محمد البركاني

أكد الساقي أو "الكراب" كما يلقب باللهجة المغربية محمد البركاني، أنّه "لا يخفى على الجميع أنّ مراكش عاصمة السياحة على الصعيد العربي والأفريقي التي تصل إلى المراتب المتقدمة في تحقيق نتائج مهمة في هذا المجال بفضل  كل العاملين فيه بينهم الساقي أو "الكراب"، إلى جانب الصانع التقليدي والمرشد السياحي وغيرهم".

وشدَّد البركاني في حديث مع "فلسطين اليوم"، على أنّ "النجاح دائمًا يأتي بتكاثف الجهود المبذولة من طرف الجميع، وأنا من ضمن هذه الفئات التي تساهم بشكل كبير في إنعاش السياحة في مراكش، لأني أزاول مهنة؛ تجعلني مرتبطًا بالسياح وأعمل على تنشيط هذا المجال في شتى الطرق، وعلى الرغم من التراجع الكبير الذي عرفته هذه المهنة التي ورثتها أبًا عن جد؛ إلا أنّها تبقى من التراث المغربي الأصيل الذي لا يمكن أن تجده؛ إلا في مراكش، المدينة المختلفة في كل شيء التي لا يمكن لمدينة ثانية أن تنافسها في جمالها وثقافتها ومعالمهما وخصائصها المميزة التي يعتبر الساقي واحدًا منها".

وأوضح أنّ "مهنة الكراب شهدت عزوفًا كبيرًا بعد وفاة الكبار؛ حيث أصبحت لا تدر دخلًا يكفي أسرة، ويوفر لها العيش المطلوب، خصوصًا بعد التطورات الحديثة أصبحت قنينة الماء المعدنية المنافس القوي للساقي في مدينة مراكش، فبينما كان الساقي هو مقصد السياح الأجانب والمغاربة لإرواء عطشهم عندما يشتد حر الأجواء في فصل الصيف والاستمتاع بمذاق المياه الذي تتخلله نسمة القطران المغربي، تحول فجأة إلى مجرد معلمة تاريخية تتجول بين أحضان المدينة وأزقتها الضيقة العتيقة وفي ساحة جامع الفناء حيث يدق ناقوسه لينادي به على الراغبين في شرب كوب ماء بارد ومنعش، ولا يُقبل على تلك المياه الباردة التي تعود إلى تاريخ عريق وتميز المدينة، سوى القليل من الزوار".

وأضاف أنّ "هذه العوامل لم تؤثر سلبًا على ثقافة الكراب، فلا أزال أتجول في أرجاء المدينة  بين زوارها الذين يقبلون إليَّ؛ للنظر إلى ملابسي المميزة التي لم تتغير منذ أن ورثتها عن والدي الذي ورثها بدوره عن جدي مُنذ عقود طويلة من الزمن، فتجدهم يلتفون حولي من أجل أخذ صورة تذكارية تكون بمثابة تذكار موثق من المدينة الحمراء".

وأشار البركاني إلى أنّ "المشاكل الكثيرة والعراقيل المختلفة التي عشتها؛ بسبب ممارسة هذه المهنة التي أصبحت لا تغني ولا تسمن من جوع؛ جعلتني أفكر كثيرًا في تركها، والبحث عن مصدر رزق ثانٍ؛ إلا أنني لم أستطع ذلك، فأنا أعشقها ولا يمكنني أن أجد نفسي حبيسًا في عمل بعيدًا عن ساحة جامع الفنا التي ترعرعت فيها مع والدي، المكان الذي أعر فيه أني على قيد الحياة".

وتابع: "أحب أن أتجول في الساحة وفي حدائقها وأرجائها والتجول بين دروبها وقرب الرياضات العتيقة ودور الضيافة الفخمة، كما أني أكون سعيدًا جدًا بتواجدي قرب الفنادق الراقية مثل: المامونية حيث استمتع بمنظرها وأجدني أكمل صورة تلك المعلمة التاريخية المميزة، بمظهري التقليدي بلوني الأحمر وبقربتي التي صنعتها من جلد الماعز وبمائها المميز و كوؤسي النحاسية، كلها خصائص مغروسة في قلب وتجري في دمائي ولا أستطيع أن ابتعد عنها أو أتجرد منها فهي تكملني وأنا املكها."

وواصل كلامه مبرزًا أنّ "السياحة هي منبع مراكش، ولا يمكن لأي مجال أن يكتمل من دون رموزه، فالكراب والصانع التقليدي وبائع الحلزون وحتى بائع العصير والمأكولات الشعبية، كلها رموز تشير إلى الثقافة الشعبية التي تميز مراكش عن غيرها من المدن التي تجعلها دائمًا في المقدمة، وقبلة للسياحة الأجنبية والعربية، وهذا يبعث على الفخر طبعًا، وأنا لم أندم يومًا على اختياري هذه المهنة، على الرغم من أني ولجت إلى المدرسة وحصلت على دبلوم في الزراعة؛ إلا أني تعلقت بهذا المجال وأحب أن أمارسه إلى آخر نفس يصعد مني".

وأردف "لا يمكنني أن أتخلى عن جذوري وثقافتي وكل ما يعبر عن هويتي المغربية، وأسعى إلى أن أورث هذه المهنة العريقة بلباسها وتقاليدها وجمالها إلى ابني الذي أصبح يرافقني أحيانًا في جولاتي التي أجريها في مختلف المهرجانات والمعارض والمناسبات والتظاهرات التي تحتضنها مراكش وضواحيها، فضلًا عن بعض الجولات في مختلف المناسبات التي تنظم خارج مراكش، مثل: مهرجان حب الملوك في مدينة صفرو، ومهرجان الورد في قلعة مكونة، وغيرها من المناسبات التي أتلقى فيها دعوة للحضور على اعتباري رمزًا من رموز الثقافة المراكشية التي نسعى إلى جعلها تعم مختلف المدن المغربية لاسيما في مثل هذه المناسبات".