تناولت الكثير من الروايات والأعمال الدرامية والسينمائية الكثير من الأعمال المتعلقة بجرائم الشرف منذ عقود، والتي مازالت قائمة حتى اليوم ونطالعها كل ساعة على مواقع التواصل وفي صفحات الحوادث.وربما تتزايد نسب تلك الحالات نتيجة سرعة تداول والكشف عن المعلومات، إلا أن القوانين مازالت جامدة في التعامل مع تلك القضايا وأمثالها، ما هي جريمة الشرف.. وهل يمكن معالجتها بالتشريعات، وهل تتساوى عقوبة الرجل بالمرأة في حالات التشابه؟
قالت الدكتورة علياء شكري، أستاذة علم الاجتماع والعميد الأسبق لكلية البنات جامعة عين شمس بمصر، إن "مشكلة جرائم الشرف المتعلقة بالمرأة وبشكل خاص في المجتمعات الشرقية والعربية تكمن في عمليات التمييز بين الرجل والمرأة، واعتبار الرجل هو المسؤول الأول والأخير في القيام بتلك المهمة، وهذا أمر غير منطقي، فلا وصاية من إنسان على إنسان آخر، والمرأة هى المسؤول عن صيانة نفسها".وأضافت في تصريحات صحفية،
إن "القوانين ليست هى الحل في مثل تلك القضايا المتوارثة، جرائم الشرف هي قضية اجتماعية في المقام الأول تتعلق بالثقافة المجتمعية، لذا علينا العمل على تغيير تلك الثقافة أولا، لأن من يطبق القوانين في الكثير من الأحيان تربوا في ظل تلك الثقافة المجتمعية التي تجاهلت المرأة وحقوقها لصالح الثقافة الذكورية".وأجرى المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر دراسة عام 2015 أفادت بأن 70% من جرائم الشرف لم تقع في حالة تلبس وإنما
اعتمد مرتكبوها على الشائعات.وأوضحت الدراسة أن تحرِيات جهات التحقيق في 60% من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية والتربص بها.من جانبها قالت عضو مؤسسة "المرأة الجديدة" والناشطة الحقوقية والنسوية في مصر، آمال عبد الهادي، إن "جرائم الشرف هي قضايا قتل تصدر فيها أحكام مخففة لصالح الرجل بدعوى أنه أرتكبها بدافع الشرف، في حين أن المرأة تأخذ عقوبات مغلظة إذا قامت بارتكاب جريمة مماثلة ضد الرجل وهذا تمييز، فإما أن يحاسب الطرفان
الرجل والمرأة بالعذر المخفف نتيجة فقد الأعصاب، أو لا يطبق العذر المخفف في العقوبة على الطرفان، أما تطبيق العذر على طرف دون الآخر فهذا تمييز غير مقبول".وأضافت في تصريحات صحفية: "جريمة الشرف ليست هي الجريمة الوحيدة في المجتمعات، وليست موجودة في المجتمع الشرقي فقط، هناك جرائم شرف في المجتمعات الغربية، لكنها تطرح بشكل مختلف، موضوع جرائم الشرف يؤلمني جدا لأن الأمر يطرح كما لو كانت جرائم الشرف التي
تلصق بالمرأة هي خاصة أو المعني بتنفيذ العقوبة فيها "الرجال فقط"، وأن المرأة ليس لها أي دور في وجه من يريد الاعتداء على شرفها".وتابعت: "في الحقيقة أن الأعذار المخففة في القانون ليست خاصة بجرائم الشرف فقط، بل تسرى على الكثير من الجرائم، فلو قام شخص باغتصاب إمرأة ثم قرر أن يتزوجها فمن الممكن أن يعفى من العقاب المقرر لتلك الجريمة والذي قد يصل إلى الإعدام، ولو قام خمسة أشخاص باغتصاب إمرأة يتم إعفائهم جميعا من العقوبة
