دبي - فلسطين اليوم
منذ بداية ظهوره، قبل ما يزيد على عقد من الزمان، اعتاد مؤسس «فيس بوك» ومديره التنفيذي، مارك زوكربيرغ، أن يظهر في كل لقاءاته وحواراته ومحاضراته في المحافل المختلفة، كما الطاووس الذي يمشي مختالاً، تسبقه إنجازاته، وتحيط به ملياراته، ويرفرف فوقه مستقبله الزاهر الواعد بالمزيد.
لكن في أحدث مؤتمر صحافي له، عقده الأربعاء الماضي، على خلفية فضيحة تسريب البيانات لشركة «كامبريدج أنالاتيكا»، اختلف الأمر جذرياً، وظهر زوكربيرغ مرتبكاً محاصراً مدافعاً عن نفسه، وباحثاً عن موطئ قدم يمنحه الثبات، ويصون به موقعه ويدافع به عمّا حققه، ومضطراً للقول للمرة الأولى إنه لايزال مناسباً لمنصبه، بعدما باتت قدرته على الاستمرار والنجاح محل تساؤل.
لقاء عنيف
عقد زوكربيرغ اللقاء في وقت متأخر، في الرابع من أبريل، عبر الهاتف مع مجموعة من مراسلي مواقع التقنية، الذين وصفوا اللقاء بأنه أعنف لقاء صحافي واجه مؤسس «فيس بوك» على الإطلاق، إذ واجه سيلاً من الأسئلة الانتقادية اللاذعة، تركزت حول تداعيات فضيحة «كامبريدج أنالاتكا»، وهي شركة تحليلات بيانات ومحتوى بريطانية، تلقت بصورة غير صحيحة بيانات ملايين المستخدمين من «فيس بوك»، واستخدمتها للمساعدة في التأثير بالانتخابات والحملات السياسية في العالم.
عقد اللقاء بينما الأزمة تلقي بظلالها بصورة كثيفة على «فيس بوك»، فهاشتاغ «امح فيس بوك»، يتصدر «تويتر»، ويجذب الكثير من قادة التقنية المرموقين، فيما دعا الكونغرس الأميركي زوكربيرغ إلى جلسة استماع الأسبوع المقبل.
حوصر زوكربيرغ خلال اللقاء، وتعرض للقصف من كل اتجاه، حتى اضطر للقول نصاً: «الحياة أن تتعلم من الأخطاء، وفي نهاية المطاف هذه هي مسؤوليتي، لقد بدأت هذا المكان، وأديره، وأنا مسؤول، وأعتقد أنني لا أزال الرجل المناسب لإدارة أكبر شبكة اجتماعية في العالم».
وتحدث زوكربيرغ بصراحة، معترفاً بأن بيانات 87 مليون شخص استخدمت على نحو غير صحيح في فضيحة «كامبريدج أنالاتكا»، وذلك بعد أن أصر مدير موقع «سي تي أو»، مايك شرويفر، على أن عدد الأشخاص الذين كانت بياناتهم لدى «كامبريدج أنالاتكا» أعلى بكثير مما كان يعتقد في السابق.
رفض التنحي
بلغت الضغوط على زوكربيرغ ذروة لم تبلغها من قبل، ووصلت إلى دفعه للقول بأنه لا يعتزم التنحي عن منصب الرئيس التنفيذي لـ«فيس بوك»، ولم يستغنِ حتى الآن عن أي شخص بسبب الفضيحة.
وقد حاول زوكربيرغ امتصاص الغضب والضغوط، وقال إن الشركة تواجه الآن سؤالين رئيسين: الأول: هل يمكننا التحكم في أنظمتنا؟ والثاني: هل يمكننا التأكد من أن أنظمتنا لا تستخدم في تقويض الديمقراطية؟
وأضاف: «لا يكفي منح الناس صوتاً، علينا التأكد من أن الناس لا يستخدمون هذا الصوت لنشر معلومات مضللة»، وأقر بأنه يتعين على كل شخص يعمل في «فيس بوك» أن يحمي معلومات الناس.
تأخر إعلان التفاصيل
بدوره، أصر محرر موقع «سي نت نيوز» على معرفة سبب تأخر إعلان «فيس بوك» عن رقم الـ87 مليون مستخدم حتى هذه اللحظة، وأجاب زوكربيرغ بأنه أراد الحصول على «فهم كامل»، يمنح الصحافيين الصورة الكاملة حول ما حدث، مؤكداً أن «فيس بوك» يريد معرفة العدد الأقصى من الأشخاص، الذين قد يكونون قد تأثروا بالتطبيق أو البرنامج الذي تسبب في هذه الفضيحة.
ووصف زوكربيرغ هذا التطبيق بأنه «مارق»، وخارج على قواعد «فيس بوك»، وأنشأه محاضر في جامعة كامبريدج لجمع معلومات الملف الشخصي لملايين المستخدمين، ومن ثم تسليمها إلى «كامبريدج أنالاتكا».
بدا زوكربيرغ متراجعاً مدافعاً ضعيفاً تحت سيل الأسئلة، وقال: «لقد وعينا الدرس، والشركة تخطط لتدقيق التطبيقات الموجودة لديها، وستضع قيوداً على الأداة التي تسمح للمستخدمين بالدخول إلى الخدمات والمواقع والتطبيقات المتنوعة عبر الإنترنت والهواتف المحمولة، باستخدام بياناتهم وملفاتهم على (فيس بوك)».
إجراءات جديدة
وأوضح زوكربيرغ أن جميع التطبيقات، التي تطلب الوصول إلى المعلومات مثل تسجيلات الوصول، وإبداءات الإعجاب، والصور، والمشاركات، وأشرطة الفيديو، والأحداث والمجموعات، كجزء من عملية تسجيل الدخول، ستحتاج الآن إلى موافقة، كما أن التطبيقات الخارجية لن تكون قادرة على جمع معلومات مثل وجهات النظر الدينية أو السياسية، أو وضع العلاقة، أو التعليم، وتاريخ العمل، ولن يتمكن الأشخاص أيضاً من البحث عن ملفات تعريف «فيس بوك»، عن طريق كتابة أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني في مربع بحث الشبكة الاجتماعية.
معالجة الأزمة
أعاد زوكربيرغ، خلال الحوار، بعض خطوات «فيس بوك» لمعالجة الأزمة، ومنها الدخول في شراكة مع مؤسسات إخبارية، مثل وكالة «فرانس برس» للمساعدة في التحقق من الأخبار المزورة، ومقاطع الفيديو والصور، وليس فقط روابط المقالات المكتوبة، ومنها بدء توظيف 20 ألف شخص للعمل في مراجعات الأمن والمحتوى، وأنها بالفعل جلبت 15 ألف شخص.
وقال زوكربيرغ إن التحدي الحقيقي ليس الموازنة بين اهتمامات المستخدمين واهتمام «فيس بوك» بالربح والعائدات، بل التحدي هو الموازنة بين المصالح المتنافسة لمختلف المستخدمين، فكل القرارات الصعبة التي يتعين علينا اتخاذها، هي المفاضلة بين اهتمامات الناس.