الإسكندرية - فلسطين اليوم
صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد ال 29 من سلسلة "مراصد"، ويتضمن دراسة بعنوان "المجتمع العميق للإخوان والسلفيين في مصر" للدكتور عمار علي حسن.
ويرى الكاتب أن التنظيمات والجماعات الدينية المسيسة قد سعت إلى تحقيق العمق في ركاب "التدين الاجتماعي"، أو التدابير الاجتماعية النابعة من الدين والتدين، والتي تبلغ ذروتها في شهر رمضان، وتستقطب حتى غير المتدينين، وتتجلى في أعمال مثل الصدقة دافعة البلاء، وصلة الأرحام، وكفالة اليتيم، وتوظيف الورع والخشوع في تحقيق السلم الأهلي، والاستفادة من المحرم الديني في الضبط الاجتماعي.
ويرمي هذا إلى تكوين رأسمال اجتماعي عريض، وعابر للطبقات الاجتماعية، يمكن توظيفه في عملية التقدم نحو حيازة السلطة بتحويله إلى رأسمال سياسي، وهو ما تحقق بالفعل في مصر خلال وقت مبكر.
وبوجه عام يمكن حصر أسباب ترسخ "المجتمع العميق" في العالم العربي عموما، وفي مصر على وجه الخصوص، في النقاط التالية: "جمعنة" الإسلام؛ فهناك اعتقاد راسخ في أن الإسلام "دين الجماعة"، وتوالي الحقب الاستعمارية، والتمييز متعدد الأوجه، وقِدم المجتمعات العربية، وطبيعة العمران.
وعن تأثير هذا العمق الاجتماعي على الدولة في العالم العربي بشكل عام، يقول الكاتب إنه إذا كان هذا العمق طوعيًّا ومتماشيًا مع الدولة الوطنية، والأفكار أو التصورات التي ينطلق منها متماشية أو منسجمة مع الثقافة المدنية والموروثات الشعبية التي تحفظ تماسك الجماعة الوطنية، فإنه يساعد الدولة على الصمود في وجه عوامل التفكك والانهيار، ويعطيها، حتى لو كانت هشة، فرصة لتتعلم من تجربة الماضي، وتبني على المجتمع العميق فتحافظ على وجودها وتنطلق به إلى الأمام.
أما إذا كان هذا العمق منجذبا إلى جماعات أو تنظيمات أيديولوجية تعمل على هدم الدولة الوطنية، أو لا تؤمن بها، فمن دون شك سيُستغل في تهشيم ما تبقى من الدولة، لإسقاطها وإقامة كيان سياسي آخر محلها.
وبالنسبة للسلفيين، فتبين الدراسة أن مختلف جماعاتهم لا تحبذ العمل التنظيمي، وكانوا ينتقدون بشدة "الدعوة السلفية" التي نشأت في الإسكندرية؛ لأنها كان تنزع نحو التنظيم بشقيه العلني والسري.
لكن الأمر تغير بعد ثورة يناير؛ إذ سارعت السلفية السائلة إلى تنظيم نفسها، واتكأت في جانب من مسلكها هذا على الجمعيات السلفية التقليدية؛ مثل "جمعية أنصار السنة المحمدية"، و"الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة".
واستند هذا التمدد الاجتماعي إلى شبكات من القدرات الاقتصادية والدعوية، فالسلفيون لديهم ركائز مالية، وإن كان حجم أعمالهم وأموالهم يلفه غموض، حتى الآن، خاصة أن استثمارات رجال الأعمال منهم توصف بأنها متوسطة الحجم، وليس فيهم أمثال رجال الأعمال الإخوان الكبار؛ مثل يوسف ندا وحسن مالك وخيرت الشاطر.
ويتطرق عمار علي حسن إلى فقدان الإخوان والسلفيين لعمقهم الاجتماعي تدريجيا، فبعد وصولهم إلى السلطة في مصر أخذ التنظيم الإرهابي "الإخوان المسلمين" وجماعات "التيار السلفي" يفقدون تدريجيا "العمق الاجتماعي" الذي صنعوه على مهل عبر عقود من الزمن ومن خلال وسائل عدة، وكان يشكل بالنسبة لهم "الذخيرة البشرية" التي يستمدون منها العزم والنصرة، سواء عبر حشود جماهيرية متتابعة هي أقرب إلى "استعراض القوة" أو عبر التصويت في الانتخابات بدءا من الاتحادات والروابط إلى الانتخابات التشريعية مرورا بالنقابات المهنية.
ويتجسد فقدان العمق الاجتماعي للإخوان والسلفيين في عدة مظاهر يمكن ذكرها على النحو التالي: أفول سحر الخطاب المتأسلم، السيطرة على منافذ الوعظ ومراقبتها، استهداف مؤسسات الرعاية الاجتماعية، والمواجهة الشعبية.
وترتب على فقدان جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والتيار السلفي الكثير من عمقهم الاجتماعي الذي صنعوه في دأب ومثابرة، عدة آثار، هي في وجهها الآخر، تعد بعض مظاهر تسطح هذا العمق أو إصابته تدريجيا بالضحالة، وهي كما يذكرها الكاتب: إعادة صياغة الصورة الإخوانية والسلفية، تقليص قدرة الإخوان والسلفيين على التعبئة والتجنيد، وتزعزع المنتمين للإخوان والسلفيين.
أرسل تعليقك