يعتبر سوق الزاوية واحداً من أكبر وأقدم الأسواق في قطاع غزة، غلبت شهرته بمعالمه الأثرية الموجودة وبملامحه التاريخية لأكثر من500 عام، حيث يعد السوق المركزي لمدينة غزة، ويمثل جزءاً هاماً من تاريخ فلسطين، فمئات المواطنين يترددون عليه يومياً لشراء احتياجاتهم ولوازمهم المنزلية.
أما في شهر رمضان المبارك، فالوضع يختلف عن باقي الشهور، حيث لا تكاد تجد موضع قدم في هذا السوق الذي يعد أكثر المناطق ازدحاما في هذا الشهر، فشوارعه مزدحمة بالمتسوقين الذين يأتون من مناطق مختلفة من قطاع غزة لشراء احتياجاتهم الرمضانية .
وما أن تحل الأيام الأولى من الشهر الفضيل، حتى تجد مئات من الغزيين داخل هذا السوق الذي يقع من بداية أطراف حي الدرج شرق غزة، وتترامى أطرافه وزواياه حتى ميدان فلسطين والمسجد العمري الكبير وشارع عمر المختار، ويرجع تاريخه إلى عصر المماليك أي إلى قرابة 8 قرون، ويرجعون التسمية إلى مجموعة من الزوايا والأركان التي يتميز بها وخاصة إلى مسجد صغير كان يتوسط السوق يعرف بزاوية الهنود وكان يرتاده الهنود في عصر الدولة العثمانية .
تتنوع المحلات بداخل السوق من محلات للعطارة والخضار والفواكه، والدواجن والأسماك واللحوم وغير ذلك، ولكن أهم ما يميزه محلات العطارة الموجودة بكثرة في هذا المكان التاريخي، والتي بدورها تساعد المرضى للحصول على الأدوية اللازمة لهم.
أما في شهر رمضان فإن معظم سكان المدينة يأتون إليه طلباً لحاجيات رمضان التي تتواجد بكثرة في محلات السوق، ويحرص أصحاب المحلات على عرض بضائعهم بشكل ملفت للنظر يشجع على الشراء، مما جعل العديد منهم يأتي إلى السوق للتمتع بمنظر البضائع .
التاجر مراد البيطار أرجع سبب تسمية السوق 'بالزاوية' لكثرة تفرعاته وشوارعه الممتلئة بالمحلات التجارية المختلفة، أما المواطن رفيق البربري فيقول "أقبل على الشراء من هذا السوق لأن أسعاره أقل من أي مكان آخر"، مشيرا إلى الإقبال الشديد للغزيين للشراء من هذا السوق الشهير لاسيما في رمضان.
الحاج محمد السيقلي (60عاما)، يتواجد في سوق الزاوية منذ 40 عاماً وبشكل يومي يقف أمام محله المتواضع ابتسامته العريضة تخطف أنظار المتسوقين يجذبهم لبضاعته ذات الأنواع المختلفة من العطارة، كالمرمية والكستناء والشاي والزعتر، والخروب وعرق السوس .
عمر فاروق صاحب متجر داخل السوق أوضح بأن السوق كان للتبادل التجاري في الماضي، وأن حركة البيع داخل السوق كبيرة منذ القدم، بالإضافة إلى أن أهم ما يميزه قرب المحلات من بعضها البعض ووجود مختلف الأصناف فيه.
في حين يوضح الحاج عبد الله سليم (65 عاما)، وهو يعمل في سوق الزاوية منذ زمن طويل "يعد سوق الزاوية من أكبر وأعرق الأسواق في غزة رغم كل ما يعتريه من تدهور وانخفاض في نسبة المبيعات تصل أحياناً إلى 70%"، مؤكداً أن هذه النسبة لن تمحي أعوام الازدهار التي عاشها السوق وتجاره لعشرات الأعوام في الماضي.
ويتابع "رغم الركود الاقتصادي وقلة البضائع إلا أن سوق الزاوية يوفر كل ما تحتاجه الأسرة بأسعار في متناول الجميع، فمن الفواكه والخضروات إلى الأسماك واللحوم والمشروبات الشعبية والأعشاب والحلويات المتنوعة، وصولاً إلى ألعاب الأطفال.
