إعادة قراءة تغريدات عبدي نور تقشعر لها الأبدان؛ فقد انتقل مباشرة من ملاعب كرة السلة في جنوب مينيابوليس، إلى ساحات القتال في سورية، مما يبرز استشراء ظاهرة التطرف على مستوى العالم.
كان السيد نور أصبح واحدًا من عددٍ قليلٍ من الأميركيين أغراهم وعد الخلافة الديني المروع لداعش، الذي استولى على أجزاء كبيرة من سورية والعراق.
وفي وقت مبكر من العام الماضي، بدأ نور في نشر تصريحات وأجزاء من الكتب الدينية المتشددة، وأشاد بالمقاتلين الإسلاميين، قائلًا: "إذا كانت السماء فخورة بوجود النجوم، فينبغي أن تكون الأرض فخورة بوجود المجاهدين".
وفي يوم 29 آيار/ مايو الماضي، وهو اليوم الذي اختفى فيه قبل عيد ميلاده بيومين، ذكرت صحيفة "تايمز" أنه نشر "أشكر الله على كل شيء لا يهم!"، ثم توجه إلى تركيا، رافضًا مناشادات والدته وأخته عودته إلى المنزل.
وفي نهاية تموز/ يوليو الماضي غرَّد "ما أجمل قضاء يوم في الرقة"، وهي عاصمة تنظيم داعش في سورية، ثم تلتها تغريدة أخيرة في 7 آب/ أغسطس الماضي، مع نشر صورة له عبر الإنترنت مع بندقية كلاشنيكوف.
هذا الشاب يعد مثالًا نادرًا للمقاتلين الأميركيين المنضمين إلى داعش، عن طريق الإعلانات عبر الإنترنت والمقابلات.
وتشير قصته إلى أن داعش يعتمد على التوظيف من داخل الولايات المتحدة لتظهر صعوبة جديدة تتمثل في كيفية صعوبة التنبؤ بمن سيجرفهم الحماس الأيديولوجي.
التحق نور بكلية المجتمع خارج مينيابوليس لكي يصبح محاميًا، ثم بدأ في زيارة مسجد جديد وخلع الملابس العصرية واستبدلها بالزي التقليدي، وحاول الهرب مع صديقه عبدالله يوسف، 18 عامًا، ولكن تم توقيف الأخير أثناء محاولته مغادرة البلاد، فبقي نور في منزل في مينيابوليس، ليصبح جزءًا من تجربة جنبته السجن لمدة طويلة وأعطته دورًا في جذب الآخرين إلى التطرف.
الحقيقي أن عدد الأميركيين المنضمين إلى داعش لا يزال ضئيلاً، لا سيما بالمقارنة مع 3 آلاف شخصٍ من الذين انضموا إلى الجماعة من أوروبا، بالرغم من توقيف أكثر من عشرين شخصًا من الرجال والنساء من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل أن يتمكنوا من الطيران بعيدًا.
وبعد مراقبة المشاركات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وسجلات المحكمة؛ هناك ترجيحات أنه ربما سيتم توقيف 20 أخرين قبل الذهاب إلى سورية، ووفقًا للمخابرات الأميركية فقد توفي 4 أشخاص على الأقل يقاتلون من أجل داعش.
ومع عدم وجود نمط واضح لاختيار المجندين، سارع الضباط المكلفون بإنفاذ القانون إلى تحديد عوامل جذب الناس إلى الجماعة المتطرفة في الوقت المناسب للتدخل وعرقلة سفرهم أو وقف المؤامرة من المنزل.
لكن وفقًا لـ"نيويورك تايمز" كان عامل الجذب الرئيسي لمعظم المتطوعين إلى داعش من الأميركيين ذوي الحماسة الدينية، وعادة من بين المؤمنين حديثًا.
وعلى سبيل المثال في لمسة غير منطقية، زار نور مراكز عدة لشراء العتاد الرياضي قبل مغادرته، متوجهًا إلى سورية، ثم ذهب إلى شراء نايكي والملابس، حسبما كشفته المباحث الفيدرالية.
