الذكاء الاصطناعي يُهدد مستقبل الجامعات الكبرى في العالم
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

"كورونا" يُعجل بتنفيذ مشاريع ظلّت رهينة التنفيذ المستقبلي

"الذكاء الاصطناعي" يُهدد مستقبل الجامعات الكبرى في العالم

 فلسطين اليوم -

 فلسطين اليوم - "الذكاء الاصطناعي" يُهدد مستقبل الجامعات الكبرى في العالم

جامعة أكسفورد
لندن - فلسطين اليوم

ليست مفاعيل الجائحة الكورونية كلها موتاً ودماراً وخراباً وصوراً كئيبة؛ بل إن لها بعض الجوانب الإيجابية المحمودة، ومن أهمّ تلك الإيجابيات التسريع بتنفيذ بعض المشروعات التي ظلّت رهينة التنفيذ المستقبلي بسبب نقص الجرأة والدافعية لتنفيذها. ستشهد السنوات القليلة المقبلة الخطوات الأولى لولوج حقبة الأنسنة الانتقالية التي ستأذن بنهاية عصر الأنثروبوسين Anthropocene (وهو عصر صارت فيه السلوكيات البشرية ذات مفاعيل - إيجابية وسلبية - مؤثرة في الطبيعة) ومقدم عصر النوفاسين Novacene (وهو عصر الذكاء الفائق الذي سيغدو فيه الإنسان البيولوجي مدعماً بالوسائط الميكانيكية والإلكترونية، وفقاً لتعريف عالم المستقبليات الأميركي جيمس لفلوك James Lovelock).

يبدو جلياً من طبيعة التغيرات الجذرية التي طالت حياتنا خلال الأشهر القليلة الماضية أن التغيير الجذري الذي سيطرأ على التعليم ما قبل الجامعي، والجامعي، في السنوات القليلة المقبلة هو المَعْلَم الأعظم الذي سيسود حياتنا في عصر ما بعد الجائحة الكورونية، وسيمثّلُ هذا التغيير قاطرة تجرّ وراءها سلسلة ممتدة من التطويرات الثورية على كل الأصعدة، وبخاصة في ميدان مغادرة المرجعية القائمة على نمط الثنائية الأزلية (المعلّم - المتعلّم) لصالح منظومات تعليمية يكون فيها المتعلّم مرجعية لذاته، يعرف متطلباته وكيفية التعامل معها بطريقة كفؤة تختصر كثيراً من الوقت والجهد والمال والموارد البشرية.

تتباين الصورة المستقبلية التي قد يخلص إليها القارئ بعد إكماله قراءة الكتاب المهمّ «ضدّ الرّوْبَتة... التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي Robot - Proof: Higher Education in the Age of Artificial Intelligence» الصادر عن معهد ماساتشوستس التقني MIT عام 2018. ومعروفٌ أن هذا المعهد يعدّ المطبخ التقني الأكثر شهرة في العالم، والذي تُطبَخ فيه التقنيات الثورية منذ بواكير تطويرها حتى دخولها طور الاستخدام التجاري واسع النطاق. يتخذُ التباين في الصورة المستقبلية واحداً من احتمالين اثنين؛ صورة ديستوبية قاتمة، أقرب إلى روايات الخيال العلمي، يغدو فيها الذكاء الاصطناعي الفائق متجسّداً في كائنات فرانكشتاينية ستحقّق السيادة على الكائنات البشرية، ويميل معظم الناس لاعتماد هذه الصورة الديستوبية بسبب ميلٍ متأصّل في السيكولوجيا البشرية، يقرن الانعطافات التقنية الثورية بمشاهد من الرؤيا القيامية ونهاية العالم؛ في حين أن الصورة الثانية هي مقاربة هادئة تعتمد الدراسات البحثية التي لا تنفكّ تجريها مراكز الفكر والتقنية ذات السمعة العالمية المشهودة؛ وعليه ليس أفضل من الارتكان إلى منشورات الـMIT التي تُعدّ وثائق مهمة في دراسة مستقبل العلم والتقنية والجنس البشري.