وتتوسط السوق دكان أبو حازم شعبان، الذي يشتهر ببيع الخروب، حيث يقول "الخروب عدة أنواع، نوع تركي، وآخر يُزرع في عزوم في الضفة الغربية، وحلاوته تفوق حلاوة التركي، لذلك فإنه يوفر كثيراً من السكر أثناء التحضير، ولا يحتاج إلى صبغة".
وعن طريقة عمل "الخروب" يقول "يُنقع من الصبح إلى العصر، وبعد ذلك يُفرك باليد ويُحلّى ويُبرّد، أما إذا كنت مستعجلاً بإمكانك أن تغلي الماء، وتضع الخروب، ثم تفركه وتحليه، وتتناوله، وتقدمه لضيوفك بارداً، أما "السوس" فيوضع في (قطعة قماش) ويوضع في وعاء، ويبقى حلوا دون سكر، ومثله التمر هندي".
ويتابع "رمضان يفرض على المتواجدين في السوق شراء الخروب أو عرق السوس، لذا تشهد محلات بيع الخروب قبل أذان المغرب إقبالا واسعا من المواطنين وكذلك محلات بيع القطايف والحمص والكبة والفلافل والمسكرات" .
أما الحلويات فلها مذاق خاص في شهر رمضان، ولا يمكن أن يستغني البيت الفلسطيني عنها، وعميدة هذه الحلويات التي لا يخلو بيت منها هي "القطايف"، يقول نادر ضبان وهو صاحب محل لبيع "القطايف" الذي حدثنا على الرغم من انشغاله بإعدادها، أن علاقة الناس بالحلويات في رمضان علاقة قوية جدا ً، مضيفاً "من عادات الغزيين الإكثار من الحلويات، وخاصة "القطايف"، فهي مرتبطة فقط بشهر رمضان؛ لأن الناس لا تطلبها إلا في هذا الشهر".
ويضيف ضبان الذي ورث مهنته عن أبيه وجده، إذ أن تاريخهم معها جاوز الثمانين عاماً، أن "القطايف تتكون من سميد وكربونة وخميرة وطحين، وتعجن عجينة، ثم تُصب على بلاطة حديد، وهي ذات مقاسات مختلفة (كبير ووسط وصغير) يرغبه أهالي غزة ويطلقون عليه اسم " قطايف عصافير"، أما عن الحشوات فهي مختلفة البعض يحشوه بالتمر الصافي وهناك من يحشونه بالمكسرات والجوز ومنذ أعوام قليلة أصبح الكثير من الناس يحشونه باللبن والقشدة وجوز الهند والجبنة الحلوة" .
وأوضح ضبان أنه يشعر بسعادة بالغة وهو يعد القطايف؛ إذ أنها تُعدّ جزءاً من تراث الشعب الفلسطيني وجزءا من طقوس مهنته التي لا تنشط إلا بحلول الشهر الكريم، مشيراً إلى أنه يعد منها في أول أسبوع من رمضان كمية كبيرة؛ لأن الإقبال عليها يكون كبيراً جداً؛ إذ يتدافع الناس لشرائها في كل وقت، وخاصة بعد صلاة العصر، ثم يخف الإقبال عليها في آخر الشهر .
أما التاجر هشام الحلو صاحب محل الحلو للبهارات والتجارة العامة بدأ قبل أيامٍ من بدء الشهر الكريم كغيره من التجار بعرض بضاعته للمواطنين، واصفاً إياه بأنه موسم يحمل في طياته خصوصية كبيرة، حيث تزداد الحركة الشرائية عن غيرها في الأيام العادية.
ويضيف الحلو "إن أكثر السلع إقبالا عليها من المواطنين في شهر رمضان، هي الأجبان والألبان وخصوصا المصرية منها، إذ أنها رخيصة الثمن، وبمقدور الجميع شرائها، إضافة إلى أنها متوفرة بجميع الأحجام والأصناف".
وعن الوقت التي تزداد فيه الحركة الشرائية للمواطنين، يجيب الحلو قائلا "تنشط الحركة التجارية قبل يومين من ابتداء شهر رمضان الكريم وتهدأ بعد اليوم الخامس من الشهر الفضيل، لتعاود الاشتداد في الأيام الخمسة الأخيرة من رمضان".
أرسل تعليقك