الملاحظ أن أغلب المجندين في صفوف داعش من الرجال، ولكن هناك عدد غير قليل من النساء، كما شمل المتطوعين الشباب المراهقين أيضًا والبالغين في منتصف العمر مع أسرهم وأصحاب المهن المتخصصة، علاوة على صغار المجرمين والطلاب، ومن الملاحظ وجود عددٍ كبيرٍ من المتحولين إلى الإسلام، في حين أن آخرين من أبناء المهاجرين من دول إسلامية.
والكتلة الوحيدة الإسلامية المتجمعة في البلاد موجودة في مينيابوليس، إذ غادر 20 شابًا من جذور صومالية في السنوات الأخيرة للقتال مع جماعة الشباب الصومالية التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال.
والآن، إلى محنة الشيوخ الصومالييون، حيث محاولة العشرات الانضمام إلى داعش، ولكن قليلًا من المتطوعين قدموا من جميع أنحاء البلاد.
وعندما اتهم محارب مخضرم، يعمل في سلاح الجو يبلغ من العمر 47 عامًا وله تاريخ في العمل في بروكلين، بمحاولة الانضمام إلى داعش، و قبل أسبوعين، اتهم صبي بارع في الكمبيوتر، يبلغ من العمر 17 عامًا، في ولاية فرجينيا بمساعدة رجل على إجراء اتصالات مع المجموعة المتطرفة والوصول إلى سورية.
السيرة الذاتية الأكثر اكتمالًا للأشخاص الذين تم توقيفهم في المطارات في محاولة لمغادرة الولايات المتحدة.
منهم وعلى سبيل المثال مايكل تود وولف (23 عامًا) الذي اعتنق الإسلام من ولاية تكساس، مع سجل باتهامات الاعتداء والسرقة، تم توقيفه في مطار هيوستن، لسعيه إلى الانضمام لداعش أو جبهة النصرة، إحدى شركاء تنظيم القاعدة.
وبينما كان عملاء "الفيدرالية" ينتظرون شانون كونلي، البالغ من العمر 19 عامًا، في مطار دنفر؛ التي اعتقدت أنه يمكنها استخدام مهاراتها كمساعد ممرضة لمساعدة مقاتلي داعش، وأعربت عن أملها في الزواج بمجند تونسي ضمن مقاتلي داعش، الذي التقت به عبر الإنترنت.
مثال آخر، محمد حمزة خان (19 عامًا) الذي اصطحب شقيقه الأصغر وشقيقته معه إلى مطار أوهير في شيكاغو، إذ اعترضتهم المخابرات الأميركية، وترك لوالديه رسالة طويلة قائلاً إنه لا يستطيع البقاء في الولايات المتحدة بسبب الضرائب التي يدفعها ويمكن أن تستخدم لقتل المسلمين في الخارج.
وبتفتيش هؤلاء الأشخاص وجد لديهم دليلًا ملحوظاً يوضح طريقة السفر إلى داعش، ويدعوا "الهجرة إلى أراضي داعش" تم توزيعه عبر شبكة الإنترنت منذ شهر شباط/ فبراير، والكتاب مكون من 50 صفحة، ويتضمن الدليل 50 صفحة عن كيفية الهجرة، ويطلق عليه "الهجرة المقدسة"، ويتضمن تفاصيل البيوت الآمنة والطرق للجهاديين الغربيين.
ويستهدف هذا الدليل على وجه التحديد الشباب، ويحمل عنوان "الهجرة إلى الدولة الإسلامية"، والذي يتضمن كيفية الاتصال وإلى أين يذهبون، إذ يساعد أحد مقاتلي داعش والذي يعيش في تركيا من يريدون السفر إلى التنظيم عن طريق تركيا، وإيصالهم إلى الحدود السورية التركية، التي من خلالها يمكنه الوصول إليه.
وأكد مجند بريطاني متشدد أن جنودًا أتراك قد سمحوا لمجموعة من المقاتلين الأجانب من عبور الحدود إلى سورية والدخول إلى داعش.
وذكر الكتيب بعض الجهاديات مثل جميلة هنري (21 عامًا) التي كانت تعيش في معقل التنظيم في الرقة مع ابنها البالغ من العمر عامين، حتى قبل عيد الميلاد قبل أن يعود إلى المملكة المتحدة.
وذكرت أنها كانت مراقبة من قِبل المخابرات التركية في أنقرة، بينما كان يحاول الوسيط تسهيل طريق عودتها إلى سورية.
