دفعت القوة العاملة النسائية ثمنا كبيرا لتراجع قطاع النسيج المهدد بالاندثار في محافظة طولكرم، وغادر العدد الأكبر منهن السوق لينضممن لصفوف العاطلين عن العمل.
وهجرة النساء لهذا القطاع في غالبها كانت باتجاه العودة للبيت، أو باتجاه قطاعات لا تقل ظروف العمل فيها قسوة عن هذا القطاع، رغم أنه كان مقصدا للباحثات عن فرص عمل أو من ضاقت ظروف الحياة بهن.
وحسب الإحصاءات الصادرة عن مكتب وزارة الاقتصاد في طولكرم في العام 2003 فقد انخفض عدد المنشآت الصناعية العاملة في مجال النسيج والملابس بنسبة 3.57%، كما انخفض عدد العاملين فيه بنسبة 9.35%، وانخفض الإنتاج بنسبة 1.41%، وما زالت النسب تتراجع.
وترك إغلاق هذه المشاغل والتي وصل عددها حاليا لحوالي 85 مشغلا، أثراً سلبياً على النساء العاملات فيها، إذ يتفاوت عددهن من مشغل لآخر، بحسب الإنتاج المتوفر، وأصبح لا يتعدى عددهن الـ 15 عاملة فقط في المشغل الواحد، ويعملن في هذه المهنة منذ 10-23 عاماً، أي لم يعد هذا القطاع قادر على تشغيل يد عاملة جديدة ومكتفيا بصاحبات الخبرة.
"وفا" حاولت التعرف على واقع النساء العاملات في هذا القطاع، وزارت عددا من المشاغل.
وأشارت العديد من العاملات إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة لعائلاتهن هي التي دفعتهن للعمل بهذا القطاع والاستمرار فيه، رغم ظروفه الحالية الصعبة، بالرغم من حصول بعضهن على الشهادة الجامعية.
وذكرن أن غياب فرص العمل والوضع الاقتصادي الصعب دفعتهن للعمل بهذا القطاع، والقبول بالأجر المتدني الذي يتراوح من 1500 إلى 2000 شيقل يتقاضينه بشكل يومي أو أسبوعي وأحيانا شهريا، في حين تحصل أخريات على أجر أقل لا يراعي الحد الأدنى للأجور(1450 شيقل).
واستهدفت الحكومة في قرارها الحد الأدنى للأجور هذه الفئة من العمالة إلى جانب غيرها من الفئات المهمشة، والتي كانت أجورها لا تتجاوز في بعض الأحيان 800 شيكل شهريا.
وأشارت عدد منهن وخاصة من أمضين سنوات طويلة بهذا القطاع لهجرة زميلاتهم لهذا القطاع وعودة غالبهن للمنزل، أو العمل في عيادات الأطباء والمحاميين أو محلات بيع الملابس، وبظروف عمل لا تقل قسوة عن ظروف عملهن.
مدير جمعية أصحاب صناعة الملابس في طولكرم علي عوض عمل في هذا القطاع منذ عام 1983 كعامل في أحد مشاغل الخياطة التابعة لشقيقه، وتمكن مع مرور السنين من افتتاح مشغل للخياطة خاص به عام 1992 سلط الضوء على واقع هذا القطاع.
وقال عوض "عمل عندنا في المشغل عند افتتاحه حوالي 70 عاملة، انخفض اليوم ليصل إلى 5 عاملات، أقدمهن مر على عملها 23 عاماً وأقلهن مدة 10 سنوات، ومنهن المتزوجات وغير المتزوجات، يعملن 8 ساعات يومياً بيومية تصل من 50 -80 شيقلاً" .
وأعاد رئيس نقابة أصحاب صناعة الملابس والنسيج في طولكرم خالد حسونة أسباب انهيار هذا القطاع للاحتلال الإسرائيلي وسياسة الإغلاق والحصار ما دفع التاجر الإسرائيلي للبحث عن أماكن أخرى، وكذلك تدفق البضائع الصينية الرخيصة على السوق الفلسطيني.
وقال "يعمل هذا القطاع لصالح تجار وشركات إسرائيلية وعلى مدار 6-7 شهور في السنة، حيث تقوم الشركات أو التاجر الإسرائيلي بتوفير المواد الخام للمشاغل التي تقوم بدورها بإنتاج البضاعة حسب المواصفات والمقاييس المطلوبة، والتي يتم تصديرها للخارج من قبل هذه الشركات.
كما أن صاحب العمل ليس الشخص المخول بتحديد سعر القطعة إنما هو التاجر الإسرائيلي والشركات التي تفرض عليه السعر، مبينا أن حجم عمل هذه المصانع للسوق المحلي محدودة لا تتجاوز نسبتها 1-2% من حجم العمل.
وبين حسونة أن راتب العاملة يتم تقديره بناء على إنتاجها وكفاءتها، موضحاً أنه من غير المعقول أن يتم مساواة أجر من تعمل في الخياطة بمن تعمل في تنظيف القطع الجاهزة بعد خياطتها، مشدداً على أن صاحب العمل ملزم بدفع أجورهن بناء على الحد الأدنى من الأجور رغم تراكم الالتزامات عليه من ضرائب ومستلزمات أخرى.
وأشار إلى أن العاملات أصبحن الآن على وعي تام بالقوانين أكثر من السابق، لافتاً إلى أن الكثيرات منهن يلجأن إلى رفع قضايا على صاحب العمل بدعوى الحصول على مستحقاتهن أو دعوى الطرد التعسفي.
ويرى رئيس اتحاد النقابات الفلسطينية في طولكرم النقابي محمد بليدي، أن هناك استغلال لموضوع البطالة من قبل أرباب العمل الفلسطينيين بشكل كبير، ويتم تشغيل العمال سواء ذكور أو إناث في مشاغل الخياطة بدون وجود عقود عمل مكتوبة، وهناك بعض أرباب العمل يقوم بتوقيع العمال والعاملات على وثيقة فارغة، تستخدم مستقبلاً ضد حقوقهم.
وأكد بليدي أن العاملة لا تأخذ الحد الأدنى من الأجور حسب قانون العمل الفلسطيني الذي يذكر أن عدد ساعات العمل هي 7.5 ساعة في اليوم ولمدة ستة أيام في الأسبوع، و26 يوم في الشهر، إضافة إلى الأعياد الرسمية، براتب 1450 شيقل، مشيراً إلى أن العاملة التي تأخذ 40 أو 50 لا تحصل على الحد الأدنى للأجور، مع العلم أن مبلغ 1450 شيكل يعتبر أقل من خط الفقر المدقع، والذي يصل إلى 1860 شيقلا حسب مركز الإحصاء.
وأشار إلى التمييز في الأجر بين المرأة والرجل، وأن أصحاب المشاغل يفضلون النساء أكثر من الرجال لأنهن يقبلن بأجر أقل.
أرسل تعليقك