إذا تزوجها أحدهم، المسالة هنا تكمن في "من هو الشخص الذي يقرر العفو من عدمه"، وهذا قصور في التشريع، فمثلا البنت التي يتم اغتصابها وتضطر للزواج من هذا المغتصب وتعيش معه فترة طويلة لأن بعض الحالات يكون غير مسموح فيها بالطلاق قبل 3 سنوات، هل يمكن تصور هذا الشىء المهين لكرامة هذا الإنسان "المرأة"، فلا يقتصر الأمر على أن الفتاة تعرضت للإعتداء، لكنها تجبر على البقاء مع المعتدي، كما أن الأهل يمارسوا في أحيان كثيرة ضغوط على الضحية للبقاء
في هذا الرباط المهين حفاظا على شرف العائلة، متغافلين عن معاناة تلك الفتاة التي تعرضت لجريمة الاغتصاب والتي تظل معها لسنوات طويلة".وأشارت عضو مؤسسة المرأة الجديدة إلى أن "القوانين تحتاج إلى مراجعة شديدة جدا، فنحن الآن في القرن الواحد والعشرين فمتى تتعدل القوانين، وطالما هناك تمييز بحق النساء والتعامل معهم باعتبارهم كائن أدنى سوف يظل العنف بشتى أنواعه ضد المرأة، فلك أن تتخيل أن امرأة مطلقة ولها أولاد تقوم بتربيتهم وتحاول
الحصول على نفقتهم من والدهم عن طريق المحاكم وقد لا تحصل عليها لسنوات ثم يكبر أحد الأبناء وتريد نقله من مرحلة تعليمية إلى أخرى يطلب منها أن تحضر ولي الأمر وكأنها غير موجودة ، فأي نوع من الظلم هذا، ألا يصلح من قام بالتربية في ظل تهرب الرجل من مسؤولياته أن تكون ولي أمر لإبنها، وهناك مثال آخر امرأة تعمل لتعول أولادها بعد أن طلقت، ولديها ابن أكبر رسب ثلاث سنوات في المرحلة الثانوية فأرادت تحويله إلى التعليم الفني فرفض الأب الذي لا يقوم بدفع أي نفقات".
وأوضحت آمال عبد الهادي أن "مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة العام الماضي 2019 قام بعمل دراسة حول العنف بشكل عام، حيث رصدت الدراسة أن 81% من وفيات الرجال تتم بشكل خارج عن العنف وأن 19% من وفيات الرجال بسبب الخلافات الزوجية، وأشارت الدراسة إلى أن 82% من النساء يقضين نحبهن بسبب خلافات مع الزوج أو أحد أفراد الأسرة، رغم أن نسبة وفيات السيدات بشكل عام في العالم 18%".
فى المادة 153 من "قانون الجزاء" الكويتي تمييز فى العقوبة بين الرجل والمرأة في حالة الإقدام على قتل "الشرف"، كما هو الحال في القانونين المصري والأردني، إلا أن القانون الكويتي يسمح أيضا بمعاقبة القاتل بالغرامة فقط وليس الحبس بالضرورة.وتنص المادة على معاقبة من يقتل زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته "حال تلبسها بمواقعة رجل لها" بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات أو بغرامة لا تتجاوز 45 دولاراً، أوبكلتا العقوبتين.