وهناك أيضًا المراهقات شميمة بيغوم، 15 عامًا، وكاديزا سلطانة، 16 عامًا، وأميرة حقر، 15 عامًا، وهن أيضًا قد انضممن إلى داعش عن طريق تركيا وتحديدًا عن طريق هذا المرشد.
وذكر أنات أغرون، التي تدرس مسارات الإنترنت للمقاتلين الناطقين بالإنجليزية المقاتلين في سورية والمسجلة في معهد الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط أنها تتبعت 6 رجال و3 نساء الذين ادعوا بمصداقية أنهم الآن مع داعش.
كما وجدت السيدة أغرون امرأة شابة تدعو نفسها "كلو" اعتنقت الإسلام من سان فرانسيسكو، ويبدو أنها تزوجت من مقاتل ويلزي، الذي انضم إلى جبهة النصرة، إذ نشرت صورهم عبر تويتر، جنبًا إلى جنب مع تعبير عن الإخلاص الزوجي بينهما.
وغردت يوم 8 آذار/ مارس الماضي "في السوق كل طفل صغير مع والدة منقبة لول #niqabproblems #notyomama".
وهناك امرأة أخرى تدعو نفسها "أم جهاد" نشرت صورة لجواز سفر أميركي، جنبًا إلى جنب مع جوازات سفر ثلاثة أخريات غربيات، ثم كتبت على تويتر"النار قريبًا" تلتها تغريدة أخرى "لا حاجة لهذا بعد الآن".
ولأن السيد نور قصته أسهل في المتابعة، نشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي اتهم غيابيًا بدعم داعش، رفضت عائلته إجراء مقابلات معهم.
كما ذكر عمر جمال وهو ناشط صومالي تحدث لأفراد الأسرة "لقد دمروا تمامًا" مضيفًا "إنهم خائفون، قلقون من أن يعرضهم أي شيء يقولونه للخطر بطريقة أو بأخرى، بالإضافة إلى هذه الاتهامات فإن رد الفعل عدائي جدًا من الجيران وزملاء العمل".
وما نبَّه "الفيدرالية" في 28 آيار/ مايو الماضي؛ هو تردد السيد يوسف والسيد نور على اختصاصي جوازات سفر مشبوه عندما حاول يوسف الحصول على جواز سفر بشكل عاجل وبدا غامضًا حول الغرض منه، مما أدى إلى اعترض عملاء "الفيدرالية" السيد يوسف في المطار ومنعه من صعود الطائرة.
وبالتحقيقات وجد أن السيارة جيتا فولكس واجن الزرقاء التي أوصلته تنتمي إلى شقيق صديقه السيد نور.
وكل ما انتشر أن السيد نور أصبح في عداد المفقودين، مما يعد ضربة للجالية صومالية الكبيرة في المدينة، بحسب ما قاله عبدالرزاق، رسام صديق السيد نور خريج المدرسة الثانوية العام 2013، ولعب معه كرة السلة في وقت سابق قبل بضعة أيام فقط، وقال له "لم يكن لدي أيّة فكرة".
في اليوم التالي 30 أيار/ مايو الماضي تقدمت شقيقة السيد نور إفراح، إلى مركز الشرطة بالقرب من شقة الأسرة ببلاغ عن اختفائه.
وخلال اليوم التالي، أكدت أنها تمكنت من التواصل إليه في تركيا عن طريق رسائل في الفيسبوك والتطبيق يسمى "كيك" حيث قدمت التسجيلات المتبادلة بينهما في وثائق المحكمة.
وخلال شهوره الأولى في سورية، كان السيد نور متفائلاً ونشر في كثير من الأحيان على الإنترنت.
كان يدرس اللغة الإنجليزية ويكتب نصائح عن استخدام المسدسات، معربًا عن الإثارة نتيجة محاربة القوات الكردية، ومشيدًا بـ"الإخوة المذهلين" معه.
وفي يوم 7 آب/ أغسطس الماضي، أجاب على أسئلة على موقع "اسك. كوم"، بما في ذلك أسئلة بعض أصدقائه الغاضبين من مينيابوليس؛ إذ سأله أحدهم "من غسل دماغك؟"، ورد السيد نور بانزعاج "كلمات الله، والقرآن، وهذا ما غسل دماغي".
أرسل تعليقك