ليست برامج التعليم الإلكتروني بجديدة، بعد أن أصبحت البرامج التعليمية الرقمية المجانية في السنوات الأخيرة معْلَماً أساسياً من معالم التعليم في عصرنا الحديث؛ فثمة برامج مهمة أذكر منها برنامجين مميزين، هما الأكثر فرادة بين برامج التعليم الرقمي من حيث مفردات البرامج والمنصات التفاعلية والجهات الأكاديمية التي تدير هذه البرامج، البرنامج الأول هو «Edx» الذي يديره معهد ماساتشوستس التقني «MIT» وجامعة هارفارد، والبرنامج الثاني «Coursera» الذي تديره جامعة ستانفورد إلى جانب جامعات عالمية مشهود لها بالرصانة العلمية. تُنشر بين حين وآخر تقارير إحصائية لبيان أعداد المستفيدين من هذه البرامج التعليمية، ويُلاحظ أن الصينيين والهنود وبعض أبناء جنوب شرقي آسيا يأتون في طليعة المستفيدين من هذه البرامج الدراسية وبخاصة في موضوعات الرياضيات والفيزياء والبرمجة الحاسوبية ولغات البرمجة وتعلّم اللغات الأجنبية «وبخاصة الإنجليزية»؛ الأمر الذي يكشف أن هؤلاء يعدّون العدّة منذ وقت مبكر في حياتهم لترسيم صورة المستقبل الذي يريدونه لأنفسهم وبخطوات محسوبة بدقة ووعي، وفي العادة يرى هؤلاء في تلك البرامج الدراسية كنزاً ثميناً تنبغي الاستفادة منه إلى أبعد الحدود الممكنة، وليس غريباً أن نقرأ بصورة دورية عن شباب آسيويين يافعين في حدود العاشرة من أعمارهم، أو أكثر بقليل، وقد أكملوا برامج دراسية علمية وتقنية تكفي للحصول على درجة البكالوريوس بتفوق «وربما حتى الماجستير في أحيان أخرى».

تتمحور فلسفة التعليم الإلكتروني على جملة من الخصائص الجوهرية يبدو أن أهمها هي اثنتان؛ الأولى هي كونه تعليماً قائماً على المهارات skills based education التي يمتلكها المرء، وليس أفضل منه من يمكن أن يطوّرها في مسالكها المرغوبة، وبخاصة في عصرنا هذا الذي صار متخماً بالتشبيك المعرفي إلى مدى باتت الجامعات التقليدية عاجزة عن التعامل معه أو الإيفاء بمتطلباته. يكتب دانييل دينيت (الفيلسوف المحبّب والمقرّب من طائفة العلماء المرموقين) العبارة التالية في إحدى مداخلاته المهمّة: «المثابة البارزة التي صارت خصيصة مميزة للنجاحات الراهنة التي حققتها حضارتنا في العقود القليلة الماضية إنما تعود في جوهرها إلى طبيعة التشبيك المعرفي والتداخل المفاهيمي بين المساعي العلمية الحديثة».
وعليه لا مسوّغ للتفكير كثيراً في مصداقية التعليم الإلكتروني والخوف من حالات الغش والتدليس فيه. المرء في نهاية الأمر لا يسعى لشهادة تكون بمثابة صكّ مرور له لعالم العمل، بقدر ما يسعى لتطوير إمكاناته المعرفية ومهاراته المتفردة. «أرني مهاراتك قبل شهاداتك» هو عنوان العصر المقبل.

