف طفل في الصومال خطر الموت جوعا بسبب الجفاف المتواصل هناك جراء العديد من العوامل، ومنها "ظاهرة النينو المناخية"، إذ أصدر مكتب الإغاثة الإنسانية التابع للأمم المتحدة مؤخرا، تحذيرا شديدا قال فيه إن الوضع فيما يتعلق بسوء التغذية هناك "ينذر بالخطر"، مضيفا أن نحو مليون صومالي "بالكاد يوفرون احتياجاتهم الغذائية" .ويعود السبب جزئيا في الجفاف الذي يضرب الصومال لتلك الظاهرة المناخية "النينو" التي تؤثر على شرق وجنوب إفريقيا، وهي ظاهرة مناخية طبيعية تحدث كل ثلاث سنوات في المحيط الهادئ، وقد تستمر هذه الظاهرة لمدة خمس سنوات، وتتسبب في تبدلات مناخية في كل الكرة الأرضية، وتتمثل في الجفاف والفيضانات وتدمير المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى زيادة معدلات الاختناق والكثير من الأمراض الناجمة عن الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.
وتحدث ظاهرة "النينو" نتيجة عدة عوامل منها وجود تيارات ساخنة في المحيط الهادئ تؤدي إلى التغير الكبير في درجات حرارة المياه، بالإضافة إلى أن الثلوج الكثيفة المتساقطة شتاءً على القارة الآسيوية تؤدي إلى إحداث اختلال حراري في فترة ذوبان الثلوج في فصل الصيف، وبالتالي اختلال في حركة التيارات المائية القريبة من المحيط الهادي، بالإضافة إلى تأثير بعض الكواكب القريبة أو العواصف الشمسية والتغير في دوران الأرض.ونتيجة الأحوال الجوية التي ترافق ظاهرة النينو، فإن الظروف لا تكون مهيأة لزراعة القمح، كما أن إنتاج السكر قد ينخفض، وهذا يعني تأثير "النينو" كظاهرة مناخية على الإنتاج الزراعي، مما سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع الأسعار العالمية للغذاء، هذا فضلا عن أن "النينو" تتسبب بالتطرف الحراري والفيضانات والأعاصير.وتعود ظاهرة النينو إلى عام 1876 حيث تم رصد حادثة شبيهة بها وسجلت تأثيراتها، علماً أن المتخصصين يُرجعون أول حادثة مسجلة في التاريخ عموما إلى منتصف القرن الخامس عشر تقريباً، حيث تشير مصادر تاريخية إلى وقوع أحداث مشابهة لما يرافق النينو من ظواهر في تلك الفترة.
أما في القرن العشرين فقد شوهدت أول حادثة تتعلق بالنينو في العام 1982، والتي اعتبرت الأشد عنفا عندما ضربت سواحل أمريكا الجنوبية، إذ سجلت حينها درجات حرارة مرتفعة في مياه المحيط الهادئ، والتي وصلت إلى 150 درجة مائوية، وبين الأعوام 1992-2002، كانت لهذه الظاهرة نتائج كارثية على المزارعين والصيادين في كثير من دول العالم، ما يزيد من النتائج الكارثية لأزمة الغذاء في كثير من البلدان في العالم.وقد أطلق صيادو الأسماك في البيرو اسم "النينو "، وفي شرق القارة الآسيوية تعرف باسم "طفل المناخ الشقي"، لما تتركه من آثار مناخية واقتصادية سلبية، إذ تعتبر منظمة الغذاء العالمية، أن "النينو" تتسبب في ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، لما لها من تأثير على المنتجات الزراعية، حيث كانت الإدارة القومية الأمريكية للمحيطات والبيئة قد أعلنت فيما مضى أنّ هذه الظاهرة المناخية أضرت بالكثير من الدول الفقيرة، وخاصة في أفريقيا.إلى ذلك تبقى "النينو" إحدى الظواهر التي تحيّر العلماء، إذ يرى معظمهم أن العلم الحديث لم يستطع حتى الآن إيجاد السبب الحقيقي والواضح لنشوء هذه الظاهرة الطبيعية، كما لم يفلح في وضع مخطط يظهر التناوب الذي تتكرر فيه "النينو "، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بها قبل حدوثها لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تأثيراتها السلبية، ولهذا فإن المنظمات المختلفة المعنية تطلق صرخات استغاثة لإنقاذ أطفال الصومال من خطر الموت جوعا. وعكس تقرير أممي الوضع في الصومال، مشيرا إلى أن ذلك البلد يواصل مواجهة انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع من الآن وحتى منتصف السنة الحالية 2016 نتيجة لقلة الأمطار، والجفاف بعدة مناطق، وتعطل التجارة، والنزوح السكاني لفترات طال أمدها إلى جانب عمليات النزوح الجديدة، وتفاقم الأوضاع عموماً تحت وطأة الفقر المزمن، حيث تظل مستويات سوء التغذية الحادة بالغة الارتفاع في أجزاء عديدة من البلاد، خاصة مع ما شهدته البلاد في السابق من حروب وانقسامات أثرت بشكل كبير على ترجمة أي برامج اقتصادية لمواجهة أخطار الجفاف والتغييرات المناخية.
وعدا عما يواجهه أطفال الصومال من تهديد بالموت جراء الجوع، تكشف أحدث نتائج التقييم الموسمية على يد وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية في الصومال، وهو مشروع تديره منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، وشبكة نظم الإنذار المبكر من المجاعة، كمشروع ممول من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، عن أن 931000 شخص سيواجهون مرحلة الأزمة، التي تسمى المرحلة الثالثة، بينما سيواجه 22000 نسمة حالة الطوارئ، وتسمى المرحلة الرابعة، في جميع أنحاء الصومال خلال شهر يونيو من العام الحالي، فيما سيبلغ عدد المشردين داخلياً 68 في المائة من العدد الإجمالي لضحايا الأزمات والطوارئ، في الوقت الذي يصنَّف فيه ما يقرب من 3.7 مليون شخص بالإضافة إلى ذلك في جميع أنحاء البلاد باعتبارهم عرضة للإجهاد الغذائي.
وفي المحصلة، تشير تقارير متخصصة إلى أن ما يقرب من 4.7 مليون شخص أو 38 في المائة من مجموع سكان الصومال غير آمنين غذائياً مما سيدفعهم لطلب مساعدات إنسانية من الآن وحتى يونيو 2016، خاصة في ظل ما تعاني منه الصومال من أزمة المياه الصالحة للشرب، والتي تعد من أهم السلع التي يصعب الحصول عليها في الصومال، على الرغم من هطول أمطار فوق متوسطة خلال المواسم المطرية، ولا تزال ندرة هذا المورد تشكل تحدياً أساسياً يواجه صحة جميع الصوماليين، وقد تضررت النساء والأطفال بشكل خاص، ولا سيما في المناطق التي تعاني من استمرار انعدام الأمن الغذائي والصراع، في ظل مخاوف متزايدة حول استمرار تفاقم أزمة الغذاء ونقص المياه جراء مواسم الجفاف التي قد تبدأ مبكرة هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة.