بات المستثمرون من خارج بريطانيا، الذين يشترون منازل للتأجير، خاصة من دول الخليج، خلال السنوات الماضية جزءا مهما من المشهد العام لسوق العقارات في لندن ومع أن البعض يعتقد أن جاذبية سوق العقارات اللندنية بدأت تفقد بريقها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، ومن ثم انخفاض العائد الحقيقي الذي يحققه المستثمر من استثماره العقاري في لندن، إلا أن المهندسة ماري كليدين المتخصصة في الأبحاث المتعلقة بوضع وتطورات الأسواق العقارية في المملكة المتحدة، ترى أن المشهد العقاري أكثر تعقيدا الآن من السابق، خاصة في ضوء الدور الذي يقوم به المستثمر الأجنبي وتحديدا من منطقة الخليج العربي، في تحديد الاتجاهات الراهنة في السوق العقارية في لندن.
وتوضح لـ "الاقتصادية"، أن "المستثمرين الأجانب يركزون عملية الشراء على المناطق الفاخرة في لندن مثل بلجرافيا وكينسينجتون، وقد بلغت عملية الشراء أعلى مستوى لها منذ خمس سنوات، إضافة إلى أن توتر العلاقات بين المملكة المتحدة وروسيا أدى إلى تراجع حصة الروس من السوق العقارية البريطاني لمصلحة المستثمرين من منطقة الخليج، وفي النصف الثاني من العام الماضي، اشترى مستثمرون من منطقة الخليج وتحديدا الإمارات نحو سدس (17 في المئة) المنازل الفاخرة المعروضة للبيع في وسط لندن".
وتضيف كليدين إلى أن التوقعات المستقبلية تشير إلى احتمال تحسن السوق العقارية في لندن، وتدفق مزيد من الاستثمارات الخليجية في هذا القطاع الحيوي، كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يؤثر في الشهية الخليجية للاستثمار في عقارات المملكة المتحدة، خاصة أن المستثمر الخليجي لا يخضع للحسابات التقليدية المتعلقة بالاقتراض من المصارف البريطانية، ومن ثم متابعة أسعار الفائدة وتداعياتها على الأسواق.
وتشير كليدين إلى أن تراجع أسعار العقارات خاصة الوحدات السكنية الفاخرة، أدى إلى مزيد من الاستثمار الخليجي في لندن، فالمستثمر الخليجي لا ينظر للربح والخسارة في الأجل القصير، وإنما إلى اتجاهات الأسواق على الأمد الطويل. وتشهد لندن في الوقت الراهن تراجعا ملموسا في أسعار العقارات سواء كانت وحدات تجارية أو سكنية، فخلال الربع الأول من هذا العام انخفضت أسعار المنازل في العاصمة البريطانية بنحو 3.2 في المائة، وهو أسرع تراجع سعري تشهده لندن منذ تسع سنوات.
فمنذ عام 1973 عندما انضمت بريطانيا للاتحاد الأوروبي، ارتفع متوسط سعر المنزل في لندن من أقل من 13 ألف جنيه استرليني إلى 474 ألف جنيه حاليا بزيادة تقدر بنحو 36 ضعفا.
إلا أن الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ألقت بثقلها وبشكل واضح على أسعار المنازل التي وصلت للقاع، وخسرت نحو 20 في المائة من قيمتها بحلول عام 2009. جوردن جلوفر الرئيس التنفيذي لشركة "آندروا ريف" للعقارات، يعتقد أن التراجع في أسعار العقارات في لندن قد يستمر لبعض الوقت مستقبلا.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن المؤشرات لا تبدو إيجابية بالنسبة للقطاع العقاري، فمثلا الوقت الذي يستغرقه بيع المنزل بات طويلا، وإذا أخذنا في الاعتبار أن أسعار الفائدة سترتفع وسيرتفع معها الرهن العقاري، فإن اقتناء منزل في لندن سيزداد صعوبة خاصة بالنسبة للفئات الشابة". وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن المشترين الدوليين قاموا بأكثر من نصف عمليات شراء المنازل في وسط لندن، ونحو الثلث في لندن الكبرى في النصف الثاني من العام الماضي.
ويعتقد بعض خبراء العقار في بريطانيا، أن التغييرات التي أجرتها الحكومة في السنوات الماضية لردع المضاربين العقاريين بدأت تأتي ثمارها، فقد شملت عملية الإصلاح زيادة في ضرائب المبيعات على شراء المنزل الثاني. وفيما انصب الإعفاء الضريبي على الرهن العقاري للمنازل المستأجرة، تبنت الحكومة البريطانية خطة "المساعدة في الشراء" التي ستمتد إلى عام 2021، ويحتمل تجديدها لمساعدة الشباب أو الأسر الصغيرة على التحول من الإيجار إلى الملكية الجزئية بمشاركة الحكومة في تملك المنزل. ومع هذا تظل المشكلة الرئيسية قائمة في القطاع العقاري في بريطانيا، وتتمثل في انخفاض العرض مقارنة بالطلب، وفي هذا الإطار، يقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور سيمون كلارك أستاذ الاقتصاد البريطاني، إن "معدل النمو السكاني في لندن يبلغ 1.1 في المائة في المتوسط منذ عام 2012، وهذا يعني زيادة تقدر بنحو 96 ألف نسمة إضافية كل عام، وفي المقابل ووفقا لآخر تقرير أصدرته هيئة الإسكان في لندن العام الماضي، فإن متوسط عدد المنازل التي تبنى في العاصمة سنويا خلال العقد الماضي لم يتجاوز 20.030 منزل سنويا، ويقول التقرير إن عدد المشردين في لندن زاد بنسبة 7 في المائة بين عامي 2015 و2016، بينما زاد عدد العائلات التي تقطن في مسكن مؤقت بنسبة 6 في المائة خلال الفترة ذاتها، ونحن بحاجة إلى بناء 66 ألف منزل إضافي سنويا حتى نستطيع مواجهة الطلب المتزايد على العقارات في لندن".
ومع هذا لا تتعلق المشكلة بالنسبة لكثير من الساعين لامتلاك منزل في لندن، بعدم توافر المنازل بقدر ارتباطها بارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، على الرغم من تراجعها النسبي في الأشهر الأخيرة. فوفقا لتصنيفات الحكومة البريطانية، فإن 38 في المائة من إجمالي المنازل التي تم تشيدها في لندن أخيرا، تأتى ضمن فئة "ممكن شراؤها"، بينما يتطلب حل المشكلة العقارية في لندن أن تصل تلك النسبة إلى 65 في المائة من المنازل حديثة التشييد.
ويشير لـ "الاقتصادية"، المهندس المعماري بي. جي. ميجور في إحدي شركات الاستشارات الهندسية، إلى أن "لندن تحتل المرتبة الأولي باعتبارها أغلى العواصم الأوروبية في إيجارات المنازل، حيث يبلغ متوسط إيجار شقة من ثلاث غرف غير مؤثثة في لندن 5400 جنيه استرليني شهريا، مقارنة بنحو 1400 جنيه استرليني في المتوسط في باقي المملكة المتحدة، و1700 جنيه استرليني في أوروبا".
ويضيف ميجور أن "الإقبال الدولي على الاستثمار العقاري في لندن بمقدار ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، إلا أنه يشجع على تشييد المزيد من المشروعات العقارية، التي لن تسهم في حل المشكلة السكانية بشكل تام في لندن، لكن ربما تحد من تفاقمها مستقبلا".
أرسل تعليقك