أما الخصيصة الثانية فهي تفتّت المرجعيات الحاكمة، وانزواء المركزيات الفكرية، وتراجع النخبويات الموروثة أو غير القائمة على فرادة المهارات البشرية والإمكانات العقلية. لن تكون لدينا بعد اليوم مرجعيات فكرية ذات سطوة متغوّلة، في الجامعات العربية بخاصة، ممّن يتحصّنون في قلاعهم الجامعية ويتخذونها ملاذاً مجانياً لبناء أمجاد موهومة لهم. سيكون قطاع التعليم الجامعي مصداقاً مختبرياً لهذه الحقائق حيث سنشهد منذ الآن انعطافات ثورية في حقل التعليم «العلوم والإنسانيات بخاصة، ومن ثمّ الطب والتخصصات المهنية الدقيقة»، وستتعاظم مفاعيل هذه الانعطافات التعليمية بعد تحسين عمل شبكة الإنترنت واسع النطاق (شبكات الجيل الخامس G5) وجعلها قادرة على تزويدنا بمصادر مفتوحة للمعلومات لن يكون معها المتعلم بحاجة إلى مرجعية أستاذية على النحو السائد في وقتنا الحاضر، ومن أجل هذا يعمل المطوّرون على جعل خدمة الإنترنت مجانية في السنوات المقبلة. أما التعليم التقني فستتكفل به الشركات التقنية العملاقة لأنها أدرى بمتطلباتها، وهي أفضل من الجامعات في هذا الشأن.

ليس أمراً يسيراً على القلب أن نقبل بأن تصبح جامعات كبرى مثل جامعة أكسفورد (أقدم جامعة عالمية معروفة تأسّست عام 1096) وجامعة كمبردج (تأسّست عام 1209) أقرب لكافيهات معرفية مزوّدة للمعرفة الإلكترونية، ويزورها المرء مثلما يزور المتاحف العلمية لكي يستمتع بفنجان قهوة وهو يتطلّع إلى مقعد السير إسحاق نيوتن أو يدقق في مخطوطة كتبها أحد كبار العلماء. هذا أمر لا يمكن قبوله بسهولة، وقد يكون شاقاً على النفس وبخاصة أن الجامعات صارت واحدة من الرموز القومية المهمة لكلّ دولة في العالم؛ لكن هذا هو بعض مميزات عصر الذكاء الاصطناعي الفائق القادم (عصر النوفاسين)، ولن يكون في وسعنا صدّه أو السباحة عكس تياره الجارف بقدر ما يتوجّب علينا تعظيم فوائده المتوقعة، والتحسّب كذلك لبعض سلبياته التي هي في نهاية الأمر سلبيات تترافق مع كل انعطافه تقنية غير تقليدية.
لن يتبقى لنا سوى التأسّي بشيء من بقايا نوستالجيا عصر يوشك على الأفول، بعد أن لاحت في الأفق تباشير عصر جديد لا نعرف أين ستقودنا مآلاته التي تعِد بكثير من المفاجآت الطيبة، ونأمل أن يكون نصيبنا من المفاجآت السيئة في أقل النطاقات الممكنة.

قد يهمك أيضـــــــًا : 

   مُسن في الـ 81 من العمر يُحقق وعده لأمه باستكمال دراسته ويتخرج

  أكرم شهيب يترأس مجلس التعليم العالي ويتخذ قرارات ضد مؤسسات مخالفة

palestinetoday
palestinetoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذكاء الاصطناعي يُهدد مستقبل الجامعات الكبرى في العالم الذكاء الاصطناعي يُهدد مستقبل الجامعات الكبرى في العالم



تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران

GMT 21:49 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

انتقال النسخة الـ23 من بطولة كأس الخليج إلى الكويت

GMT 16:12 2016 الخميس ,30 حزيران / يونيو

أجنحة الدجاج بالليمون والعسل

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

استبعاد تاج محل من كتيب السياحة الهندي يُثير السخرية

GMT 07:52 2016 السبت ,30 إبريل / نيسان

تصفية 3 متطرفين في منطقة كركرة شرق الجزائر

GMT 19:01 2017 الإثنين ,13 شباط / فبراير

روزبرغ يحذر بوتاس من صعوبة الأمور مع هاميلتون

GMT 04:11 2017 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

رامز جلال يصور فيلمه "رغدة متوحشة" فى الهرم

GMT 00:52 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة إنجي المقدّم تكشف دورها في "جوز هندي"
 فلسطين اليوم -
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday