بيروت ـ فادي سماحه
لا يختلف اثنان على الشعبية الكبيرة التي يحققها المطرب عاصي الحلاني على الصعيدين الفني والشخصي. «فارس الأغنية اللبنانية»، كما يطلق عليه جمهوره، يطبق لقبه هذا قلبا وقالبا مع الآخرين. وإضافة إلى موهبته الغنائية الفذّة فهو يتمتع بجانب إنساني يلمسه كل من يتعاون معه ومن دون استثناء. وهو من المغنين القلائل في لبنان الذين يملكون علاقات مميزة مع زملائهم وكذلك مع أهل الإعلام. فنجاحاته المتعددة وشهرته الواسعة لم تستطع أن تفقده طيبة أهل البقاع. فبقي مجبولا بحب الوطن والشهامة والبساطة التي تربى عليها في منزل العائلة. وحاليا يتصدر عاصي الحلاني لائحة النجوم الأكثر طلبا لإحياء الحفلات في لبنان والعالمين العربي والغربي.
وفي 31 الحالي سيقف الحلاني على مسرح «موسم الرياض الترفيهي» ليحيي «ليلة لبنانية من العمر» كما يصفها إلى جانب زملائه نجوى كرم وملحم زين وديانا حداد. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الحفل سيكون بمثابة تحية تكريمية من الرياض إلى بيروت وسيرافقني فيه على المسرح فرقة دبكة بقاعية لتقدم لوحات راقصة فولكلورية من قلب تراثنا اللبناني الجبلي». «هل سيشهد هذا الحفل أغنية تجمعه بباقي الفنانين اللبنانيين المشاركين؟» يردّ قائلا: «لا أعلم في الحقيقة إذا ما سنقوم بذلك معا ولكني أحبّذ الفكرة وأنا جاهز لتطبيقها على الخشبة».
حب الخيل
وكان عاصي الحلاني قد تعرض في الشهر الماضي إلى حادثة نجا منها بأعجوبة أجبرته على إيقاف جميع نشاطاته الفنية والمكوث في منزله. «لقد كان حادث قضاء وقدر حصل معي أثناء ممارستي هوايتي المفضلة وهي ركوب الخيل. لم أكن أقوم بتصرف خطر إلا أن الحصان تعثر ووقع علي وهو ما جعل هذه الضربة قوية». ويتابع في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أنا شخص مؤمن وحتى عندما يطالبني أهل بيتي وأصدقائي وبينهم راغب علامة بالتوقف عن ممارسة هوايتي هذه لخطورتها أقول لهم إن نسبة حصول حادث ما حاضرة في أي حركة أو رياضة نقوم بها. فبطل السيارات شوماخر ورغم ممارسته إحدى أخطر الرياضات في العالم وهي سباق السيارات كان له القدر بالمرصاد في حادث مروع عندما كان يمارس رياضة التزلج، فأبقته غائبا عن الوعي لخمس سنوات متتالية». ولكن ماذا تعلّمت من هذه الحادثة؟ يقول: «لقد دفعتني لأكون أكثر حذرا ووعيا ولكنها لم تثنني بالتأكيد عن عزمي على ممارسة هذه الرياضة. فالخيل جزء من تراثنا وتقاليدنا ولم أتعلم هذه الرياضة من الصور بل من والدي وجدي من قبله. ولقد علمتها بدوري لأولادي ودانا والوليد يجيدانها. أما ماريتا فهي غير متعلقة بها كثيرا رغم دروس خاصة تلقتها في هذا الإطار».
أقرأ ايضــــــــاً :
عاصي الحلاني يُسعد مُحبيه بهذا النبأ ويحتفل بزفاف شقيقة زوجته عبر "إنستغرام"
عادة ما يلجأ عاصي الحلاني إلى منزله الجبلي في البقاع للابتعاد عن ضوضاء المدينة. فهو يملك مزرعة يربي فيها الخيل. «هي المساحة التي تجعلني أشعر وكأني في عالم آخر ألتجئ إليها لأتمتع بالراحة النفسية والاسترخاء في ظل أجواء بيئية نظيفة وهواء نقي. وهناك أرعى الخيل الذي أعتني به يوميا فلدي نحو 30 منها وهو العدد الذي يتسع له الإسطبل وإلا لكان أكبر بكثير. كما أملك سلالة خيل مميزة وهي (الواهو) ويمتاز بعرقه العربي أبا عن جد وقد اشتريته من الجزيرة العربية وبالتحديد من السعودية. وهو مشهور بجماله ولذلك يشارك في مسابقات الجمال الخاصة بالخيل ولا أحب تركه وحيدا أبدا؛ لأني أخاف عليه، كما أنني لا أستخدمه في رياضة ركوب الخيل. كما لدي خيل من فرس وأحصنة اخترتها من مصر والأردن وبينها المميز جدا والتي لا نصادفها بكثرة في منطقتنا».
