الشارقة ـ فلسطين اليوم
هل للمكان دفء؟، وكيف يمكن فلسفة هذا الدفء؟ وما هي تجارب الحياة التي يمكن أن ترتبط بالمكان وتحدث فيه تاثيراً بعد غياب المؤثرين عنه؟، هل يقتصر المكان على الدار؟، أم جزء منه؟، أم على موقف حدث في مكان ما؟، وهل يؤثر المكان في الذات؟، وما حدود ذلك التأثير على الذات؟.
بهذه الأسئلة وغيرها، استهلت ندوة "دفء المكان" التي أقيمت ضمن فعاليات المقهى الثقافي لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وقدمها عبد الفتاح صبري، وأدارها إسلام بو شكير وبين عبد الفتاح صبري:" إن المكان في الذاكرة الشعبية لا يقتصر على ذلك البناء المعروف الذي يستوطنه الإنسان، ويبث فيه خلاصة حياته، وتجاربه، وإنما يتضمن التراث، والحكاية الشعبية، والأزياء، والأمثال، والأغاني، وغير هذا، وقد يكون المكان مجرد ظل شجرة يقام بجانبها احتفال، أو عيد، أو صلح بين متخاصمين".
وأضاف صبري: " إن الإنتاج الأدبي يقوم على تلازم جدلية الذات والمكان، ولا يكتشف الكثير أن بينه وبين المكان علاقة وثيقة، وأن للمكان سر في كل الانبعاثات الروحية التي يمر بها، وأن جميع مشاعر الإنسان ستؤرخ للذات والمكان في آن واحد، والمكان -على خلاف ما هو شائع - هو المتحرك بالإنسان وليس الثابت، وتنشأ بينهما علاقة روحية حيوية معيشية تسهم في تأسيس الجانب الروحي الخفي للإنسان في الذاكرة، مثل: المشاعر الإنسانية المختلفة التي خلدها التاريخ البشري على مر العصور".
وفي مداخلة له حول موضوع الندوة، قال الدكتور عمر بن عبد العزيز:" ربما يفهم الكثير أن للبشر وحدهم حياتهم الخاصة، لكن للأشياء الأخرى المحيطة بنا حيواتها الخاصة ايضاً، والدليل أنها تتحول، فمثلاً المكان المهجور يبدو حزيناً، والسؤال هنا هو: ما هي فلسفة هذا الحزن وهذا التغير؟، ومع ذلك لا تبقى الأمكنة تحت وطأة الشكوك، بل تتحول إلى مواطن لكائنات أخرى، وسكان جدد، وقد ألهم هذا بعض الكتاب الذين أكدوا أن وصف الساكن للأشياء لا ينطبق مع حركاتها وديناميكياتاها في الحياة".
من جهتها قالت الروائية فتحية النمر:" يمكن أن تكون علاقة الإنسان بالمكان علاقة متغيرة تخضع لظروف عدة، ففي الصغر نكره المقابر على سبيل المثال لأنها تذكرنا بالفراق، لكن في الكبر، يتغير التصور، فتكون المقابر من الأمكنة التي تثير فينا أكثر من دفء، وهذا واضح في طبيعة من يسكنها ممن سبقنا إليها من والد أو قريب أو حبيب".
وفي ختام المحاضرة ذكر العديد من الحاضرين أمثلة عن علاقة الإنسان بالمكان وما يتعرض إليه من تغيير بعد رحيل الإنسان، كأن يبدو مهجوراً مظلماً يغلب عليه طابع الحزن، أو ربما قد يتعرض للحرق إن كان منزلاً، أو يتعرض للموت والجفاف والتصحر إن كان زرعاً أو بستاناً، أو ربما يتعرض للعديد من الأقدار الأخرى التي يعرفها كل من مر بتجربة الفقدان والرحيل وعلاقتها الوثيقة المتفاعلة مع الأمكنة.
أرسل تعليقك