جعفر صدقة :رغم ما تخلل لقاء رئيس الوزراء رامي الحمد الله مع الصحافيين، أمس الاثنين، من توضيحات مهمة وضرورية لسياسات وإجراءات الحكومة، خصوصا في الشقين الأمني والمالي، لكن الأهم في هذا اللقاء تميزه بروح عالية من الانفتاح تبشر بمرحلة جديدة في التعامل مع الإعلام.
رئيس الوزراء، وإن تضمنت تعليقاته شكوى من "ظلم الإعلام" لحكومته، إلا أنه تقصد منذ البداية إعطاء المساحة الكبرى لأسئلتهم وتعليقاتهم وآرائهم بأدائه وأداء حكومته، حتى أن الوقت لم يسعفه في تقديم ملخص كان أعده مسبقا حول انجازات الحكومة وانتهى اللقاء دون ذلك، على أن يقدمه في لقاءات قادمة، وانغمس بالرد على الاسئلة والملاحظات.
اللقاء، جمع الحمد الله مع نحو عشرين صحافيا، غالبيتهم العظمى من العاملين في الإعلام المحلي، بثوه شكاواهم من صعوبة الوصول إلى المعلومات اللازمة للقيام بمهمتهم بالحد الأدنى لإعطاء المهنة اسمها المتداول عرفا (السلطة الرابعة).
مداخلته بعد الجولة الأولى من الاسئلة والملاحظات، حملت أجوبة حاسمة بشأن ما تحمله الايام المقبلة من قرارات واجراءات وممارسة بشأن التعامل مع الصحافيين ووسائل الاعلام، ابرزها بشرى انجاز قانون حق الحصول على المعلومة و"توجه الحكومة نحو المصادقة عليه قريبا، يسبق ذلك ترتيب لقاء بين الصحافيين ووزير العدل للاطلاع على مسودة القانون ومناقشتها، والاتفاق على لقاء دوري بين رئيس الوزراء نفسه مع الصحافيين يعقد كل شهر، يكون مفتوحا لجهة الاسئلة والنقاش فيما يخص كل سياسات الحكومة وأداء مؤسساتها ووزرائها، بل ويصطحب فيه وزراء ذوي اختصاص، يواجه الصحافيون صعوبات جمة في الحصول على معلومات من وزاراتهم، كما وعد بإعطاء توجيهاته لوزرائه بالانفتاح على الاعلام وتزويد الصحافيين بما يحتاجونه من معلومات.
بالتأكيد، كان الصحافيون متعطشين لإجابات حول قضايا ساخنة شهدتها وتشهدها الساحة الفلسطينية، وجهد الحمد الله في تقديم إجابات وافية عليها، لكن زحمة الاسئلة والأفكار والملاحظات في وقت ضيق، لم تترك المجال لتفاصيل ضرورية لاطلاع الشارع عليها، بما يمكن من رسم صورة دقيقة للمواقف والتوجهات الرسمية تجاهها، بغض النظر إن لاقت هوى هنا أم خالف هوى هناك.
بالمجمل، وقف الحمد الله بثبات خلف سياسة وإجراءات حكومته، خصوصا في المجالين: الأمني والمالي، وكان أكثر شجاعة باعترافه ببعض الاخفاقات، كأداء الحكومة في أزمة "الضمان الاجتماعي"، وهو موضوع غاية في الضرورة والاهمية لقطاع واسع من المجتمع واقتصاد البلاد عموما، ومع ذلك شكل تعاطي الحكومة، سواء في اعداد القانون او تسويقه، فرصة لتوجيه انتقادات لاذعة لها ولسياساتها وطريقة تعاملها مع الرأي العام.
في المجال الأمني، أبدى الحمد الله إصرارا على المضي فيه حتى اعتقال كافة "الخارجين على القانون"، وجميعهم متهمون بقضايا جنائية بما فيها عمليات قتل، مؤكدا أن الإجراءات والعمليات الأمنية "مستمرة ومستدامة وليست حملة مؤقتة".
واضاف: هناك عمليات أمنية يومية، وتمكنت أجهزة الامن من إلقاء القبض على العديد من المتهمين وتقديمهم الى القضاء، كما تمكنت من مصادرة نحو ألف قطعة سلاح في ثلاثة أشهر.
فيما يخص مخيم بلاطة، أكد الحمد الله أن النشاط الأمني ليس محصورا في مخيم أو مدينة أو قرية، إنما يشمل كافة مناطق الضفة الغربية، "وفي مخيم بلاطة، هناك سبعة مطلوبين متهمين بقضايا جنائية، بما فيها عملية قتل راح ضحيتها أحد المواطنين في المخيم نفسه، ومن هؤلاء المطلوبين من هم من خارج المخيم وهم يحتمون به"، مؤكدا أن النشاط الأمني سيستمر هناك حتى اعتقال هؤلاء المطلوبين وتقديمهم للعدالة.
رئيس الوزراء بدا مدركا أن ملاحظات الصحافيين واسئلتهم تحمل في العادة الكثير من تساؤلات الشارع، وفي الشأن الأمني: هناك الكثير مما يقال عن تجاوزات بعض أفراد أجهزة الأمن، ومدى مصداقية لجان التحقيق التي تشكل على خلفية أخطاء وتجاوزات كما حدث في نابلس، وكان رده حاسما بأن "الكل يخطئ، لكن الكل تحت القانون"، كاشفا عن اعتقال "ضباط كبار"، و"فصل 28 ضابطا وعنصرا في الاشهر الثلاثة الاخيرة من الخدمة بقرار من الرئيس محمود عباس، عملا بتوصية لجان تحقيق".
