تخيم الغيوم الآن على سوق الإسكان في نيويورك. قبل سنتين كانت أسعار العقارات تتصاعد باستمرار – تماما مثل ناطحات السحاب الفاخرة التي تنتشر الآن في وسط مانهاتن لكن وكلاء العقارات يقولون إن أحجام المبيعات في الربع الأول من عام 2018 كانت عند أدنى مستوى لها منذ ست سنوات. في الوقت نفسه كان متوسط سعر القدم المربع أدنى 18 في المائة مما كان عليه قبل سنة، وفقا لبعض التقارير.
وهذا يجعل وكلاء العقارات في مانهاتن يتناقلون الشائعات وهم متوترون حول آفاق السوق المحلية. لكن ينبغي أن يعمل هذا على تحفيز المستثمرين وصناع السياسة كي يطرحوا سؤالا أهم: هل يمكن لهذا التوتر الشديد في نيويورك أن يكون إيذانا بتراجع أسواق العقارات خارج الولايات المتحدة. بعبارة أخرى، هل الأسواق العالمية تُظهِر عامل "التزامن"، أو أثر التداعيات؟
حتى عهد قريب كان كثير من الاقتصاديين يفترضون أن الجواب هو "لا". ويعلم المستثمرون منذ فترة طويلة أن أسواق الأسهم العالمية وأسواق السندات غالبا ما تتحرك معا، لأن العولمة ربطت تدفقات الاستثمار وقاعدة المستثمرين.
اعتاد الاقتصاديون على الاعتقاد بأن أسعار العقارات أقل ارتباطا، على اعتبار أن المسكن، خلافا للسهم، لديه وظيفة نفعية (مكان للعيش فيه)، وأسعار العقارات غالبا ما تتشكل بفعل العوامل المحلية. وكلاء العقارات في مانهاتن، مثلا، يلقون باللوم في التباطؤ الأخير على العواقب السلبية لإصلاحات ترمب الضريبية – وعلى تخمة العقارات الفاخرة الجديدة.
لكن في الشهر الماضي نشر صندوق النقد الدولي أول تقرير شامل له حول العقارات العالمية، وهو يشير إلى أن حركة أسواق العقارات تصبح الآن أكثر ميلا للتزامن. قبل عقدين، فقط 10 في المائة من التحركات في أسعار العقارات يمكن أن يُلقى باللوم فيها على عوامل عالمية – وليست محلية. الآن هذه النسبة 30 في المائة، وهي تظل أدنى مما في الأسهم، حيث عوامل الارتباط العالمية في حدود 70 في المائة. لكن الأمر اللافت للنظر هو أن هذا التزامن في العقارات يؤثر على المراكز العمرانية في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان المتقدمة. أو كما يذكر التقرير: "أسعار المساكن في المدن الرئيسة خارج الولايات المتحدة – في بكين ودبلن وهونج كونج (المنطقة الإدارية الخاصة)، ولندن، وسيئول، وشنغهاي، وسنغافورة، وطوكيو، وتورنتو، وفانكوفر – مرتبطة بالتأكيد بأسعار المساكن الأمريكية المختلفة".
هذا ربما يبدو أمرا عاديا لا يثير الاستغراب، لأن النخبة العالمية تقفز عبر الحدود بسرعات تثير الدوار. وكذلك يفعل رأس المال، والأنباء التي تشكل المزاج العام. في الوقت نفسه، الرسملة السوقية لقطاع صناديق العقارات الاستثمارية ارتفعت ثلاثة أضعاف خلال الـ 15 عاما الماضية، وتعمل شركات إدارة الأصول الكبيرة على تخصيص 11 في المائة في المتوسط من محافظها للعقارات.
هذا جعل سوق الإسكان أكثر اتساما "بالطابع المالي"، على اعتبار أن بعض المستثمرين يعاملون الإسكان على أنه أقرب إلى كونه من الأصول القابلة للمتاجرة، ويسعون وراء العوائد في مختلف أنحاء العالم. ولا عجب أن عقدا من السياسة النقدية الفضفاضة للغاية في الغرب رفع معه عددا كبيرا من قوارب العقارات الموزعة جغرافيا.
لكن السؤال الذي يستثير جدالا الآن في أروقة صندوق النقد الدولي – إلى جانب البنوك المركزية الغربية – هو ما الذي سيحدث لاحقا؟ إحدى العواقب غير المرغوبة للتزامن هي أن صناع السياسة المحليين أصبحوا أقل قوة من قبل. في السابق كانت البنوك المركزية تحاول تنفيس فقاعات أسعار العقارات من خلال قراراتها حول أسعار الفائدة المحلية. لكن هذا الحل لا ينجح الآن بالقدر نفسه في عالم من التدفقات الرأسمالية المتقلبة.
بعض صناع السياسة يعملون الآن على استكشاف أدوات أخرى. إيرلندا، مثلا، تحاول تهدئة طفرة الإسكان من خلال إدخال قواعد تجعل من الصعب إعطاء قروض إسكان. وتستخدم كندا وهونج كونج إجراءات مماثلة. لكن هذه الإجراءات المحلية لم تكن فعالة بصورة خاصة في تنفيس فقاعات الأسعار المحلية حين كانت السيولة العالمية وافرة. وهي حتى أقل احتمالا للعمل بصورة عكسية إذا أصيب طوفان السيولة العالمية بالجفاف فجأة.
في الوقت الحاضر لا توجد علامة على أن انقباض السيولة يحدث فعلا. ورغم أن الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة ست مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن هذا بشكل ملحوظ لم يعمل على تشديد الظروف المالية حتى الآن لأن السياسة النقدية في البنوك المركزية الأخرى تظل فضفاضة للغاية. لكن النقطة المهمة هي ما يلي: إذا (أو حين) تصبح الظروف المالية العالمية في نهاية المطاف أقل نفعا، ستكون هناك على الأرجح حركة هبوطية في أسواق المساكن كذلك، مع بعض التداعيات غير المتوقعة.
الواقع أن أكبر نقطة مثيرة في تقرير صندوق النقد هي أن "التزامن المتصاعد في أسعار المساكن يمكن أن يكون علامة على مخاطر سلبية لذيل المنحنى بالنسبة للنشاط الاقتصادي الفعلي، خصوصا حين يحدث في بيئة ائتمان منتعشة.
بلغة بسيطة، هذا يعني أن ارتباط الطفرة في أسواق العقارات العالمية يمكن أن يكون علامة على متاعب في مرحلة لاحقة. يجدر بنا أن نبقي أعيننا على تقارير وكلاء العقارات في نيويورك – وكذلك في لندن وهونج كونج. مشاعر القلق الشديد في نيويورك ربما تكون هي النذير المبكر لهذه الظاهرة.
أرسل تعليقك