روي كتاب «امرأة من فلسطين»، لمؤلفته ريم رفعت النمر، قصة حياة زوج الكاتبة نفسها، كما عايشتها، فأبو العباس بقامته المديدة كان يتمتع بشخصية مهيبة.
وكان على علاقة متينة بالزعيم الراحل «ياسر عرفات»، على الرغم من الخلافات السياسية بينهما، ونفذّ أبو العباس كثيراً من العمليات العسكرية، لم تحقق أهدافها المرجوة، وإلى أنها كانت تعبر عن صرخة المقاومة، التي شدت انتباه العالم نحو الظلم، الذي تعيشه فلسطين وشعبه.
بدأت حياة ريم النمر في عام 1970 عندما انضمت إلى حركة فتح، وكان الدافع للانضمام إلى الحركة هو ستحرّر فلسطين بأيدي الفلسطينيين وحدهم، وفي شهر سبتمبر بدأ عناصر فتح بتنفيذ تسلل من الأردن وشن هجمات داخل إسرائيل، في تلك الفترة «كنت أقصد معسكرات فتح باستمرار مرتدية الزي العسكري، وتعلمت فنون التصويب والتسديد على الأهداف.
وساعدت في تقديم الإسعافات الأولية للجرحى، ثم أوقفت نشاطاتي في حركة فتح عام 1971، وانضممت إلى الجهة الشعبية لتحرير فلسطين»، في شهر أغسطس 1974، «غادرنا الجبهة، وانتقلنا إلى المشاركة في تأسيس المنظمة الشيوعية العربية.
وقد ترأس المنظمة علي الغضبان، وكنت أحد مساعديه وقرروا تفجير وزارة الدفاع السورية الواقعة في ساحة الأمويين، كانوا بحاجة إلى المال لشراء الديناميت اللازم للعملية، لذلك سطوا على أحد البنوك في مدينة صيدا..جاء نبأ التفجير، الذي ألحق أضراراً بمبنى الوزارة وفق الخطة المرسومة، وبدأت السلطات السورية على الفور باصطياد عناصر المنظمة..
حجز محمد زوجها الأول مقعدين في سيارة أجرة متجهة إلى بغداد، وجلست في المقعد الخلفي، إلى جانب راكب آخر، ولدى الوصول إلى نقطة الوليد الحدودية» ختم الضابط جواز محمّد، ثم نظر إلى جوازي.
وقال: أريد أن أراها، كانت صورة السيدة الموجودة على الجواز تكبرها بعشر سنوات سألها الضابط: من أنتِ ؟ فأصرت على القول: إنها مريم صاحبة الصورة، وهنا قال لها الضابط: أنا لا أعرف من أنتِ، ولكن عندي إحساس يقول إنني يجب أن أسمح لكِ بالعبور.. وختم الجواز. كانت بغداد وطنها الثاني.
اتصل بها محمّد وقال لها إن أبا العباس أصبح في الفندق، وحينذاك اتصلت بالغرفة طالبة إياه، وحين سألها المرافق من تكون؟ قالت: مريم رفعت النمر، وما هي إلا بضع دقائق حتى بدأت لوحة الأزرار تومض أمامها، كان المتصل أبو العباس، وحين التقته، أعطاها مالاً، وتمكن من إصدار جوزات سفر عراقية إلى أبيدجان. وبعد فترة أقدمت على الطلاق في بيروت برضى عائلتها.
بعد عودتها إلى بيروت، تجدّدت معرفتها بأبي العباس، كان متزوجاً ولديه صبيان.
فتزوجا في التاسع من سبتمبر عام 1982، ذهبا إلى الشيخ وملآ الاستمارات القانونية للزواج وعادا إلى شقتهما في ركن الدين في دمشق..ثم انتقلا إلى العراق الذي أصبح وطناً خلال الأعوام ال17 التالية. وقدّم لهما صدّام حسين فيلا مطلية باللون الأبيض في منطقة الكرادة، كانت تحتوي على ميكروفونات مخفية.
في عام 1986 وضعت طفلها علي في بغداد، وعادت إلى عالم الأمومة بشعور غامر من السعادة وتجدّد الحياة، وفي 1990 انتقلت من بغداد إلى بيروت.
وفي أواخر يونيو 2000 ذهبت هي وأبو العباس في رحلة إلى فلسطين «كانت تلك الزيارة الأخيرة إلى فلسطين، كانت رحلة الوداع الأخير، وكانت آخر مشوار لنا معاً، في تلك الرحلة طفنا في جميع أرجاء المدن الفلسطينية التاريخية كالقدس وحيفا ورام الله ونابلس وجبل الكرمل، حيث تقع طبرية حيفا قرية أبو العباس، كانت رحلة اكتشاف لذاتنا وآلامنا ووداعنا».
زوجته ورفيقة دربه في النضال
تبين ريم النمر في الكتاب، أنه ربما انطوت حياة أبي العباس العسكرية على بعض الأخطاء أو الفشل، ولكن هي التي عرفته جيداً، وهي التي عرفته أكثر من أي شخص، إذ رافقته، وسارت على نهجه السياسي، وهي صديقته وزوجته. وتقول: «كنت معجبة بشخصية أبو العباس، كيف استطاع هذا الولد الفقير القادم من وسط مخيم النيرب بحلب، ومن زواريب مخيم اليرموك المقفرة في دمشق أن يكتسب كلّ هذه المعرفة والحكمة والثقة بالنفس؟».
أرسل تعليقك