وعما إذا كانت الحادثة المذكورة سمحت له بممارسة وقفة مع الذات، يرد: «أوقات كثيرة أوجد فيها مع نفسي وأفكر بخطواتي الفنية المستقبلية وأبحث عن الأنسب لاستمراريتي كفنان. وبعيد الحادثة هذه راودتني أفكار عن الحادثة نفسها وعما إذا كان علي أن أتوقف عن ممارسة رياضتي هذه. وكنت قد سبق أن اتخذت عهدا على نفسي منذ نحو عام بألا أكون متهورا، فأسير بسرعة جنونية تصل إلى 60 و70 كيلومترا في الساعة. وكنت أطبق وعدي هذا إكراما لأولادي وزوجتي الذين كانوا يوصونني دائما بأخذ الحيطة وعدم ركوب الخيل بجنون. ورغم ذلك حصل معي الحادث وسبحان الله ما هو مكتوب لنا لا نستطيع الهروب منه. فكل هذه الأفكار راودتني وتمعنت فيها من كثب في لحظات كنت أمضيها مع نفسي». ويضيف: «أفكاري حول مستقبلي الفني تشغلني كثيرا في ظل هذه (الخبصة الفنية) التي تشهدها الساحة حاليا. فهناك نمط موسيقي وغنائي لا أحبذه بتاتا بغض النظر عن ظاهرة الأرقام التي ترافقه على مواقع التواصل الاجتماعي. فالأغنية الناجحة لا تحددها الأرقام بل يرددها الناس والشارع تلقائيا. فقلقي على الأغنية اللبنانية أعيشه باستمرار كما باقي أبناء جيلي ومرحلة الأرقام والتباهي بالنجاح اجتزناها من زمان. فالبحث عن موضوعات جديدة ومختلفة عن النمط الموجود بالسوق هو الذي يشغلني. وعندما أديت أغنية (الوطن) وهي قصيدة لعامر الفرا فعلت ذلك لأرضي نفسي وأخلد اسمي وليس لأحقق أرقام مشاهدات على (يوتيوب)».
هل يهمك تخليد اسمك وتاريخك الفني؟ يجيب: «طبعا يهمني ذلك وأنا أعمل على ذلك منذ بداياتي، منذ نحو 30 عاما أي في عام 1989. وحتى اليوم قدمت 28 ألبوما غنائيا ونحو 400 أغنية وكل ذلك لتأسيس مدرسة ومكتبة للأغنية اللبنانية. فأنا أرفض غناء كلام ومفردات بذيئة أو سخيفة كما هي دارجة عند بعض الفنانين الصاعدين، لا بل أرفض الاستماع إليها لأنني أعتبرها تشوه سمعي».
الحرب سلبت طفولتي وأعيشها الآن في أولادي
وماذا عن عاصي الطفل فهل لا يزال يسكن «فارس الأغنية اللبنانية»؟ يرد: «إنه موجود دائما في حياتي لا سيما أن هذه المرحلة سلبت مني طفولتي، كما أبناء جيلي بفعل الحرب في لبنان. فأين مارسناها أو عشناها منذ عام 1975 حتى عام 1985. حينها كنت أعيش في بيروت في منطقة الجديدة فشهدت الأمرين مع أهلي وأشقائي من جراء الحرب. واليوم أرى عاصي الطفل بأولادي وأفرغ كل ما كنت أحلم به في تلك المرحلة فيهم». ويشير الحلاني إلى أنه وعلى الرغم من تلك الفترة الصعبة فإن الأهل كانوا يعيرون أولادهم اهتماما كبيرا ويخافون عليهم، وأن والديه أحاطاه بتربية ابن البيت الذي يجب ألا يتزلّم لحزب أو يشارك في الحرب أو يدمن على المخدرات. «توعية كبيرة تلقيتها في تلك الفترة من والدي رغم كل الظروف القاسية والمعارك والقصف العشوائي الذي كنا نعيشه. فكان البيت هو المدرسة الأساسية للولد. فيما اليوم يترك الأهل هذه المهمة للمدارس ويتخلون عن مهمتهم الأساسية ونلاحظ حالة من الفلتان تسود أجواء الطفولة والمراهقة لم نعشها نحن رغم حالة الحرب السائدة في تلك المرحلة».
