براغ - وفا
في أمسية فلسطينية هي الأولى من نوعها في جمهورية التشيك، بدت الجماهيرية النخبوية للشاعر العربي الكبير محمود درويش، غير قابلة للمفاضلة أو القياس، خلال عرض تجربة شعرية، اتسعت بعالميتها لأربع رياح الدنيا، في قاعة مكتبة فاتسلاف هافل، الذي كان أديبا ومسرحيا عالميا، وقارئا لدرويش نفسه، ورئيسا لجمهورية تشيكوسلوفاكيا، عقب نجاح الثورة المخملية عام 1989م، فأول رئيس لجمهورية التشيك الحديثة.
في ذكرى ميلاده، التي عمدت الإرادة الرسمية الفلسطينية، إلى جعلها يوما وطنيا للثقافة الفلسطينية، للاحتفاء به إعزازا وتكريما، في الثالث عشر من آذار كل عام، استحضرت براغ في هذه المناسبة أوروبيتها، التي كان يألفها ويفهمها محمود درويش، في زياراته المتكررة لها، في إقامة أمسية هذا العام التي تمايزت على سابقاتها في السنوات الماضية، لتُتلى على محملها أشعاره مترجمة، بأربع لغات أوروبية، هي الإنكليزية والفرنسية والهولندية والتشيكية، بالإضافة إلى متيمته الأم، العربية الفصحى.
لجنة منظمة، كما تقول سفارة دولة فلسطين لدى جمهورية التشيك، ضمت فلسطينيين اثنين، وتشيكية وهولندي وأميركية، استطاعت إشراك وجوه ثقافية وأدبية وفنية ومسرحية عدة، لإثراء تلك الأمسية، أبرزها الكاتب العربي السوري الكبير صبحي حديدي، الذي جاء من باريس خصيصا، كي يشارك بعرض سردي شيق حول محمود درويش، الذي ربطته به صداقة عمر ومبادئ ـ بينما شارك الأستاذ المحاضر في كلية الفلسفة في جامعة تشارلز، والمتخصص لفترة طويلة بالأدب العربي فرانتيشك اوندراش، بمساهمة حول دور درويش في السياقات الشعرية الفلسطينية والعربية والتشيكية.
بعدها توالت التلاوات الشعرية وبنكهات مختلفة، للممثلة والمغنية التشيكية مونيكا ناتشيفا، التي أنشدت أشعار درويش، بمرافقة الموسيقي السوري مروان السليمان، بالإضافة إلى الممثلين كارل دوبري، وسارة أرنشتاين، وييرجي شيميك، ودانييل براون، وهيلين جينيت، وكذاك المترجم والحقوقي الهولندي هربرت فان ليندن، والدبلوماسي الفلسطيني السابق برهان القلق، الذي ترجم أشعار درويش إلى اللغة التشيكية.
يقول برهان القلق: "درويش هو شاعر الوطن، الحياة والحب، تعرفت عليه شخصيا في العام 1968م، في العاصمة البلغارية صوفيا، وكان قد زار مدينة براغ مرات عدّة، في ثمانينيات القرن الماضي وبعدها، وكذلك مدينة براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا الآن، لمناسبة افتتاح معرض الفن التشكيلي العالمي لنصرة فلسطين، كما التقى في براغ بالمستعربين التشيك وبالطلبة العرب بمناسبات عدة .. تمثل ترجمة أشعار درويش والاحتفاء بذكرى ميلاده الـ75 جهدا متواضعا لإقامة جسر بين الثقافات، بين الثقافة التشيكية والعربية. إن ترجمة أشعار درويش إلى لغات أجنبية، تجعله ماثلا بيننا وبين ظهراني المجتمعات الأجنبية، وهي قسط من الوفاء لرسالته الوطنية والأدبية والثقافية".
الناشطة التشيكية بيترا شتاستنا، من "محبي شعر محمود درويش" في جمهورية التشيك، التي تأسست هذا العام، لتنطلق بتنظيم هذه الفعالية بالتعاون مع سفارة فلسطين، تضيف "شعرت في هذه الأمسية أن محمود درويش يتحدث ويتلو أشعاره باللغة التشيكية، بفضل الترجمة الاحترافية للسيد القلق، وكذلك الأداء الرائع للممثلين والممثلات، الذين أدوا القصائد بشكل مميز أمام الجمهور، ولا أنسى الإضافة النوعية التي جسدتها مشاركة المحاضر والكاتب المعروف صبحي حديدي، الذي شعرت بامتنان كبير لوجوده بيننا.. أتمنى أن أرى الكثير من ترجمات القصائد الشعرية لدرويش إلى اللغة التشيكية، كي يطلع المهتمون التشيك على المزيد من الأدب والثقافة الفلسطينية، بما يسهل أيضا تنظيم مثل هذه الأمسيات".
سفير دولة فلسطين خالد الأطرش، الذي افتتح الأمسية بكلمة ترحيبية بالضيوف، أتبعها بشكر لكل من ساهم في إنجاح هذه الفعالية منذ أن بدأت كفكرة؛ يشير في حديث منفصل، إلى محمود درويش، كرافعة كبيرة لنضالات الشعب الفلسطيني، لدى الأوساط الثقافية المعاصرة، عند كل شعوب أهل الأرض التي عرفت محمود درويش شاعرا عالميا، وصاحب قضية عنوانها فلسطين، مضيفا "كان محمود درويش أجمل هدية تقدمها الحركة الأدبية والثقافية إلى فلسطين، وأعظم هدية تقدمها فلسطين إلى الإنسانية الغراء".
الجمهور النخبوي الذي اكتظت به القاعة وأروقة المكتبة، غلب عليه حضور الشابات والشباب التشيكي، الذين مثلت لبعضهم، الأمسية فرصة للتعرف على قامة محمود درويش الشعرية، بما سهل في نفس الوقت، تقديم بطاقة تعريف للقضية الفلسطينية على حقيقتها العادلة أمامهم، كمهتمين وباحثين ورواد مستقبل، لتنتهي الأمسية بكلمات شكر مقتضبة، لكل من ساهم في إنجاح هذه الفعالية جهدا ومشاركة وحضورا، تبعتها دعوة لعشاء تقليدي على الطريقة الفلسطينية إكراما لكل من حضر.
وتأتي هذه الأمسية الثقافية، بدعوة من سفارة دولة فلسطين لدى جمهورية التشيك، ومحبي شعر محمود درويش، بالتعاون مع مكتبة فاتسلاف هافل، ومعهد الشرق الأوسط وإفريقيا في كلية الفلسفة بجامعة تشارلز، ومهرجان الكتاب ومركزه براغ، ونادي "بِنْ" الثقافي، ووحدة "عرب فيست"، والمركز الثقافي التشيكي- العربي للحوار (إنسان)، ومهرجان "هلال فوق براغ"، ودار نشر ومقهى "فرا" الأدبي، ودعم إعلامي من صحيفتي (A2) و Tvarالأدبيتين.
أرسل تعليقك