مكان اقامه احد السيدات

أربع سيدات روسيات تمثلن شريحة أكبر تضم مئات الروسيات ممن استقر بهن المقام في سوريا، وكان الحديث حول الوطن الأصلي والوطن الحالي.

تحدثن عن إصرارهن على البقاء في سوريا بالرغم من محنتها، التي أصبحت محنتهن ومحنة عائلاتهن، بعد أن ربطن مصيرهن بمصيرها، طواعيةً وحبّاً وعرفاناً لوطن بادلهن الحب بالحب والعطاء بالعطاء.

السيدات الأربع اجتمعن في منزل السيدة غالينا في مدينة اللاذقية، حيث التجمع الأكبر للمواطنات الروسيات المتزوجات من سوريين (غالينا صاحبة الضيافة وهي مهندسة متقاعدة، لوبوف مهندسة – اختصاص ميكروبولوجيا ، إيلينا – طبيبة أذن وأنف وحنجرة، ويلينا – طبيبة تجميل).

حدثتنا غالينا المُضيفة عن كيفية تعرفها على زوجها (بسام) الذي كان يدرس في كلية باكو البحرية في استراخان، فأحبا بعضهما وقررا الزواج والانتقال إلى سوريا للإقامة في بلد الزوج بعد أن أنهى دراسته في أكاديمية باكو.

كان ذلك قبل أكثر من أربعين عاماً، واليوم أصبحت غالينا أمّاً لثلاثة أبناء وجدة لأولادهم: أوليغ طبيب العيون، وسوزانا المهندسة المعمارية ، ومكسيم الذي يتابع دراسة هندسة الإتصالات في النمسا. تؤكد غالينا وهي تشير إلى صورة ابنها الأصغر مكسيم: سينهي دراسته ويعود إلى سوريا، خطيبته السورية في انتظاره.

لوبوف، التي تعرفت على زوجها أيضاٌ خلال دراسته في روسيا (هندسة ميكروبولوجيا)، تعود بأصولها إلى مدينة "نيجني نوفغورود"، التي تقول عنها بافتخار مع لمعان في عينيها "إنها مدينة مكسيم غوركي". لعل اسم مدينتها وكاتبها الكبير استجلب كل ذلك الحنين المخبأ في ثنايا روحها لوطن لم يفارقها يوماً.

تحدثنا لوبوف عن بداية قدومها إلى سوريا في نهاية السبعينيات، فقد سكنت في باب توما – حارة اليهود، وعملت لاحقاً في شركة بردى الحكومية التي تنتج البيرة السورية الشهيرة: "كان الأمر بالنسبة إلي وكأنني في عالم جديد، كان مكان سكننا أشبه بالمسرح، الناس ولباسهم والألوان والشوارع كلها كانت مختلفة عما عهدته في روسيا".

تروي لوبوف لنا كيف تاهت في تلك الفترة في سوق الحميدية في إحدى جولاتها في السوق الأثري العتيق: "لقد تقدم كثيرون لمساعدتي، أوصلوني إلى الحافلة التي تقودني إلى مكان سكني، السوريون شعب طيب ويحب مساعدة الغريب".

بعد عودة زوجها إلى روسيا لإكمال دراسة الدكتوراه، غابت لوبوف مع زوجها بضعة سنوات لتعود بعدها إلى سوريا فتجد بلداً مختلفاً وأكثر تطوراً كما تقول: قررت الاستقرار مع زوجي في مدينته (اللاذقية) وتوظفت في مؤسسة المياه لمدة ثلاثين عاماً قبل أن أتقاعد مؤخراً.

لدى السيدة لوبوف ابنان: سامر الذي درس هندسة الإلكترون، وشادي الذي أنهى دراسة الطب في جامعة تشرين ليسافر إلى الولايات المتحدة لإكمال الاختصاص، واليوم بعد تقاعدها تأبى الجلوس من دون عمل، حيث تقوم بتدريس اللغة الروسية للسوريين الراغبين، وهم في ازدياد كما توضح لوبوف.

إيلينا، طبيبة الأذن والأنف والحنجرة جاءت قبل 23 سنة إلى سوريا، بعد أن تعرفت على زوجها الطبيب في سانت بطرسبورغ. عيادتها في سوق الصفن باللاذقية معروفة لجميع أبناء المحافظة.

تقول: "أنا سعيدة هنا، لدي الكثير من الأصدقاء، والكثير من الزبائن الذين يفضلون عيادتي على غيرها".

ولا يبدو ذلك غريباً، فالطبيبة الناجحة تراعي ظروف الناس في هذه الحرب ، تقول : "مَن ألاحظ أن وضعه المادي سيء أحاول مساعدته بشتى الأساليب ، أقدم له الدواء مجاناً على سبيل المثال ، كما أنني لا أتقاضى أجراً من العسكريين ، وأرى العرفان على وجوه الجميع ، حيث يعبرون عن ذلك بقولهم : شكراً لروسيا على كل شيء" .

الحرب التي تعيش فصولها سوريا اليوم، عاشت إيلينا بعض فصولها أيضاً، تخبرنا عن منزلها في كسب شمال اللاذقية الذي تم تخريبه وسرقة كل محتوياته عندما هجم المسلحون على البلدة، لكنها تؤكد: سنعيده كما كان وأجمل.

يلينا ، الطبيبة من أصول أوكرانية والتي قدمت إلى سوريا قبل أكثر من عشرين عاماً تعمل اليوم في مجال التجميل ، ولديها عيادة في المدينة ، تفرّق بين التجميل الذي تمارسه وبين التجميل المتعارف عليه هذه الأيام.

تقول: "لا أقوم بعمليات التجميل الدارجة الآن، لدي جهاز أوزون لمعالجة أمراض المفاصل، وأجهزة لتنظيف البشرة وإزالة الشعر، لديّ زبائني الذين يأتون إلى عيادتي حصراً"

يلينا لديها ابنان أيضاً أحدهما طبيب والآخر درس التجارة والإقتصاد وهو في روسيا الآن .

تعبر السيدات جميعهن عن اشتياقهن لبلادهن الأصلية روسيا ، وهن اللواتي كنّ يزورنها بانتظام ، لكن معظمهن لم تسافرن منذ سنوات، لأن عائلاتهن هناك لم تعد موجودة بسبب وفاة الوالدين ، يتحدثن عن سبب بقائهن هنا : عائلاتنا هنا وأبناؤنا وأحفادنا هنا ، لن نترك هذا البلد إلا كخيار أخير .

واليوم أنشأت السيدات الروسيات المقيمات في اللاذقية جمعية باسم "ناديجدا" وتعني "الأمل" ، التجمع الجديد ضم حتى الآن أربعين سيدة ، وتطالب عضواته بأن يتم إنشاء قنصلية روسية في اللاذقية لرعاية مصالحهن، فالمدينة تضم العدد الأكبر من الروسيات في سوريا، ووجود قنصلية هنا يخلصهن من عبء السفر إلى دمشق من أجل كل صغيرة وكبيرة ، وخاصةً في ظل هذه الظروف .

تؤكد السيدات : نقوم بالعديد من النشاطات في تجمعنا هذا ، نعمل على زيادة التواصل بين الروس وعائلاتهم ، ونحتفل في العديد من المناسبات كعيد المرأة العالمي وعيد الأسرة والعيد الوطني الروسي .

ويختمن حديثهن : نحن روسيات نعشق بلادنا الأصلية كما نعشق هذا البلد (سوريا) لأنه منحنا أغلى ما نملك - عائلاتنا، ونتمنى أن تعود سوريا إلى ما كانت عليه بوحدة أبنائها ومساعدة روسيا.