ويتذكر عاصي الحلاني أجمل أيام طفولته وكانت تتمحور حول فصل الصيف وارتياده منزل جدّيه في البقاع. «لا تزال مشهدية تحضير المونة من قبل جدتي والجلسات الشعبية مع جدي تحضر في ذاكرتي حتى اليوم. فهي من اللحظات التي لا أنساها إذ كنت ألعب مع أصدقائي ونرقص الدبكة سويا ونسهر في أجواء سليمة و(عالبركة) كما يقال عندنا في الجبل».
محطات حلوة ومرة
ويعدد عاصي الحلاني أهم المحطات في حياته ليدرجها على التوالي: «أولى تلك المحطات التي لا يمكنني أن أنساها أيام برنامج (ستوديو الفن) الذي شكّل انطلاقتي الفنية الأولى. ومن ثم تأتي محطة جميلة جدا لطالما حلمت بها ألا وهي المشاركة في مهرجانات بعلبك الدولية. فوقفت على خشبتها لثلاث مرات وأولها مع (أوبرا الضيعة) لعبد الحليم كركلا ومن ثم مع الأخوين صباغ في (صلاح الدين الأيوبي) وكذلك مع المخرج جو مكرزل في العمل الاستعراضي (عاصي الحلم). ولتلحقها محطة انتشاري عربيا فأنا من الفنانين الذي تمسكوا بالأغنية اللبنانية وكنت أعتقد أن نجاحي عربيا سيكون محدودا. ولكن وقوفي على خشبة دار الأوبرا المصرية أجرى تغييرا جذريا في هذا الشأن وصرت اليوم من ضمن برنامجها الفني السنوي. كما أعتز اليوم بحفلاتي في السعودية التي تأتي من ضمن انتشاري في الخليج العربي».
أشياء كثيرة من حلوة ومرة يتذكرها عاصي الحلاني ويقول: «جميعها تعلمت الدروس منها ولا أحاول إلغاءها من شريط ذكرياتي لأنني استفدت منها كثيرا وعلى جميع الأصعدة». وهل تفكر في كتابة مذكراتك؟ يعلق: «لم تراودني هذه الفكرة بتاتا وأجد أن الوقت لا يزال باكرا عليها».
وعن تجربته الدرامية من خلال مسلسل «العراب» يقول: «أحببت نفسي ممثلا ولكن أعتبر بأن القيمين على هذا العمل لم يوظفوني بالشكل الصحيح. فلم يعرفوا كيف يوجهونني ويستفيدون من عملي. وكنت أنوي إجراء تغيير في أدائي في جزء ثان للمسلسل كان مرتقبا له ولكنه لم يحصل. ولكنني أحتفظ بتجربة جميلة من خلاله، خصوصا أنه كان يتمتع بسياق فني جميل وبمشاركة أهم نجوم الشاشة العربية كسلوم حداد وعبد المنعم العمايري ورفيق السبيعي وغيرهم. فقد كان بمثابة بطولة جماعية ولا أعد نفسي نادما على هذه التجربة بتاتا ويمكنني أن أعيد الكرة وأمثل من جديد فيما لو عرض علي عمل درامي متكامل». وماذا عن السينما؟ يرد: «في حياتي المهنية تلقيت عروضا كثيرة في هذا المجال. حتى إنني وقعت على عقد للمشاركة في فيلم بمصر. وعندما حان موعد التصوير حصل اختلاف بالآراء بيني وبين المنتج يومها والذي كان قد حرر لي شيكا مصرفيا بمبلغ 250 ألف دولار كدفعة أولى. وهذا الأمر حصل منذ نحو 15 سنة في عام 2007 وكان هذا المبلغ يعتبر ضخما في تلك الآونة، إلا أني لم أتوان يومها عن إعادة المبلغ له وإلغاء مشاركتي بالفيلم لانزعاجي من موقف معين، رغم نصائح محامي يومها بعدم التنازل لشركة الإنتاج عن حقي هذا كعطل وضرر عن الوقت الذي أمضيته في التحضير للفيلم والذي خسرت خلاله كثيرا من مشاريع فنية أخرى».