واضاف: فيما يخص لجنة التحقيق في أحداث نابلس، فهي تتابع عملها، وسنتعامل بجدية كاملة مع نتائجها وتوصياتها.
فيما حظي الشأن المالي باهتمام لافت من الصحافيين، خصوصا في ظل الحديث عن توقف العربية السعودية عن تسديد التزاماتها في دعم الخزينة الفلسطينية، والتراجع الملحوظ في حجم المساعدات الخارجية عموما، ما ينذر بتفاقم الازمة المالية المزمنة التي تعانيها الخزينة خلال الأشهر القادمة.
ومع إشادته بالمواقف السعودية تاريخيا من فلسطين وشعبها وقضيتها، وما تقدمه من دعم سياسي ومالي، لكنه أقر بأن آخر دفعة من المساعدات السعودية حولت في نهاية آذار المالي، مؤكدا أنه توقف مؤقت، وأن هناك تطمينات بأن السعودية ستستأنف تحويل التزاماتها، بما في ذلك عن الأشهر التي توقفت فيها، وأن الموضوع لا يوجد له أية أبعاد سياسية.
بشكل عام، قال الحمد الله، إن المساعدات الخارجية انخفضت بشكل كبير هذا العام، فعلى سبيل المثال، لم تحول الولايات المتحدة الاميركية أية مبالغ من اجمالي التزامها للعام 2016، وقدرها 263 مليون دولار، لكنه بالمقابل، أشاد بالموقف الاوروبي "المتقدم سياسا واقتصاديا وماليا".
وفي الشأن المالي ايضا، لفت رئيس الوزراء الى نمو ملحوظ في الايرادات، مصدره الاساسي تحسين الجباية، سواء في الجباية المحلية (250-300 مليون شيقل شهريا)، او المقاصة مع اسرائيل (500-600 مليون شيقل شهريا)، ما ساهم في التخفيف من حدة الازمة المالية وتمكين الحكومة من الوفاء بالتزاماتها، خصوصا رواتب الموظفين، وهو التزام وضعته حكومة الحمد الله كأولوية منذ اللحظة الاولى لتوليها مهامها، اضافة الى "خفض المديونية بنحو مليار دولار".
في المحصلة، ومع معدل انفاق يصل حوالي 1.15 مليار شيقل شهريا، قال الحمد الله، هناك عجز شهري يقدر بنحو 300 مليون شيقل، يغطى جزء منه بالمساعدات الاوروبية خصوصا، وما يصل من مساعدات قليلة اخرى، فيما تضطر الحكومة لترشيد الانفاق لتغطية الباقي، كتأجيل التعيينات الجديدة في أجهزة الأمن هذا العام، وتقليص التعيينات الجديدة في الوظائف المدنية بنسبة 50% على مدى ثلاث سنوات (2015-2017).
وكشف الحمد الله عن تشكيل لجنة وزارية لدراسة مقترح "تقاعد اختياري مبكر"، مؤكدا ان المقترح قيد الاعداد، "وسيتضمن عرضا جيدا لتشجيع موظفين على التقاعد".
موضوع الانتخابات المحلية، وما آلت اليه في اروقة القضاء، طرح على طاولة رئيس الحكومة في لقائه مع الصحافيين. في المبدأ، أكد الحمد الله اصرار حكومته على إجراء هذه الانتخابات، كاستحقاق دستوري ولأهميتها السياسية كفاتحة لإجراء الانتخابات الرئاسة والتشريعية، وفي التفاصيل، كشف عن لجنة وزارية لدراسة مقترح تشكيل محكمة مختصة (محكمة بلدية) للنظر في كافة القضايا ذات العلاقة بهذه العملية، سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة، كما كشف عن اتصالات مع حركة حماس بهذا الشأن معربا عن أمله بالتوصل الى تفاهم قريب بهذا الخصوص.
وسبق ذلك، تساؤلات بشأن مصير جهود المصالحة وإنهاء الانقسام، خصوصا بعد لقاء الرئيس محمود عباس بالدوحة، الاسبوع الماضي، كلا من رئيس المكتب السياسي في حماس خالد مشعل، والقيادي في الحركة إسماعيل هنية، وفي هذا قال الحمد الله ان اللقاء "كان جيدا وننظر له بإيجابية. هناك مقترح بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد ستة أشهر. نحن نفضل هذا الاقتراح، لكن إذا ارادت حماس الذهاب فورا الى الانتخابات، فنحن فلا بأس. هذه الامور ما زالت عبارة عن مقترحات، نأمل أن تتحقق بما يعيد الوحدة وينهي الانقسام".
انتهى اللقاء بتجاوز نصف ساعة عن الوقت المخصص، ورغم أنه ترك اسئلة في أذهان الصحافيين، إلا أن الارتياح كان باديا على الجميع، على أمل ان تحمل الأيام القادمة خطوات فعلية لتجسيد روح هذا الانفتاح على الارض، ولسان حالهم يقول "الخير بالجايات
أرسل تعليقك