وأثارت هذه المادة كثيرا من الجدل وسط دعوات بإلغائها منذ سنوات، إلا أنها لاتزال قيد المناقشات في مجلس الأمة منذ عام 2017 إذ تقف بعض القوى الإجتماعية وراء الإبقاء عليها.وترى عضو مؤسسة المرأة الجديدة، آمال عبد الهادي، أن قضية جرائم الشرف هى قضية من مجموعة قضايا اجتماعية لا يمكن أن يكون القانون أو الإعلام أو التعليم هو الفاعل الوحيد فيها، فكلما ذهبت لعلاج جزء يظهر الخلل في الجزء الآخر، فمثلا لم يكن مصطلح التحرش الجنسي موجود
في القانون المصري من قبل، وعندما تجرأت الفتاة ولم تقبل التصالح بالشكل المعهود ولم تقبل الضغوط من الجهات التنفيذية أو الأسرة، وقد كانت المخرجة نهى الأستاذ من أولى الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش، وهي عضو في مؤسسة المرأة الجديدة، وقامت بتفجير تلك القضية وقمنا بمساندتها ورفعت دعوى أمام القضاء، وما فعلته نهى منفردة لم يكن بإمكانه التغيير، لكنها كانت بداية الطريق لتشجيع الفتيات للدفاع القانوني عن أنفسهن، وعملنا على موضوع التحرش منذ
العام 2008 إلى أن تغير القانون في العام 2017 واعترف القانون المصري بالتحرش، فقد كانت جريمة التحرش في القانون المصري ومعظم قوانين الدول العربية بأنها "جريمة ضد الأخلاق".وقالت السلطات الإماراتية في وقت سابق أنها ألغت البنود القانونية التي تسمح للمحاكم بإصدار أحكام مخففة بشأن الجرائم ضد النساء والتي يطلق عليها "جرائم الشرف"، إذ كانت تلك البنود تعطي للقضاة الحق في إصدار أحكام مخففة بحق الجناة من الرجال، وبعد إلغاء تلك البنود
ستكون هناك إجراءات أكثر صرامة في القانون الجنائي الإماراتي وسوف تعامل تلك القضايا بموجب القانون الجنائي بحكم أنها جريمة قتل مثل أي جريمة أخرى، حيث كانت تطبق أحكام مخففة على قاتلي النساء اللاتي يخالفن قواعد السلوك الجنسي المخالفة.وتقول جماعات حقوق الإنسان إن آلاف النساء والفتيات يُقتلن في جميع أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا كل عام على أيدي أفراد الأسرة الغاضبين من الضرر الذي يلحق "بشرفهم"، يمكن أن يشمل هذا الهروب
أو أي تجاوز للقيم المحافظة فيما يتعلق بالمرأة.وينص قانون العقوبات الأردني على أنه "يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد"، وبناء عليه لا تتجاوز مدة العقوبة ثلاث سنوات ولا تقل عن سنة واحدة.والقانون نفسه يجيز لأهل الضحية "إسقاط الحق الشخصي" أى حقهم في القصاص لابنتهم أو أختهم مما يخفض الحكم المخفف بالأساس إلى النصف، و يشترط لاعتبار القضية بداعي الشرف، إذا كان الجاني امرأة، أن تضبط زوجها
في فراش الزوجية"، وذلك لأن المشرع أخذ بعين الاعتبار موضوع تعدد الزوجات، في حين تعتبر أن الجريمة "قتل بداعي الشرف" إذا كان الجاني رجلا، وضبط المرأة في أي مكان عام.الخلل القانوني الذي يعاني منه الأردن هو نفسه في مصر وعدد من الدول العربية الأخرى، فقانون العقوبات المصري يخفف عقوبة الزوج الذي "فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال.. بالحبس من 24 ساعة إلى ثلاث سنوات.
ويشترط قانون العقوبات السوري أيضا عنصر المفاجأة كالقانون الكويتي والمصري والأردني لتخفيف الحكم في حالة القتل. إلا أن العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات السوري أشد من القوانين الأخرى، إذ تنص المادة 548 منه "تكون العقوبة الحبسَ من خمس إلى سبع سنوات".وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أكثر من نصف ضحايا جرائم القتل لعام 2018 في جميع أنحاء العالم قُتلن على يد شركاء حياتهن أو أقارب، معظمهن في أفريقيا، تليها الأمريكيتان، ثم أوروبا. بالطبع لم يقتلن جميعا "دفاعا عن الشرف"، لكن الأرقام تشير لفشل جهود مواجهة "قتل الشرف" بحسب التقرير.
قد يهمك ايضا:
حماس توجيه تهمة القتل "غير العمد" لقاتل الشهيد الحلاق اشتراك في الجريمة
الحكم بالأشغال الشاقة لمدان بتهمة الشروع بالقتل القصد
أرسل تعليقك