وعن طبيعة أحلامه اليوم يقول: «في الماضي كنت أحلم بالنجومية وحققتها بفضل رب العالمين أما اليوم فأحلامي محورها أولادي».
مواهب الأطفال ودموعهم
حاليا ينشغل عاصي الحلاني بمشاركته في برنامج «ذا فويس كيدز» الخاص بمواهب الأطفال. فماذا أضافت له هذه التجربة بعد مشاركته لأربعة مواسم متتالية في البرنامج نفسه المخصص للكبار؟ «إنه يختلف تماما عن تجربتي السابقة في (ذا فويس) لمواهب الغناء الشباب. فهنا تجتمع في حكمك على الموهبة أحاسيس كثيرة من تفكير وعاطفة بحيث لا يرتكن قرارك على العقل فقط. فدموع الأطفال غالية وتوجعني بشكل كبير وتضعني في موقف دقيق عندما لا يتقبل أحد الأطفال خروجه من اللعبة. ولكني أستمتع بهذه التجربة الحلوة وبالتغيير الذي أحققه من خلالها بعد 4 سنوات من التدريب والتحكيم لمواهب شابة. ومعها سيتعرف المشاهد على وجه آخر لعاصي الحلاني، وفي انتظاره مواهب وأصوات رائعة، خصوصا أن الطفل بحد ذاته عندما يقف على خشبة مسرح يتحول إلى نجمها من دون منازع حتى لو كان يقف إلى جانبه أكبر نجوم الغناء».
ويستعد عاصي الحلاني من ناحية ثانية إلى إصدار ألبومه الغنائي الجديد ويقول إنه «يتضمن 10 أغنيات بينهم 4 من ألحاني وأخرى تعاونت فيها مع عادل العراقي وطوني سابا وناصر الأسعد والشاعر نزار فرنسيس وغيرهم. كما أطل فيه بأغنية خليجية من كلمات الشاعر محمد يمني وألحان المصري محمد الشاذلي ومن المتوقع أن يرى النور أواخر هذا العام». ومن أحدث أغانيه اليوم «اضحكي» التي حصدت نسبة متابعة لامست الـ4 ملايين مشاهدة. كما لعاصي الحلاني باع طويل في أغان من ألحانه ذاع صيتها ونالت شهرة واسعة (الباب عم يبكي وضلي حدي ولبناني ويا ناكر المعروف وغيرها). ألحاني ترافقها موضوعات اجتماعية كثيرة ويمكن أن تأتيني فكرة اللحن وأنا في سهرة مع الأصدقاء أو في أي مناسبة أخرى. ولكن عند التنفيذ أجلس وحيدا وبعيدا عن الناس كي أستطيع إكمالها كما يجب وعلى المستوى المطلوب.
ومساء اليوم يحيي مهرجان «عزّ ومجد» في ميدان سباق الخيل في بيروت برعاية دولة الإمارات العربية الذي يتم خلاله تكريم الفروسية العربية. ويعلّق: «يعد الأول من نوعه في لبنان وأنا سعيد لإحيائه. ومن بعده أسافر إلى دبي والرياض مرورا بمصر حيث أحيي حفلا في دار الأوبرا وآخر في مدينة الإسكندرية ووصولا إلى أعياد رأس السنة التي أحتفل بها مع أحبائي في مصر وبالتحديد في فندق كونكورد».
نصيحة
ويختم عاصي الحلاني حديثه بنصيحة يقدمها لمواهب غنائية صاعدة ويقول: «عليهم أن يعملوا بجدية وجهد كبيرين لأن النجومية لا تولد بين ليلة وضحاها. كما عليهم أن يختاروا أغانيهم وموضوعاتها بدقة فلا يستسهلوا هذه العملية. وأن يحافظوا على تراث الأغنية التي يقدمونها، لا سيما الفولكلورية منها والتي تعب عمالقة كثر من قبلنا في نشرها وتطويرها أمثال الراحلين صباح ووديع الصافي وزكي ناصيف وغيرهم؛ لأن تراثنا الفني له حق علينا. وأنصحهم بألا يلهثوا وراء الأرقام والوهم الذي يعيشونه من خلالها، وكل من يشوّه الأغنية اللبنانية يكون بصدد إيذائها وتخريبها وبالتالي فهو يؤذي نفسه».