دمشق - جورج الشامي
يواجه السوري، الواصل إلى إسطنبول، بطريقة شرعية أو غير شرعية، واقعًا مغايرًا لما توقعه، يبدأ مع معضلة اللغة، ويستمر بالغلاء وارتفاع أسعار السكن، ويتواصل بقلة فرص العمل، وهذا ما يدفعه إلى الذهاب للجمعيات والهيئات الإغاثية السوريّة.
وبين الداخل والخارج، مازالت قضية المساعدات والإعانات تشغل الشارع السوري، فالمشرد، والمحاصر، أو المهجر في الداخل، يصل إليه يومياً أخبار عن أرقام خيالية من التبرعات للشعب السوري في دول الجوار، لاسيما في تركيا، ومع أسماء الجمعيات ذات الطابع الديني والقائمين عليها من شيوخ ورجال دين، يعتقد السوري في الداخل أنّ تركيا هي بلد الأحلام، وإسطنبول هي مدينة الحلول، ما يدفعه للخروج بحثاً عن الأمن والأمان، ولقمة العيش، بعيداً عن رحى الحرب الدائرة، والقصف المتواصل من قوات الحكومة السورية على مختلف أصقاع البلاد.
ومن المشكلات التي يواجهها السوري في تركيا هو ارتفاع أجور السكن، حيث تصل أجرة أرخص منزل في إسطنبول، مؤلف من غرفة واحدة، وغير مؤثث، إلى 300 دولار، ولكن كي يستلمه السوري عليه أن يدفع 900 دولار مقدّمًا، هي أجرة شهر، وتأمين، وعمولة، فيما تصل أقل كلفة لفرش منزل إلى 750 دولار، وأدنى حد مصروف لعائلة مكونة من 4 أشخاص هو 500 دولار شهريًا، في حين أعلى مردود عمل، لمدة 12 ساعة، ممكن أن يحصل عليه رب الأسرة هو 600 دولار.
ويوضح الناشط أبو عمر، في حديث إلى "العرب اليوم"، أنَّ "70% من هيئات الإغاثة السورية في إسطنبول تابعة لجمعيات ذات اتجاه ديني، وهذه الجمعيات ليس لها عنوان واضح في المدينة الضخمة، فقط صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)"، مشيرًا إلى أنّه "يجب أن يحظى المواطن بفرصة أخذ العنوان من شخص قام بطريقة ما بمعرفة عنوان الجمعية، وعلى الرغم من ذلك يعاني من الوصول إلى البناء، لعدم وجود ما يدل على الجمعية، ولا حتى علم الثورة".
وأضاف "بعد هذه الخطوة يعتقد أنه قد يحصل على ما يساعده في ظروفه الصعبة، لاسيما إن كان مع عائلة، لكنه يصل إلى الجمعية ليقابل موظف الاستقبال، الذي يعامله وكأنه من طبقة عليا، وهذا المواطن المحتاج من طبقة دنيا، ويشعره بأنه ولي نعمته، ومع ذلك فإن حصوله على المساعدة لابد أن يمر بالبيروقراطية المعهودة للنظام السوري، وطريقة تعامله، من تسجيل الاسم، وانتظار الدور، وطلب جواز السفر، ودفتر العائلة، وهي أوراق قد لا تتوفر مع الجميع، لاسيما من سكان المناطق الشمالية، وفي معظم الأحيان لا يحصل المواطن على شيء، سوى كلمة راجعنا بعد أسبوعين، لعدم توفر الإمكانات".
ويتابع أبو عمر "أما إذا كان طالب المساعدة شابًا، دون عائلة، فيحصل على عبارة (جد لنفسك عملاً)"، مشيرًا إلى أنَّ "القائمين على الجمعيات يدركون تمامًا أنه لا يوجد عمل للسوريين في إسطنبول، سوى العمالة العضلية المتعبة، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ الحصول على عمل صعب المنال".
ويبيّن أبو عمر أنَّ "الجمعيات الإغاثية في إسطنبول تنقسم إلى نوعين، الأول يتكون أعضائها من عائلة واحدة، أو من أصدقاء قدامى أو معارف شخصية، والثاني جمعيات خيرية سورية، انتقلت كما هي من دمشق إلى إسطنبول، وجميعها تمتلك مكاتب مميزة، وفرش فخم، والعاملين فيها يسكنون أفخم المناطق، ومدرائها يملكون سيارات، وإحدى هذه الجمعيات في مكاتبها عدد كبير من شاشات العرض الرقمية، تستخدمها لعرض شعار المؤسسة، في حين أنّ سعر الشاشة الواحدة تكفي لإيواء عائلة سورية لشهر كامل".
واحدة من العائلات المشردة من ريف حلب، موجودة في منطقة يوسف باشا، تتسول الأم لأولادها الطعام، فلا تطلب من المارة المال، ولكنها تطلب أن يطعموا أولادها الثلاثة، وعن سبب لجوءها للتسول، وعدم الذهاب إلى إحدى الجمعيات المختصة بإعالة السوريين، أوضحت السيدة، في حديث إلى "العرب اليوم"، "ذهبنا للجمعيات السورية، إحداها أعطتنا 3 بطانيات، وهي جمعية إعمار الشام)، والثانية (النور) أخبرتنا أن نراجعهم بعد أسبوعين، وقبلها راجعناهم أيضًا دون جدوى، ولكن جمعية (IHHH) التركية فرشت لنا المنزل".
وأضافت "حاولت الذهاب إلى رابطة علماء المسلمين في منطقة الفاتح، فلم يستقبلوني، وقالوا لي بالحرف الواحد هذا ليس عملنا، عليكم أن تذهبوا للجمعيات الإغاثية".
وعائلة أخرى في منطقة السلطان أحمد، تتكون من أب وأطفاله، توجّهت بالسؤال نفسه لجمعيات عدة، وتلقت الإجابة نفسها، مع الاختلاف أنّ الجمعيات السورية لم تعطه شيء، كما أكّد في حديثه إلى "العرب اليوم"، وإنما يأخذ إعانات شهرية من جمعية "IHHH" التركية، وعندما طلب من الجمعيات السورية أن يأمنوا له عمل، كانت الإجابة "تدبّر أمرك".
ووصف شاب سوري معانتاه مع الجمعيات، في حديث إلى "العرب اليوم"، قائلاً "لجأت إلى جميع الهيئات والجمعيات السورية، ولم أحصل منهم على شيء، مع العلم أنني لم أطلب منهم سوى مساعدتي للحصول على عمل، وكنت أقابل الموظفين لديهم وكأنني أقابل رئيس فرع مخابرات، أو وزير"، حسب تعبيره.
في المقابل، لم نستطع أن نأخذ وجهة نظر هذه الجمعيات، التي رفضت التصريح، في حين أكّد ناشط سوري معروف في إسطنبول، في تصريح إلى "العرب اليوم"، أنَّ "هذه الجمعيات اسمية، من يستفيد منها هم أعضاؤها، وأقاربهم، وأصدقاؤهم فقط، فتحصل على مال الإغاثة من الدول والجمعيات العالمية، وعوضًا عن توزعيه على السوريين المحتاجين، تقوم بتوزيعه على الأقارب والأصدقاء، ولتغطية هذا الأمر، تقوم بين الفينة والأخرى بتوزيع بعض البطانيات، أو السلال الغذائية، بشكل علني، وتحضر التلفزيونات للتصوير، في تغطية على الممارسات التي تقوم بها".
أرسل تعليقك